كل مولود من المرأة له نصيب من التجارب والآلام، وما صرخة الطفل عند ولادته إلا تعبير عن دخوله أرض الشقاء والعناء. وواضح من كلام الوحي المقدس "الإنسان مولود المرأة، قليل الأيام وشبعان تعبًا." ولكن هناك فرق بين تجارب البعض وتجارب البعض الآخر، تجارب المؤمنين وتجارب الأشرار. تقول كلمة الله عن تجارب الأشرار: "كثيرة هي نكبات الشرير، أما المتوكّل على الرب فالرحمة تحيط به." وأما عن ضيقات المؤمن، فيقول الوحي المقدس: "كثيرة هي بلايا الصدّيق، ومن جميعها ينجيه الرب." وسأعلّق في هذا المقال لا عن تجارب ونكبات الشرير بل عن تجارب المؤمن في ثلاث كلمات:
أولاً: شدة الضيقات الزمنية
يظهر شدتها في أنها
1. متنوّعة: لخص كاتب المزمور تجارب المؤمن وتنوّعها في الكلمات: "لأَنَّكَ جَرَّبْتَنَا يَا اَللهُ. مَحَصْتَنَا كَمَحْصِ الْفِضَّةِ. أَدْخَلْتَنَا إِلَى الشَّبَكَةِ. جَعَلْتَ ضَغْطًا عَلَى مُتُونِنَا. رَكَّبْتَ أُنَاسًا عَلَى رُؤُوسِنَا. دَخَلْنَا فِي النَّارِ وَالْمَاءِ، ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا إِلَى الْخِصْبِ." ويقول الرسول يعقوب: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ." يخرج المؤمن من تجربة ليواجه تجربة أخرى بل وأحيانًا تواجهه تجربة قبل أن ينجو من التجربة التي سبقتها.
2. ولعلّ كلمة الآلام تعبّر عن مدى إيلامها لإنسان. كل إنسان يتخيّل أن تجربته أشدّ إيلامًا من تجربة الآخرين. وقع أيوب في تجارب أليمة موجعة. فقد كل ممتلكاته... فقد أولاده وبناته... فقد صحته إذ ضُرب بقرح رديء... زوجته وأصدقاؤه جرحوه بكلمات قاسية.
3. رائعة: لأنها هبة من الرب. "قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ." ما أروع الآلام إذا كانت من أجل المسيح! "فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ، فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللهَ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ."
"طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ."
ثانيًا: سمو المواعيد الإلهية
1. وعد بالمعيّة: "لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي. إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ." كان الرب مع يوسف في تجاربه وكان مع الفتية في أتون النار، وهو مع كل مؤمن يدخل في ضيقة وتجربة.
2. نجاة يقينية: "لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي." إن الرب لم يعدنا بوجوده معنا في تجاربنا فقط، بل وعد بأن ينقذنا وينجينا منها. "ينقذ الأتقياء من التجربة." "ومن جميعها ينجيه الرب." "ادعني في يوم الضيق أنقذك فتمجدني."
3. وعد بالمحدودية: يحدد الرب المدة التي فيها تواجهنا الضيقات عشرة أيام، ويحدد أيضًا إمكانياتنا للتحمّل فلا يدعنا نجرّب أكثر من تحمّلنا. "وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا."
4. تحوّلات جذرية: ليس معنا فقط، أو ينجينا، أو يحدّد مدتها، وإمكانياتنا فقط بل يحوّلها للخير. "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ." تحوّلت ضيقات وآلام يوسف للخير فصار ثاني رجل في المملكة، ودانيآل صار ثالثًا في المملكة.
ثالثًا: عظمة الأمجاد السماوية
"إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ." الأمجاد التي تنتظر من يتحمّل الآلام. "فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا." "لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا." "هؤُلاَءِ الْمُتَسَرْبِلُونَ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ، مَنْ هُمْ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا؟ ... هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ."
ليست الأمجاد في الأراضي الذهبية والأبواب اللؤلؤية، ولا في التيجان والأكاليل، لكن الأمجاد هي الوجود مع الرب يسوع له كل المجد.
أختم حديثي بهذا النص الرائع من كلمة الله العظيمة: "لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ. لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَمِ."
