"لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ عَنَّا، أَيُّ دُخُول كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ، وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ، لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ، وَتَنْتَظِرُوا ابْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، يَسُوعَ، الَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي" (1تسالونيكي 9:1-10).
إن حقيقة مجيء الرب معروضة بطريقة مدهشة في الرسالتين الأولى والثانية للقديسين في تسالونيكي، الذين رجعوا إلى الله من الأوثان ليعبدوا الله الحي الحقيقي وينتظروا ابنه من السماء. نعم، لقد أفرزني الله وأرجعني إليه لكي انتظر الابن من السماء. وما الحافز الذي يدفعني لانتظار الابن من السماء؟ إنه شخصه الكريم وحبه لي. فلن أجد شبعًا حتى أراه وأكون مثله ومعه إلى الأبد. وإنني أكون إنسانًا غير روحي إن كنت لا أحب أن أرى شخص ذاك الذي ضحى بكل شيء وبذل نفسه من أجلي.
وشيء آخر يؤثر في نفوسنا، وهو أن الرب لا يشبع بوجودنا هنا على الأرض، إنه يريدنا أن نكون معه.
نحن نتعامل مع المسيح الحي، والمسيح الحي يتعامل معنا. فإن حدث أن لامتنا قلوبنا فعلاجنا هو أن نعرف قيمة المسيح الحي في السماء شافعًا فينا.
نحن نعرف المسيح الذي عاش على أرضنا في الاتضاع، لكنه في الوقت الحاضر يخدم المؤمنين الذين بذل نفسه من أجلهم. هو الآن هناك مشغول بالأشخاص المساكين الأذلاء على الأرض، يُظهر عظمة محبته الفائقة ولطفه وصبره من نحوهم في كل ضعفهم. وهذا هو مركزنا ومقامنا الوثيق الذي وضعنا فيه، وهو آتٍ سريعًا لأجلنا، ونحن وحدنا الذين نعرف الحركة التي سوف يتحركها الرب. فإننا نتوقع أن نرى الابن آتيًا لأجلنا بفرح. إننا شعب خاص، خلعت علينا النعمة شرفًا خاصًا: شرف انتظار شخصه الكريم. وحينما يأتي الابن من السماء نستطيع أن نقول: "هوذا هذا إلهنا. انتظرناه فخلصنا" (إشعياء 9:25).
ما هو مستقبل كل أولاد الله؟ إننا لا يهمنا أن نرى تحسّنًا وتقدّمًا في الفنون والعلوم... لا ننتظر أن نرى المكان مهيّأ لضدّ المسيح، إنما علينا كأفراد أن ننتظر الابن من السماء. وحينما يأتي، سألاقي سيدي، الرب المبارك الذي استطاع بملئه الإلهي أن يريح قلبي، ذلك الذي في فيض حب قلبه قد أحاط نفسي في حاضرها وماضيها ومستقبلها، ودعاني أن أنتظره شخصيًا.
ولكن هناك شيء آخر، فالرسول يقول: "لأَنْ مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ افْتِخَارِنَا؟ أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ؟" (1تسالونيكي 19:2). أي إن فرحه هو أن يرى الذي تعب وعمل بينهم، وهم يحيطون بالحبيب الرب يسوع في مجيئه. ويتساءل الناس أحيانًا: تُرى، هل يعرف أحدنا الآخر هناك؟ واضح من هذه القرينة أن بولس لم يكن لديه أدنى شك في أنه سيعرف هؤلاء التسالونيكيين الأعزاء الذين أتى بهم إلى المسيح. وليس هناك شيء من التناقض في أن بولس الذي أبصر الرب كنوره ورجائه، يفكّر أيضًا في أولئك الذين عمل بينهم. على أن هذه الفكرة تجعل المشهد مشهدًا عائليًا. فالرب هناك، الغرض الكبير المتميّز، والذي به ومنه تنطلق أفراح الجميع. ولن يكون ذلك مشهدًا غريبًا، فالقلب سيفرح أيضًا بأولئك الذين سار بينهم وتعب معهم وهو على الأرض.
يعوزنا المزيد من الحب بعضنا لبعض (1تسالونيكي 13:4). صحيح أنه لا شيء يشبعنا حتى نكون كلنا في بيت الآب معه، له المجد، غير أن المحبة التي جعلها في قلوبنا تدفعنا أن نتشوق إلى رؤية خاصته جميعًا حول شخصه الحبيب. هناك نشهد نصرته الكاملة. إنه الآن هناك، لقد أخفى مجده مرة لكي يأتي ويموت نيابة عنهم. وبعد إتمام كل أغراض نعمته سيأتي أيضًا لأن قلبه المحب موضوع على شعبه، على أن يكونوا معه. أليس للقلب أن يتمسّك بأن لنا في السماء قلبًا يشتاق أن يكون شعبه معه ويقاسمه مجده؟ (يوحنا 22:17).
أو ما تفكّرت يا أخي في الساعة التي يأتي فيها الحبيب كالقيامة والحياة؟ سيكون قوم من قديسيه في القبور، وآخرون في أجسادهم المائتة، بيد أنه يتخذ من حالتهم فرصة لكي يُظهر من هو، وكم لديه من القوة لتغيير أجسادهم الوضيعة لتكون على صورة جسد مجده. فسيأتي، وينطق بالكلمة: فيُقام الأموات في المسيح أولاً، ويتغيّر الأحياء!
ومما يزيد في جلال الموقف هو شخصه المجيد المشرق، ذلك الإشراق الذي من حقه وحده، له المجد. إن رؤيته هي أغلى شيء في اليوم الذي يأتي فيه ليأخذ خاصته. إن واحدًا منهم لن يُنسى، ولن يتجاوز عن واحد ممن آمنوا به. ففي خلال ارتباكات تلك الليلة المأثورة التي خرج فيها بنو إسرائيل من مصر، لم تُنسَ عظام يوسف. وهكذا الرب، إنه يتذكّر كل واحد، سواء كانوا مدفونين في الصحراء أو في قلب البحار، أو المناطق الحارة أو الباردة. فإن واحدًا منهم لن يُترك. فسوف تنطلق كلمة الرب فيقومون جميعهم، وكل المؤمنين من كل الأماكن سوف يُخطفون لملاقاة الرب في الهواء.
إلا يفرح قلبك يا أخي أن تعلم أن ذاك الذي نقش أسماءنا على صدره، الذي يرعانا ويحرسنا في ظروف أحزاننا، سيأتي ثانية ويأخذنا جميعًا إليه؟ أنت تتمتع بالحياة من لدنه، فإذا ما أتى الآن فإنك لا ترى الموت إذ إنه سيغيّر جسدك المائت لكي يُبتلع المائت من الحياة. يا لها من نصرة مجيدة أحرزها لنا الرب يسوع بموته وقيامته!
إنه سيأتي من حضرة أبيه كالقيامة والحياة ليلتقط المؤمنين من هذا العالم. يا لذاك المجيد الآتي ليأخذنا كخاصته، وهكذا يبتلع الموت إلى غلبة! هل تحس يا أخي بوطأة الظروف؟ وبقسوة الشيطان باستمرار؟ باندفاع الإنسان ضدك؟ ما أعظمها من بركة أن تراه آتيًا، لأنه يومئذ ستكون النصرة على كل شيء.
لذلك أسألك ما إذا كنت تعرف معنى انتظار ابن الله، وكيف تجعل نفسك في هذا الاتجاه دائمًا. نحن مدعوّون لأن نذكِّر نفوسنا باستمرار بأنه آتٍ لكي تبقى نفوسنا في حالة الانتظار المستمر.