Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخت أدما حبيبيإلى منزل في وسط الجليل، وإلى فتاة عذراء فتيّة في عمر غضٍّ صغير، في مدينة الناصرة ذات السمعة غير الحميدة لكونها معبرًا تجاريًا لخليطٍ من تجار الأمم والرومان، إلى هناك بالتحديد، أُرسل جبرائيلُ الملاك من عند الله في السماء، حاملًا معه بشارة مخصصة لمريم دون سواها، من عذارى يهوذا. وفور دخول الملاك غرفة العذراء المخطوبة، والمزمعة آنذاك أن تتزوج من يوسف النجَّار خطيبها من بيت داود وعشيرته، ارتبكت مريم من زيارة الملاك المفاجئة لها في بيتها الفقير الوضيع، وارتعبت في داخلها من شأن هذه الإطلالة غير المتوقعة، كما استغربت تحيَّته لها حين قال لها:

سلامٌ لكِ أيتها المنعم عليها. الرب معك. مباركة أنتِ في النساء. لكنَّ جبرائيل هدّأ من روعها حين أخبرها بالحدَث الكبير الذي ستكون هي فيه المصطفاة من قبل الله العلي القدير لتتميمه وتحقيقه، إذ قال لها: "لا تخافي يا مريم لأنكِ قد وجدتِ نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمّينه يسوع. هذا يكون عظيمًا وابنَ العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية." ماذا؟ تساءلت مريم في سرِّها، كيف يمكن أن يتكوّن طفلٌ في رحمِ عذراء لم تتزوَّج بعد؟ لكنَّها ما لبثتْ أن عبَّرت بما في داخلها للملاك علَنًا، وسألت باستغراب عن هذه الكيفية التي سيتمُّ من خلالها الحَمل وقالت: "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلًا؟" وأتى جواب الملاك للحال ليكون مصدرَ دعم وقوة يبدِّد التردّد باليقين: "الروح القدس يحلُّ عليكِ وقوة العلي تظلِّلكِ لذلك فالقدوس المولود منك يدعى ابنَ الله. وهوذا أليصابات نسيبتُكِ هي أيضًا حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرًا، لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله."
إذن الروح القدس نفسه لسوف يحلُّ في أحشائي ويظلِّلني، ولسوف يَنسج هذا الطفل القدوس في بطني، أهذه هي المعجزة الحقيقية التي اختارني الله من أجلها حتى قال لي الملاك: سيُدعى الطفل ابن الله! وها نسيبتي أليصابات العاقر التي أمضت كلَّ صباها تحلمُ بولد أضحت الآن حاملًا بابن في شيخوختها! ما أعظمك يا ألله! فعلًا، ليس شيء غير ممكن لدى الله القدير. وهنا ما كان لهذه الأفكار في سريرة مريم العذراء إلا أن تتبلور لتتخذ قرارًا مصيريًا وهو أن تسلِّم إلى مشيئة الله الذي أراد أن يصنع المستحيل من خلالها، وخضعت بالتالي لله بكل إرادتها مؤكدة للملاك ومصرّحة له بهذه الجملة الشهيرة: هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك. (لوقا 26:1-38)
هوذا أنا أَمَة الرب، ليفعل بي ما يشاء. بالطبع لم يكن التسليم لمشيئة الله سهلًا البتة، وكذا الخضوع لخطته أمرًا خاليًا من المصاعب ورفض الناس والمجتمع. لكنَّ كلمات الملاك المرسل من قِبل الله العلي، كانت قوية تبعث الثقة واليقين في كيان مريم المباركة التي اختارها الله لتكون أمًا ليسوع المسيح. ولهذا لم تبرحْ هذه العبارات من عقلها وقلبها ونفسها، بل امتلكتْ كيانها كلَّه وراحت تُدهِشُ مريم في كل يوم كان يمضي.
لذا، وفي يوم من الأيام لم تقدر على البقاء في بيتها، بل مع بزوغ الفجر التالي وإطلالة أول شعاع للشمس استفاقت من نومها، ولبستْ ثيابها بعد أن قررت الذهاب لزيارة نسيبتها أليصابات الحبلى في شيخوختها لأن الله القدير عظَّم العمل معها قبل ستة أشهر، ومنحها سؤل قلبها. وما أن وصلت مريم إلى مدينة يهوذا بعد أن قطعت الجبال والوديان، حتى دخلت بيت زكريا وسلَّمت على أليصابات نسيبتها وحيّتها. وآنئذ حدث ما لم يكن بالحسبان، إذ أطلقت أليصابات نشيدًا بهيجًا، وامتلأت بالروح القدس، وراحت تهتف بصوت عال قائلة: "مباركة أنتِ في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ؟ فهوذا حين صار صوت سلامكِ في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب."
أنشودة بالحق رائعة حين تدعو أليصابات مريم العذراء بـ "أمّ ربي". وهذا التصريح مصدره الروح القدس الذي أعلن لأليصابات هذه الحقيقة. ولهذا طوَّبت مريم وباركتْها لأنهَّا صدَّقت ما قيل لها من قبل الرب، وتيقنت أنَّ ما بشَّرها به الملاك هو رسالة فريدة ومميَّزة لها لتصبح الأم العتيدة للمسيح المنتظر. أما مريم العذراء المباركة فردَّت بأنشودة أخرى هي أنشودة التعظيم، لكنها أكثرُ عذوبةً وأشدُّ روعةً وجمالًا من أنشودة أليصابات، فقالت مسبِّحة الله: "تعظِّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي. لأنه نظر إلى اتضاع أمته. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوِّبني، لأنَّ القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس، ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه. صنع قوة بذراعه، شتَّت المستكبرين بفكر قلوبهم، أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتَّضعين. أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين. عضَّد إسرائيل فتاه ليذكرَ رحمة، كما كلَّم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد." (لوقا 42:1-55)
وهنا ومن خلال هذا النشيد يتبيَّن لنا جميعًا أنَّ مريم العذراء المباركة قد مجَّدتِ الله بترنيمة عذبة، عمَّا سيعمله الله للعالم من خلالها. كما أظهرت كيف أنَّ الله هو دائمًا نصيرٌ للفقراء والأذلَّاء والمحتقرين والمظلومين. لقد أظهرت من خلال هذا النشيد الرائع بأنَّها ستُطوَّب من قِبَل الأجيال القادمة، أي ستقدّر وستتبارك، لأنها أدركت بالحق عطية الله لها وقبلتْها بكل تواضع. ليس هذا فحسب، بل ما يظهره هذا النشيد وما تؤكده هذه الكلمات العظيمة هو بأن الله تمّم وعده لإبراهيم ونسله بمجيء المسيح المخلص، وأيضًا بأنَّ مريم العذراء هي على معرفة حقيقية بالله، فقد كانت أفكارها مملوءة بكلمات العهد القديم.
لقد تغيّرتْ حياة هذه الفتاة الفتيَّة مريم العذراء تغيُّرًا جذريًا بعد زيارة الملاك لها وبشارته المميزَّة لها. انقلبتْ حياتها البسيطة والمتواضعة رأسًا على عقِب لأنَّها كانت محطَّ اختيار الله لها لتتميم خطته من خلالها في إرسال يسوع المسيح المخلص إلى العالم الذي أحبَّه. وقد سَمَت مريم فعلًا في مواقفها وارتقتْ في خضوعها وبوركت وطُوِّبت في تسليمها لمشيئة الله وإرادته في استخدامه لها. فالأمومة كانت بالنسبة لمريم امتيازًا مجبولًا بالألم أكثر منه بالفرح، على عكس كلِّ أم في الدنيا، لأنها أنجبت يسوع الطفل ورافقته في كل مراحل حياته، وشاهدته بأم عينيها وهو على الصليب يتألم ويتعذب، ومن ثمَّ يسلم الروح. لكن على الرغم من كل ذلك تظل أمومة العذراء امتيازًا فريدًا لأنها أضحت هي أمًا ليسوع ابن الله الأزلي. نعم، لقد عظَّمت مريم العذراء الله القدير، وعزت له الفضل كل الفضل له لأنه صنع بها عظائم واسمه قدوس.
إنَّ ميلاد كلِّ طفل لهو معجزةٌ بحدِّ ذاته، أما الميلاد المعجزي الحقيقي فهو ميلادُ ابن الله الأزلي بواسطة الروح القدس الذي حلَّ في أحشاء مريم العذراء المباركة. وهذا بالضبط ما أكَّده لنا الطبيب والمؤرّخ لوقا في بشارته التي كتبها مسوقًا بالروح القدس وسجَّل فيها هذه الحقيقة، حقيقة ولادة يسوع المسيح الابن الأزلي من مريم العذراء. وبعد بحثٍ وتدقيق في الأمور المتيقَّنة دوّن لنا حقيقة الميلاد نقلًا عن مريم العذراء نفسها وكذا عن شهودِ العيان. فولادة المسيح ليست روايةً أو وهمًا أو اختراعًا خياليًا، بل هي حقيقة أكيدة فريدة من أجل خلاص البشرية عن طريق صيرورة الابن الأزلي بشرًا.
فهل تصدِّق يا أخي ويا أختي حقيقة الميلاد المعجزي؟
وهل تطلق العنان لصوتكَ ولصوتكِ فتنشدان كما أنشدت مريم هذا النشيد الرائع عن عمل الله العظيم وخطته لخلاص الإنسان على مرِّ العصور والأجيال؟
بالحق إنَّه أنشودة الأناشيد ويا لَنِعْمَ النشيد!

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2015

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

184 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11576813