يستقبل الناس بداية عام جديد بأفكار وتوقعات وأحلام وتصوّرات مختلفة. فالعام الجديد يعني بداية جديدة وفرصة جديدة، بل قد يعني تصميمًا جديدًا وقرارًا جديدًا. وعادة ما يكون فكر الناس إيجابيًا من نحو العام الجديد.
وقد يكون من جملة القرارات التي يتخذها الناس في مطلع العام الجديد الإقلاع عن عادة معينة مثل التدخين أو التصميم على ممارسة الرياضة لتخفيف الوزن.
وهناك من يصمم على توفير بعض المال ويقلل من إنفاق المصاريف الجانبية لسد حاجة معينة كالتعليم أو شراء للأسرة بعض الأثاث أو سيارة. كما يتخذ البعض الآخر قرارات تتعلق بالسلوك والأخلاق والإيمان.
يقرر البعض أن يكون اجتماعيًا أكثر، أو يتوقّف عن السهر، أو رؤية الكثير من برامج وأفلام التلفزيون. وقد يعزم البعض الآخر أن يزداد مواظبة على الصلاة، وقراءة الكتاب المقدس، وتكريس الحياة للرب.
وبشكل عام، تكون قرارات بداية عام جديد كثيرة ومتنوعة بتنوع الناس. ولكن، ومع الأسف الشديد، في معظم الحالات، إن لم يكن في كلها، يخفق الناس في تنفيذ ما صمّموا عليه أو ما فكّروا أن يعملوه، ويعود الإنسان إلى متابعة حياته كما كانت سابقًا، إن لم تكن أسوأ من السابق.
لا شك أن فئة منا حاولت في بداية عام 2015 أن تتغير وتبدأ من جديد، ولكنها فشلت. وهذا هو عام 2016 يبدأ، والحال هو هو لم يتغير. ولمثل هؤلاء أقول: لا تقلقوا ولا تشعروا بالإحباط والفشل، فالأمل ما يزال موجودًا، وأمامك فرصة عام جديد، ولكن تذكر أن هذه الفرصة قد لا تتكرّر، فانتبه لنفسك.
وحقيقة أننا جميعًا أحياء في بداية عام 2016 هي عطية رائعة من الله، ويستحق إلهنا أن نشكره على نعمة الحياة. لذلك اجْعَلْ من عام 2016 فرصة لأن تطوّر في نفسك عادات جيدة، أو أن تغيّر أسلوب واتجاه حياتك، أو أن تحيي علاقات مقطوعة. فأنت مؤمن بالرب يسوع المسيح، ولكنك تصارع خطية مستترة أو حقدًا دفينًا في قلبك وبالتالي تفتقر للسلام مع الله والناس. لذلك ليكن عام 2016 فرصة لإصلاح كل ما هو باطل، ولتجديد العهود، وللحياة في النور.
نقرأ في رسالة أفسس 15:5-17 آيات خالدة عن أهمية الوقت الذي أعطاه لنا الله، وعن كيفيّة السلوك بحكمة وبتدقيق دون إضاعة الوقت، بل العيش بحسب مشيئة الله: "فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ."
نلاحظ أن هذه الآيات تحتوي على ثلاث خطوات رئيسة تساعدنا في اتخاذ اتجاه جديد في حياتنا.
1. عليك أن تدرك أن الوقت محدود: الله أزلي، وهو الذي خلق الزمن، ووضع الإنسان ليعيش في هذا الزمن إلى الأبد، ولكن بسبب الخطية، دخل الموت إلى حياة الإنسان، وأصبح وقته محدودًا، ولكنه في نفس الوقت كافٍ لاتخاذ القرارات الصحيحة ولعمل ما يليق في عيني الله.
لقد أعطاك الله 24 ساعة يوميًا، وبالتالي فإن لديك 8760 ساعة في عام 2016. فكيف ستعيش هذه الساعات؟ هل ستعيشها بحسب كلمة الله في أفسس 15:5 "فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ؟" فالله يريدنا أن نكون حذرين في استخدام الوقت المحدود الذي لدينا. إنه يريدنا أن نكون مهرة وحكماء ومنتبهين ومدققين كيف سنعيش، فالوقت يسير بسرعة هائلة. وحياتنا لها بداية محددة بالضبط ونهاية محددة بالتدقيق. الوقت الذي لدينا هو أثمن ما نملك، وكل لحظة تمضي، لا يمكن تعويضها أبدًا. الوقت يسير، ولا يمكن إبطاؤه أو إيقافه. فلا يوجد للإنسان سيطرة على الوقت.
والسؤال الذي على كل واحد منا أن يفكر فيه: من الذي يتخذ لي القرار في كيفية صرف الوقت؟ أجل: من الذي يقرر لك كيف تصرف وقتك؟ والجواب الوحيد والمباشر هو: أنت. نعم، كل واحد منا مسئول أمام الله وأمام نفسه في كيفية قضاء وقته. وتذكر أنك لا تستطيع أن تسترجع الوقت الذي مضى، وكذلك لا تستطيع أن تفترض أو تأخذ وقتًا من المستقبل. فالوقت الذي تملكه هو الآن. هو هذه اللحظة. فالماضي انتهى، والمستقبل سيأتي في وقته. فأنت تعيش الآن، والقرار بيدك وحدك في كيفية استخدام هذا الوقت.
نقرأ في مزمور 10:90 "أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ". لاحظوا ما أوضح هذه الكلمات: أيام سنينا محدودة جدًا، ومليئة بالأتعاب والأمراض، وتنتهي بسرعة، ولا يعود لنا وجود في عالم الأحياء. فكيف سنعيش أيامنا؟ القرار لنا أولًا وأخيرًا.
اسأل نفسك: كم تصرف كل يوم في العمل المنتج؟ كم تصرف من الوقت يوميًا في مشاهدة التلفزيون؟ كم تصرف من الوقت يوميًا في الثرثرة أو لعب ورق "الشدّة"؟ كم تصرف من الوقت يوميًا في الصلاة، وفي قراءة كلمة الله، وفي الشهادة لشخص الرب يسوع؟ كذلك، كم تصرف من الوقت يوميًا مع زوجتك وزوجك وأولادك؟ هذه الأسئلة تقودنا إلى النقطة الثانية.
2. عليك أن تختار أن تستخدم وقتك بحكمة: في الآية 16 من أفسس 5 نقرأ دعوة الله لنا: "مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ". كم نحن بحاجة إلى حكمة الله في عام 2016، وفي أمثال 10:9 نتعلم أن "بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ". فهل نكون حكماء ونضع مخافة الرب في أولويات حياتنا. أم نكون كالجهلاء الذين يرفضون بل ويزدرون الحكمة ولا يخافون الله. الخيار لنا أولًا وأخيرًا، والأيام شريرة، بل وشريرة جدًا. ومع أن بولس كتب بالوحي هذه الكلمات ليصف الأيام التي كان يعيشها، حيث انتشر الشر والعبادات الوثنية في أيامه، فإن هذه الكلمات ما تزال صادقة وتصف بالضبط حالة أيامنا أيضًا، فنحن نعيش في زمن شرير، بل وشرير جدًا، وأخلاق الناس في هبوط. انظر إلى العالم: الإرهاب في كل مكان. تهديد الحروب المدمرة يزداد. الأسلحة البيولوجية والجرثومية والكيماوية والذريّة تتراكم. الأزمات المالية والاقتصادية تعصف بالعالم. الديانات الباطلة تنتشر، وفقد الخطاة أي قدر من الحياء. فتصوروا معي أن أكبر عواصم العالم تشهد سنويًا مسيرات تسمى مسيرات الافتخار، وهذه المسيرات هي في الواقع مسيرات العار وليس الافتخار. فالمنحرفون والمنحرفات أصبحوا يفتخرون بشرورهم، أما المسيحي البار فيخجل بإيمانه ويخجل بصليبه، بل ويخجل بمسيحه.
نحتاج الحكمة لكي نختار أن نستخدم الوقت بشكل صحيح، والحكمة لها مصدر وحيد وهو الله كما نقرأ في أمثال 6:2 "لأَنَّ الرَّبَّ يُعْطِي حِكْمَةً. مِنْ فَمِهِ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ". وللناس الحرية في أن يأخذوا هذه الحكمة المعطاة من الله أو أن يرفضوها، وصلاتي أن كل واحد منا يقرر بل ويصمم أن يطلب حكمة الله، وخصوصًا فيما يتعلق باستخدام الوقت كما نقرأ في مزمور 12:90 "إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هَكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ".
3. رتب أوليات حياتك بحسب مشيئة الله: لنتأمل مرة ثانية في كلمات الآية في أفسس 17:5 "... لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ". نعيش في عالم يستطيع أن يسرق وقتك بكل سهولة: ارتباطات كثيرة، برامج تلفزيون، أفلام، زيارات، مشتريات، عمل، دراسة، طبخ، تلفون، إنترنت، سيارات، نادي، كشاف، موسيقى، رياضة... وبالتالي يعيش كل واحد منا في حالة ضغط رهيب. لذلك اصْحَ يا أخي المؤمن ويا أختي المؤمنة. لا تساير هذا العالم ولا تجعل العالم يشكّلك. جدد ذهنك في المسيح، ولتملأ مشيئة الله حياتك، ولا تكن غبيًا كما قرأنا بل كن حكيمًا ومدركًا لإرادة الله.
اسأل نفسك: هل مشيئة الله أو إرادته أن أصرف يوميًا 4 أو 5 ساعات أمام التلفزيون؟ هل مشيئة الله أن أتابع كل مسلسل تلفزيوني جديد؟ هل مشيئة الله أن أصرف ساعات على الإنترنت أتصفح مواقع إباحية أو مواقع ليست ضرورية؟ هل مشيئة الله أن أشتري أشياء، ثم أعود وأشتري، ولا أشبع من مقتنيات العالم؟ هل مشيئة الله أن يكون العمل أو الترفيه أو الحفلات والسهرات هي التي تأخذ الوقت الأكبر من حياتي؟ هل الأمور المهمة في حياتك الآن تتفق مع مشيئة الله؟ هل أولويات حياتك جيدة، أم أنها بحاجة إلى التغيير؟ وأين الله من هذه الأولويات؟ أين الكنيسة؟ أين حياة القداسة؟ أين التبشير والشهادة لشخص الرب يسوع؟ أين أولادك؟ أين زوجتك؟ أين زوجك؟
الأولويات حسب مشيئة الله هي:
الله أولًا وقبل كل شيء.
الأسرة ثانيًا، وخصوصًا الزوج أو الزوجة.
الكنيسة والعبادة والاجتماعات والشركة مع الإخوة والأخوات.
كل الأشياء الأخرى من عمل وعلم وصحة وثقافة ورياضة.
إذا لم يكن الله هو الأول في حياتك، فأنت بحاجة إلى التوبة ولتغيير اتجاه حياتك. وإذا كنت تقول بشفتيك أو حتى في قلبك إن الله هو الأول في حياتي، ولكن في حياتك اليومية لا تصلي لله ولا تكرم الله بأموالك ولا تقرأ كلمة الله، ولا تطيع وصايا الله، فأنت مجرد إنسان مخدوع وتكذب على نفسك.
أعط أفضل وقتك لله، ثم لأسرتك، ثم للكنيسة، ثم للأشياء الأخرى في الحياة، ولتكن سنة 2016 سنة الترتيب الصحيح لأولويات حياتنا ككنيسة.
أيام حياتنا في هذا العالم محدودة. يخبرنا الله في الكتاب المقدس أن حياتنا كالبخار الذي يختفي سريعًا، وكالعشب الذي يذبل بسرعة، لذلك نحتاج أن نكون حكماء في كيفية استخدام الوقت. لقد أصبحنا مشغولين جدًا، ونحن دائمًا محمولون على أجنحة السرعة: نسير بسرعة، ونأكل بسرعة، ونتنقل من مكان لآخر بسرعة. ولم نعد نستطيع أن نخصص وقتًا للرب وللأسرة وللكنيسة. والأيام تسير بسرعة، ولا نصْحوا على مرورها إلا ونحن في آخر سنين العمر.
يدعونا الله أن نتخذ قرارات حكيمة في بداية عام 2016
القرار الأول: استثمر كل فرصة في حياتك: لا تكن مثل مرثا التي بقيت مشغولة في أمور الحياة، ولم تجد وقتًا مثل مريم لتجلس في محضر الرب لتستمع لأقواله ولتقدم له المجد والعبادة والمحبة. فكر: ماذا يريد مني الله أن أعمل بحياتي في عام 2016. لا تسرع. أعط لنفسك الفرصة لتتأمل في حالتك الروحية والأخلاقية.
القرار الثاني: اعرف ما هي إرادة الله لحياتك: هل إرادة الله لك أن تمتلئ بالهموم والقلق أم أن تمتلئ بالروح القدس وبالمحبة لله وللناس، كل الناس، وبدون استثناء؟ هل إرادة الله لك أن تهتم بالعلاقات العامة على حساب علاقتك مع الله ومع شريك حياتك وأفراد أسرتك؟ أعط الوقت الأكبر لنموك الروحي ولحياتك المثمرة لمجد الله.
فكر بأسئلة مصيرية في الحياة: متى قرأت الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى الرؤيا؟ متى كانت آخر مرة بشرت بها شخصًا عن الرب يسوع؟ متى كانت آخر مرة دخلت فيها إلى غرفتك وصرفت وقتًا للصلاة مع أبيك السماوي؟ متى كانت آخر مرة زرت فيها إنسانًا بينك وبينه أحقاد وكراهية وفتحت معه صفحة جديدة؟ متى كانت آخر مرة أتيت فيها إلى الكنيسة في الوقت المحدد؟
هل ستقول للرب: عام 2016 هو عام التغيير، وستكون طاعة الرب وتمجيده وعمل إرادته وتسبيحه وعبادته أهم الأشياء في حياتي.
أشجعك أن تصرف وقتًا مع أفراد أسرتك. فأولادك سريعًا ما يكبرون ويتركون البيت. اصرف وقتًا قيمًا مع أصدقائك وإخوتك في الكنيسة. اتصل مع صديق قديم واسأل عن أحواله. تحرر من أي مرارة أو حقد معشش في صدرك. كن متفائلًا. اقرأ كتابًا مسيحيًا مشجعًا. امشِ مرفوع القامة. اضحك وابتسم أكثر. لا تخف من الموت. ولا تخف من الناس. افتخر بالرب يسوع وبصليب الرب يسوع. وضع في برنامج حياتك أن تكسب هذا العام ولو شخصًا واحدًا للرب يسوع.
ليكن عام 2016 عامك الحقيقي، عام النمو في نعمة الله. عام الحكمة السماوية. عام الثمر والعطاء. عام الله والأسرة والكنيسة. وليحفظكم الرب من كل شر.