تكلمنا فيما سبق عن مجيء المسيح مرة إلى أرضنا هذه إذ "أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ." (عبرانيين 26:9) ورأينا أن مجيئه في الماضي كان لثلاثة أسباب:
أولاً، ليمجد الآب بعد أن أهانه الإنسان بخطاياه. فقال في يوحنا 2:17 "أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته."
ثانيًا، جاء لخلاص الإنسان. "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ..."
ثالثًا، جاء ليترك لنا مثالاً لكي نتبع خطواته، فتكلمنا عن المثال الذي تركه لنا في كماله الخلقي، وفي تعاليمه الجليلة، والآن سنتكلم بعون الله عن أعماله ومعجزاته.
قال الرسول بطرس عن الرب يسوع المسيح أنه "جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس. لأن الله كان معه." (أعمال 38:10) كان أهم شيء عنده هو أن يتمم مشيئة الله الذي أرسله إلى العالم. ذات مرة حين قدّم له تلاميذه طعامًا ليأكل، وهو منهمك في خدمة الإنسان، قال لهم: "[أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ». فَقَالَ التَّلاَمِيذُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَلَعَلَّ أَحَدًا أَتَاهُ بِشَيْءٍ لِيَأْكُلَ؟» قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.]" (انظر يوحنا 31:4-34) وقال في مرة أخرى أنه في كل حين يعمل ما يرضي الله (يوحنا 29:8). لا عجب أن الله قال عنه: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت." (متى 17:3 و5:17)
كان الرب يسوع المسيح يقضي اليوم كله في عمل الخير نحو البشر، فيواسي الحزانى، ويدعو الخطاة، ويؤكد لهم محبة الله الذي لا يُسرّ بموت الشرير، بل يفرح برجوعه إليه. وكان مرارًا كثيرة يقضي الليل كله في الصلاة.
وكذلك كان المسيح يصنع معجزات عجيبة لم يصنع أحد مثلها. قال عنه الرسول بطرس لليهود الذين رفضوه: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسْطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ." (أعمال 22:2) وكان لمعجزات المسيح أهداف معينة. فقد كانت دائمًا لفائدة الإنسان المسكين ولتمجيد الله. كما كانت لتثبت صحة ما قاله؛ مثل قدرته على غفران الخطايا، وأنه حقًا جاء من السماء من عند الله. ولم يستخدم المسيح قدرته المعجزية لفائدة شخصية، كما سنرى. والآن سنذكر بعض المعجزات التي صنعها المسيح.
1. شفاء المرضى
"وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ الْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي الشَّعْب. فَذَاعَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ سُورِيَّةَ. فَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ السُّقَمَاءِ الْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْمَجَانِينَ وَالْمَصْرُوعِينَ وَالْمَفْلُوجِينَ، فَشَفَاهُمْ." (متى 23:4-24)
وجاء في إنجيل مرقس 1:2 و12 أنه كان في أحد الأيام في بيت وكان زحام شديد. وأتى أربع رجال يحملون رجلاً مفلوجًا مطروحًا على الفراش، فنظر إليه يسوع وقال له: "يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ." فقال رجال الدين في نفوسهم إن هذا تجديف ضد الله لأنه لا يقدر أحد أن يغفر خطايا إلا الله. فعرف المسيح أفكارهم، وقال للرجل المفلوج: "[لَكَ أَقُولُ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!». فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ الْكُلِّ، حَتَّى بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هذَا قَطُّ!»" فنرى أنه بهذه المعجزة تحققت ثلاثة أشياء:
أ) فائدة للرجل المسكين المريض.
ب) مجدوا الله على رحمته.
ج) أثبت المسيح أن كلامه حق وأنه يغفر الخطايا.
2. فتح أعين العميان
من المعروف أن المسيح هو الوحيد الذي فتح أعين العميان. يُخبرنا الإنجيل المقدس أنه مرة فتح عيني رجل كان أعمى منذ ولادته حتى أن الجميع اندهشوا جدًا. وكان الرجل يشهد لجميع الناس قائلاً: "أعلم أني كنت أعمى والآن أبصر!" وقال أيضًا: "منذ الدهر لم يُسمع أن أحدًا فتح عيني مولود أعمى." (انظر يوحنا 9)
وفي مرة أخرى كان رجل أعمى جالسًا على الطريق يستعطي. فلما سمع الأعمى أن يسوع في الطريق ابتدأ يصرخ ويقول له: "يا يسوع، ارحمني." فكان الناس يحاولون أن يُسكتوا الرجل. ولكن يسوع ناداه وقال له: "ماذا تريد أن أفعل بك؟ فقال له الأعمى: يا سيد، أن أبصر. فقال له يسوع: اذهب إيمانك قد شفاك. ففي الحال أبصر وتبع يسوع في الطريق." (مرقس 46:10-52) فلم يكن المسيح يحتقر الأعمى أو يبتعد عنه.
3. تطهير الأبرص
لم يكن مسموحًا للأبرص أن يختلط بالآخرين حسب شريعة موسى، ولذلك كان الأبرص تعسًا وحزينًا. ولم يكن مصرّحًا لأحد أن يلمس الأبرص لئلا تصيبه العدوى، وأما المسيح فكان يطهّر البُرص من برصهم. وذات مرة طهّر عشرة أشخاص مصابين بالبرص دفعة واحدة (انظر لوقا 11:17-19).
ومرة أخرى جاء رجل أبرص وسجد له وقال له: "يا سيد، إن أردت تقدر أن تطهرني. فمدّ يسوع يده ولمسه وقال له: أريد فاطهر. ففي الحال طهر من برصه." (متى 2:8-3)
4. إخراج الأرواح النجسة
عندما كان المسيح على هذه الأرض كان كثيرون من الناس تسكنهم أرواح نجسة – أي أرواح شياطين. فكانوا يتعذّبون بسبب تلك الأرواح الشريرة. ولكن المسيح كان يُنقذ أولئك المساكين الذين كانت تسكنهم تلك الأرواح، وذلك بكلمة منه.
حدث مرة بعد أن عبر المسيح وتلاميذه بحر الجليل وجاء إلى منطقة الجدريين، أن رجلاً به روح نجس جاء إليه، وكان الرجل يسكن في القبور ولم يقدر أحد أن يربطه ولا بسلاسل، لأنه كان يقطع السلاسل ويكسر القيود. وكان دائمًا ليلاً ونهارًا في الجبال وفي القبور، يصيح ويجرّح نفسه بالحجارة. فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له، فأمر المسيح الروح النجس أن يخرج منه. وكان بعض الرعاة هناك، ورأوا ما حدث، فذهبوا إلى المدن والقرى المجاورة، وأخبروا الناس بما حدث. فجاء الناس إلى يسوع ونظروا الرجل الذي كان مجنونًا، وقد أصبح "جالسًا ولابسًا وعاقلاً." وأراد الرجل بعد ذلك أن يصاحب يسوع في جولاته، ولكن يسوع المسيح قال له: "اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ». فَمَضَى وَابْتَدَأَ يُنَادِي فِي الْعَشْرِ الْمُدُنِ كَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ. فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ." (انظر مرقس 1:5-20)
5. إقامة الموتى
لم تكن معجزات المسيح قاصرة على ما ذكرناه من شفاء المرضى وتطهير البرص وفتح أعين العميان وإخراج الشياطين، بل كان أيضًا يُقيم الموتى.
حدث ذات مرة إذ اقترب هو وتلاميذه إلى باب مدينة اسمها نايين، أنه جاء قوم يحملون شابًا ميتًا، "ابن وحيد لأمه، وهي أرملة ومعها جمع كثير من المدينة. فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها: [لا تبكي]. ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الْحَامِلُونَ. فَقَالَ: «أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ: قُمْ!». فَجَلَسَ الْمَيْتُ وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ. فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ." (لوقا 11:7-17)
وفي مرة أخرى جاءه رسول يخبره بأن شخصًا عزيزًا عليه اسمه لعازر كان مريضًا.
وطلبت أختاه أن يأتي إليه ليشفيه من مرضه، ولكن المسيح لم يذهب إلى هناك مباشرة لأنه أراد أن يصنع معجزة أعظم من شفاء المريض، فمات لعازر. وبعد ذلك ذهب المسيح مع تلاميذه إلى هناك وقد كان لعازر قد مات ودُفن منذ أربعة أيام. فذهب يسوع إلى القبر وقال لهم: "ارفعوا الحجر" الذي كان على باب القبر. فقالت له مرثا أخت الميت: "يا سيد، قد أنتن لأن له أربعة أيام." قال لها يسوع: ألم أقل لكِ: إن آمنتِ ترين مجد الله؟" فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعًا، ورفع يسوع عينيه إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي». وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!» فَخَرَجَ الْمَيْتُ." (انظر يوحنا 1:11-44)
6. سلطانه على الطبيعة
كان المسيح في سفينة مع تلاميذه. وكان نائمًا في مؤخرة السفينة. فحدثت ريح شديدة وهاجت الأمواج، وصارت تضرب السفينة حتى امتلأت من الماء. فخاف التلاميذ جدًا وأيقظوه وقالوا له: يا معلم، أما يهمك أننا نهلك؟ فقام وأمر الرياح والأمواج أن تهدأ، فسكت الريح وصار هدوء عظيم. فخاف التلاميذ وقال الموجودون في السفينة: من هو هذا، فإن الريح أيضًا والبحر يطيعانه؟ وحدث مرة أخرى أن تلاميذه دخلوا السفينة، أما هو فصعد منفردًا إلى الجبل ليصلي. وبعد فترة هاجت الرياح والأمواج، فذهب إليهم يسوع ماشيًا على الماء. فلما رآه التلاميذ خافوا، وظنوا أنهم رأوا خيالاً. فقال هو لهم: "تشجعوا. أنا هو. لا تخافوا. ودخل السفينة فسكتت الريح. فجاء الذين في السفينة وسجدوا له قائلين: بالحقيقة أنت ابن الله." (انظر متى 22:14-23)
7. إطعام الآلاف
حدث مرة، إذ جاء المسيح إلى جانب بحر الجليل أن كثيرين أتوا إليه ومعهم عرج وعمي وخرس وشلّ، وآخرون كثيرون. وطرحوهم عند قدمي يسوع فشفاهم. ثم قال لتلاميذه: "[إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاَّ يُخَوِّرُوا فِي الطَّرِيقِ.] فَقَالَ لَهُ تَلاَمِيذُه: «مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعًا هذَا عَدَدُهُ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟» فَقَالُوا: «سَبْعَةٌ وَقَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ». فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ، وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَالسَّمَكَ، وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْجَمْعَ. فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ سَبْعَةَ سِلاَل مَمْلُوءَةٍ، وَالآكِلُونَ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُل مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ." (متى 29:15-38) وفي مرة أخرى أطعم خمسة آلاف رجل من خمسة أرغفة وسمكتين. وبعد أن أكلوا وشبعوا بقي ما يملأ اثنتي عشر قفة (يوحنا 1:6-15)
تعليق: مما سبق نرى أن كل معجزات المسيح كانت لفائدة الإنسان المسكين سواء في شفاء المرضى، أو فتح أعين العميان، أو تطهير الأبرص، أو إقامة الميت، أو إطعام الآلاف، أو تهدئة الرياح والأمواج. فهو جال يصنع خيرًا ويريد منا أيضًا أن نهتم باحتياجات الآخرين.
سنتكلم في المرة القادمة، إن شاء الرب وعشنا، عن ظهور المسيح في الوقت الحاضر.