Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخ جوزيف عبدومن أكثر العبارات أثرًا وإيحاء في كتاب العهد الجديد تلك التي وردت في الأصحاح الأول من بشارة يوحنا: "وحلّ بيننا." وهي تعلن أنه في ملء الزمان تشرّف المكان باستضافة الملك السرمدي، الذي ترك عرش السماء، وسكن ردهًا من الزمن بين البؤساء. نزع ثياب عظمته ومجده، وترك مقرّ سلطانه المهيب، وأخذ جسد إنسان تحت الضعف والحاجة والعناء. فقد قبل أن يجاور الإنسان الذي شوّهته الخطية، فأفسدت حاضره، وسوّدت مستقبله، فأصبح رهينة بؤسه ومتاعبه، ومخاوف درب مسيره وكآبة مصيره المجهول. لقد وضع الغنيّ نفسه بين الفقراء، والقدير سكن بين الضعفاء!

لقد تنبّأ عن هذا الحلول الكريم نبيّ الله إشعياء، وقبل حدوثه بحوالي سبعمئة عام حيث قال: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ." (إشعياء 6:9)
ولشدّ ما أدهشني هذا الترابط العضوي بين العبارتين: "يولد لنا" و "حلّ بيننا". ورغم أنهما قيلتا في زمنين متباعدين فقد ربط بينهما ضمير جمع المتكلمين "نا" ليؤكد أن للقارئ وللسامع أيضًا حصة في ذلك الضيف الكريم. فهل تلمّست عزيزي القارئ حقيقة ما يكلمنا به هذا الضمير المكوّن من حرفين؟ إنه يخبرنا أن بركات هذا الزائر العظيم تكفي لجميع العالمين، لكي يفرحوا في حاضرهم ويستبشروا بمستقبلهم الذي فيه سيسكن الرب في مجده السماوي، ونحن "سنحلّ حوله" فيبقى هو "لنا" ونحن "له" أيضًا إلى الأبد وليس بعد ذلك من فراق.
جاء المسيح إلينا طفلاً صغيرًا مولودًا في مذود حقير وفي قرية وضيعة، ولكنه سُمّي ملكًا عظيمًا من قبل أن يولد، وهكذا عرفه حتى البعيدون، فلقد سأل المجوس في بحثهم عنه قائلين: "أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له." (متى 2:2) فقد عرف هؤلاء أنه أكثر من ملك أرضي، لذلك فهو مستحق أيضًا للسجود. فكيف لو عرفوا أنه ربّ الأرباب وملك الملوك الذي أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس؟
إنه على قدْر المرء تكون عطاياه، أهدى له المجوس "ذهبًا ولبانًا ومرًّا" وقد كانت أثمن ما عرفوه في ذلك الوقت، ولكنها كانت مرتبة من قِبَل الإرادة العليا، لتكون رموزًا لما يقتضيه مقام المسيح في خدمته الأرضية فأعلنت سرّ ملكه وكهنوته وفدائه.
أما عطاياه هو لمن استضافوه فكان لها شأن آخر، حيث جاء ليملأ كل احتياجاتنا للحياة الحاضرة والعتيدة، بشخصه المبارك أولاً ثم بصفاته المجيدة أيضًا، فقد وُلد لنا، وحلّ بيننا:

1. مشيرًا عجيبًا

وردت في ترجمة نبوة إشعياء "عجيبًا مشيرًا"، والأولى أن يوضع الموصوف قبل الصفة في اللغة العربية.
لقد فقد الناس قبل تجسده كل مشورة وفقدوا أيضًا الدليل بسبب خطية العصيان، فضلّوا في تيه لا قرار له، وساروا في ظلام دامس مخيف! ويصف إشعياء أولى بركات هذا المجيء فيقول: "اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ." (إشعياء 2:9) لقد كانوا في ظلمة القلب، وظلمة الضمير، وظلمة السلوك، وكان لا بد لهم من أن يكابدوا عقاب موت أبدي، بحسب حكم الله العادل: النفس التي تخطئ هي تموت." (حزقيال 4:18ب) وجاء يسوع متجسدًا ليسدي مشورة السماء العجيبة بالفداء، حيث أن موت حيوان لا يُغني بل كان رمزًا لكي يدرك العالم من خلاله مفهوم الفداء.
وموت إنسان لا يكفي ولكن الإله لا يموت! لذا فقد جاء المسيح إلهًا وإنسانًا في وقت معًا فمات الإنسان الكامل عوضًا عن الجميع، وأقام الإله الجسد ممجَّدًا ليصعد به إلى السماء، ويجلس عن يمين الآب. ولذا فقد قال المسيح المقام لملاك كنيسة لاودكية على فم يوحنا الرائي: "أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ. إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ." (رؤيا 18:3-19) إذ كانت لاودكية مشهورة بتجارة الذهب، وصنع الثياب الفاخرة من الصوف الأسود وصناعة الكحل لعلاج العيون. ويظهر أن أعضاء تلك الكنيسة انشغلوا بتلك التجارات، فوجّه الرب مشورته إليهم ليحوّل قلوبهم إلى التجارة الفضلى.

2. إلهًا قديرًا

كان وضع البشرية ميؤوسًا منه بدونه، فقد عملت طبيعة السقوط الموروثة بشكل متسارع للانغماس في شتى أنواع الخطايا، حتى صارت حالتهم تلك تعجز كل القدرات البشرية عن إصلاحها، حتى ولو كانت عن طريق أنبياء مرسلين من قِبل الله، حيث يقول الإنجيل المقدس: "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي." (عبرانيين 1:1-3) فقد كان مجيء المسيح هو الحلّ النهائي الذي يُظهر قدرته العجيبة لحلّ مشكلة الخطيئة والموت الأبدي لبني الإنسان إذ مات هو بدلاً عنهم.

3. أبًا أبديًّا

في سلسلة نسب المسيح حسب الجسد، كما أوردها لوقا البشير، نقرأ هذه الجملة: "... بن أنوش بن شيث بن آدم بن الله." (لوقا 38:3)
وفي رسالة رومية نقرأ: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ." (رومية 12:5) فقد تحوّل آدم ونسله جميعًا إلى أعداء لله بسبب خطية العصيان وصاروا تحت حكم الموت الأبدي. ولكن يسوع جاء لكي يعيد للإنسان هذه العلاقة من جديد.
لقد قال عنه بولس الرسول: "لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ، وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِالْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ." (كولوسي 19:1-22) وقال يوحنا الرسول: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ." (يوحنا 12:1)
فقد جاء يسوع ليعيد لنا رابطة البنوّة لله من جديد، كما قال الرسول بولس أيضًا: "ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: «يَا أَبَا الآبُ»." (غلاطية 6:4)

4. رئيس السلام

لقد فقد بنو الإنسان سلامهم حين ابتعدوا عن مصدر السلام، فصارت قلوبهم مشحونة بالبغضاء والاعتداء والقتل وذلك بدءًا من قايين، وكان الأمر قد بلغ أشدّه قبلما جاء يسوع إلى العالم. فقد أبغضه رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيون، فلم نقرأ عن هؤلاء أنهم زاروا مهده رغم سماعهم خبر مولده. لقد زاره رعاة بسطاء كانوا يحرسون حراسات الليل على رعيّتهم. وقد أظهر لهم الرب احتفالاً ملائكيًا وبشرهم بمولد المخلّص، فجاؤوا وسجدوا له وعبدوه.
كما نقرأ عن سمعان الشيخ أنه حمله على ذراعيه في الهيكل ومجّد الله. وعن حنة النبيّة التي "وقفت في الهيكل تسبّح الرب وتكلّمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم." أما هيرودس الملك الشرير فأراد قتله. وحين تزايد سخط رؤساء الكهنة ضدّه وحرّضوا بيلاطس الوالي على محاكمته، فشهد ببراءته وغسل يديه، طالب رؤساء الكهنة بصلبه، وحين أتمّوا ذلك صلّى طالبًا الغفران لصالبيه.
فرغم أنه تلقّى كل الظلم والاعتداء والبغي إلا أنه كان مانح السلام لجميع المؤمنين به إذ قال: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ." (يوحنا 27:14)
إنها لمعجزة المعجزات أن يتنازل اللاهوت بكل أمجاده، ليحل في جسد محدود بالزمان والمكان، وهو خالق الزمان والمكان!
جاء طفلاً مولودًا في مذود حقير، وعاش بيننا تحت أسوأ قيود الزمان والمكان. فإن ارتقاء متسوّل ليصبح ملكًا لأسهل على الذهن ألف مرة من نزول ملك ليصبح شحّاذًا يعيش على فضل المحسنين! فهل أدركت معي كم نحن كبشر موضوع اهتمام الله وشغل فكره العظيم؟
عزيزي القارئ الكريم،
لقد حلّ بيننا ليكلأنا فيزيل عنا الحزن والهم والشقاء، ويعطينا حياة صالحة، وبالنهاية آخرة ورجاء. فهل قبلته ليسكن في قلبك، ويملأ كيانك ببركات حلوله العظيم، فيمنحك سلامه الكامل المستديم، وحظوة الوجود معه في ديار النعيم؟
وكل عام وأنتم بخير.

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2015

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

182 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10473586