"رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له."
لما وُلد المسيح أرسلت السماء ملائكة لتبشر الرعاة الفقراء بميلاد المسيح، وأرسلت نجمًا ليعلن للمجوس الأغنياء عن خبر ميلاده، لأن المسيح أتى لجميع الطبقات وهو يريد أن يتعرف به الجميع. وهنا أود أن نتأمل في نجم الميلاد الذي رآه المجوس في ثلاث كلمات:
أولاً: حقيقة النجم
لما وصل المجوس إلى هيرودس وسألوا: "أين هو المولود ملك اليهود؟" جمع هيرودس كل رؤساء الكهنة والكتبة وسألهم: "أين يولد المسيح؟" فقالوا: في بيت لحم اليهودية، فنجم الميلاد الذي أضاء في السماء لم يطفئ نور النبوات التي كانت في التوراة، ولعل في هذا درسًا لنا:
فكل نور جديد يأتينا لا ينبغي أن يغيّر الحقائق القديمة التي عرفناها.
ولنتأمل حقيقة النجم. يبدو أن ما رآه المجوس لم يكن نجمًا بالمعنى الذي نفهمه لأنه كان يتقدم المجوس، لكن كيف هذا؟ يعتقد البعض أنه كان يضيء حينًا ثم ينطفئ ليضيء بعد مسافة أخرى، وهكذا إلى أن وصلوا إلى أورشليم ثم بيت لحم. ويعتقد البعض الآخر أن ذلك النجم كان له نور قوي جدًا وكان ثابتًا فوق مدينة بيت لحم، وقد استطاع المجوس، وهم في المشرق، أن يروه وقد جذبهم نوره حتى وصلوا إلى أورشليم ثم إلى بيت لحم، وإن كان هذا الفكر قد يبدو معقولاً إلا أنه لا ينطبق مع القول "وكان النجم يتقدّمهم"، ويعتقد غيرهم أن ما رآه المجوس كان شيئًا مضيئًا كعمود النور الذي قاد شعب الرب قديمًا في البرية. على أن بعض الآباء الذين عاشوا في العصور الأولى للمسيحية كانوا يؤكدون بأن نور ذلك النجم كان قويًا جدًا لدرجة أنه كان يُرى في النهار. إلا أن هذا الاعتقاد يعني أن المجوس استمروا في سفرهم ليل نهار، لكن لماذا لا نقول إن المجوس كانوا ينامون نهارًا، وحين يظهر النجم في الليل يسيرون وفق إرشاده؟ على أن هذا البحث ليس من الأهمية بمكان، فدعونا ننتقل إلى الكلمة الثانية.
ثانيًا: رسالة النجم
إن ذلك النجم قاد المجوس إلى يسوع، وكل شخص يقود النفوس للمسيح سوف يضيء في الأبدية كالنجوم والكواكب، إذ يقول الكتاب: "وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ. "وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ." (دانيآل 3:12) وأنا أرى أن ذلك النجم يحمل لنا رسالة مزدوجة:
1. كن كيسوع: لم يذكر الكتاب المقدس شيئًا عن شكل النجم، أو قوة إضاءته، أو لون نوره، لكنه سجل لنا ما هو أهم إذ قال عنه المجوس "رأينا نجمه"، فالنجم الذي يستخدمه الله هو النجم الذي أضحى مُلكًا للمسيح، "نجمه،" فالخادم الأمين هو الشخص الذي امتلكه المسيح، فقبل أن نقود الآخرين لأن يصبحوا مُلكًا للمسيح، علينا أن نكون نحن بجملتنا ملكًا له.
لقد كانت كل شعاعة من أشعة النور الخارجة من ذلك النجم تبغي أن تنير الطريق المؤدي إلى يسوع، وأنا أقول إن هذا ما أشتاق أن أراه يتحقق في كل مؤمن، فمهما كانت شخصياتنا أو مواهبنا، فلا ينبغي أن نجعل هذه أو تلك تجذب التفات الآخرين إلينا، إنما تقودهم إلى شخص المسيح الذي نحن سفراء له في هذه الحياة.
حين نقرأ تاريخ الكنيسة نجد أن الكثيرين قد لمعت أسماؤهم في سماء المسيحية، لكنني أشتاق أن يكون كل منا كذلك النجم الذي لمع نوره دون أن يعرف اسمه، ويكفينا سرورًا أن يكون كل منا "نجمه" المعروف منه وحده. إن أواني الهيكل لا يمكن أن تكون مستعارة، لكنها جميعها ملك للسيد، فهل أنت إناء مكرسًا ومخصصًّا للرب بالكامل؟ يا من تريد أن تخدم الرب، اعلم أن شعاعة من نور حياتك يجب أن تستخدم لمجد المسيح وحده.
2. قدْ الآخرين ليسوع: فالخدمة التي أدّاها ذلك النجم هي قيادة الآخرين إلى يسوع. آه، إنه أمر محزن أن نرى الكثيرين من خدام الله كالأعمدة التي تحمل اللافتات، تشير إلى الطريق ولكنها لا تسير فيه. لقد كان الكتبة والفريسيون من هذا الطراز، إذ أخبروا المجوس عن مكان ميلاد المسيح دون أن يذهبوا هم للتعبد له.
يا أعزائي، إن قدوتنا تجذب النفوس أكثر من عظاتنا. فمن يريد أن يقود الآخرين إلى يسوع عليه أن يتّجه بنظره إلى السيد ويتقدّم نحوه فتتبعه النفوس كفيلبس الذي لم يكتفِ بأن يحدّث نثنائيل عن المسيح. إنما أتى به إليه قائلاً له: "تعال وانظر."
جميل أن نضيء كالنجم، لكن أجمل منه أن نقود النفوس إلى يسوع.
ثالثًا: دروس من النجم
1. استرشد بالرب: لما وصل المجوس إلى أورشليم تصوّروا أنهم قد وصلوا إلى مدينة الملك وأنهم لا حاجة لهم فيما بعد إلى قيادة النجم، وابتدأوا يسألون البشر عن مكان ميلاد المسيح، وتسبب تصرفهم الخاطئ هذا في اضطراب هيرودس، ثم في قتل جميع الأطفال من ابن سنتين فما دون. لكن، لما خرج المجوس من أورشليم في طريقهم إلى بيت لحم، ورأوا النجم ثانية، لا نقرأ عنهم بعد هذا أنهم عند وصولهم إلى بيت لحم سألوا عن مكان ميلاد المسيح لأنهم استمروا في اتباعهم للنجم إلى أن وقف بهم فوق حيث كان الصبي. آه، حين نترك الإرشاد الإلهي ونسأل البشر، نتعَب ونُتعِب غيرنا، لكن حين نسير وفق إرشاد الرب وحده فإننا لن نضل قط.
2. لا تفشل: لأنه إذا كف البشر عن المناداة بالإنجيل فإن الله سيستخدم حتى الجماد لقيادة النفوس إلى المسيح، فيوم يكف البشر عن المناداة بالمسيح، الذي هو الكلمة المتجسد، فإن الله سيوصّل حقه إلى النفوس عن طريق الكلمة المكتوبة، ومتى انحرف رؤساء الكهنة والكتبة عن الحق، ورفضوا الاعتراف بالمسيح الذي تنبّأت عنه النبوءات، فإن الله سيستخدم نجوم السماء لقيادة المجوس البعيدين عن مدينة بيت لحم.
في الختام أقول، لقد أتى المجوس عبر الصحاري والقفار حتى وصلوا إلى بيت لحم، وأنت أيها الخاطئ، إذا أردت أن تخلص عليك أن تترك صحارى الخطايا وقفار الآثام لتأتي إلى مخلص الأنام. لقد قاد النجم أولئك المجوس وأنار لهم الطريق حتى وصلوا إلى يسوع. أما أنت، يا عزيزي، فإن ما يقودك هو الإيمان، وما ينير لك الطريق هو كلمة الإنجيل. ألم تقرأ فيها هذا القول: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ؟"
ليتك تستجيب النداء لتستريح الآن من حمل خطاياك.