كان دائمًا ينتقد الآخرين ويعدد أخطاءهم ويفضح سلوكهم أمام الجميع. لسانه لاذع ونقده جارح وتعليقاته منفّرة. انفضّ عنه الأصدقاء وتباعدوا عنه وتفادوا صحبته.
في مساء يوم كان يسير مع زوجته في السوق الكبير وسط المدينة توقف فجأة وأمعن نظره إلى الأمام وأخذ يهمس لها وهو يشير بيده ويقول ساخرًا:
أترين ذلك الرجل القادم نحونا؟ انظري إلى ملابسه بألوانها المتنافرة وإلى شعره الأشعث وذقنه التي لم يمر عليها موسى حلاقة من شهور!
وأخذ يضحك ساخرًا بصوت عال لفت أنظار من حولهما مما أخجل زوجته فحوّلت وجهها بعيدًا. مد يده وجذبها لتنظر إلى ما ينظر إليه ويضيف:
كيف يرتاد إنسان بهذه الهيئة مكانًا محترمًا هكذا؟ أترين الرجل؟
لا أرى أحدًا. نحن نسير نحو مرآة في آخر البهو. هذا الرجل هو أنت!
* * * * * * *
دخل يسوع الهيكل وتجمّع حوله كثيرون فجلس يعلمهم. ودخل جماعة من الكتبة والفريسيين واخترقوا الزحام وهم يدفعون أمامهم امرأة ملابسها ممزّقة، ضفائرها محلولة، ووجهها ينزف دمًا. ألقوا بها أمامه قائلين:
يا معلم، هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل! موسى أوصانا في الناموس أن مثل هذه تُرجم، ماذا تقول أنت؟
لم يكونوا يغارون على ناموس موسى، ولم يكونوا يهتمون بما هو مكتوب فيه. كانوا يعدّون له فخًا ليجربوه، لو لم يدن المرأة فهو ينتهك الناموس ويكسره. ويكون في نظر الجميع عاصيًا خاطئًا ليس مؤهلاً ليعلّم في المجامع. وإن أدانها فهو ليس ذلك النبي العطوف الرحيم، ثم يضعه ذلك في مواجهة مع الحكام الرومان الذين لا يسمحون لليهود بالحكم على مذنبيهم بالموت. لم ينظر يسوع للمرأة ولم يعرهم التفاتًا، انحنى إلى أسفل وبهدوء أخذ يكتب بإصبعه على الأرض. ترقبوا منه أن يقول أو يفعل شيئًا، فلما لم يجبهم عادوا يسألونه ويلحّون عليه ليفعل شيئًا. بعد فترة وهو منحنٍ يكتب، انتصب وركز نظراته على وجوههم وقال:
من منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر.
ثم عاد وانحنى وأخذ يكتب على الأرض. أذن لهم أن يرجموها بشرط! "من منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر."
سكت وانتظر وانشغل بالكتابة وتركهم يفحصون أنفسهم. أرادهم أن ينفثوا ما في قلوبهم من بر ذاتي وتعالٍ وكبرياء وغطرسة. كان يريدهم أن يدركوا أن البر والصلاح ليسا فقط بمعرفة الناموس والمكتوب به، بل بممارسته وتنفيذ ما فيه قبل إدانة الآخرين والحكم على سلوكهم. أنتم تريدون تطبيق أحكام الناموس على هذه المرأة؟ ولكن قبل كل شيء، هل تطبقون أحكامه على أنفسكم وعلى أفعالكم وأفكار قلوبكم؟
الأحجار التي أحضروها معهم لرجم المرأة الزانية أصبحت ثقيلة في أيديهم، وأخذت تزداد ثقلاً وهم يسمعونه ويفحصون في صمت أنفسهم.
وأخذت تزداد ثقلاً بمرور الوقت. ثم أصبحت حادة وحارقة وهم يقبضون عليها بأكفّهم، وأخذت تزداد حدّة وتجرح أصابعهم، وحرارتها تحرق باطن أيديهم كلما أعملوا أفكارهم والصمت يسود المكان كله.
أخذوا يتساءلون في داخلهم: هل هم زناة مثل تلك المرأة؟ مثلها؟ قطعًا لا. وهل الزنى هو ذات الفعل أم كما قال لهم يسوع قبلاً:
"كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقط زنى بها في قلبه!" هكذا يصعب الجواب بالنفي. الشرط الذي وضعه يسوع ليرجموها حرّك ضمائرهم، وأقلق تفكيرهم، وأثار داخلهم مقارنة صارخة بين ما يقولون وما يفعلون. مرّ الوقت ثقيلاً وهم يقفون حول يسوع المنحني يكتب على الأرض والمرأة المنكسرة المكبلة بعارها تقف في الوسط.
تحرك أكبرهم سنًا وأشدّهم تزمّتًا وألقى بالحجر الذي يؤلم يده بعيدًا وخرج يتعثّر في خجله. بعده آخر ألقى حجره وخرج. ثم آخر، وآخر... خرجوا واحدًا فواحدًا.
انتصب يسوع ولم يجد أحدًا منهم، فقال للمرأة:
يا امرأة، أين هم المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟
بدون أن ترفع وجهها إليه، أجابت وهي منكسة الرأس:
لا أحد يا سيد.
قال لها بسلطان ممتزج بمشاعر العطف والرحمة:
ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا.
رغم أنه واجه الكتبة والفريسيين ولقّنهم درسًا في التحفّظ في الحكم على الآخرين وإدانتهم، لكنه لم يستهن بحكم الناموس على الزاني بل أكّده وشدّد على الوصية "لا تزنِ" وهو يحذّر المرأة قائلاً:
لا تخطئي أيضًا.
* * * * * * *
جلس يسوع على الجبل وقال لتلاميذه وللجموع ولنا:
"لا تدينوا... لماذا تنظر إلى القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك؟ يا مرائي، أخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك!