الإيمان الكامل غير المتزعزع يتحقق فقط من خلال تجارب عديدة عبر سنين عديدة. في هذه المرة كان الله يقدم الامتحان الأعظم لإيمان إبراهيم عندما قال له: "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه... وأصعده محرقة." (تكوين 1:22-2)
ولكن يجب ألا يفوتنا أن امتحان الله لإبراهيم جاء بعد هذه الأمور. أي بعد أن ترك إبراهيم وطنه وكل ما كان عزيزًا لديه، وبعد أن اختبر نتائج النزول إلى أرض مصر من أجل الطعام؛ وبعد أن اختار لوط أن يأخذ لنفسه كل الأرض الجيدة الخصبة وترك له الجبال؛ وبعد أن انتظر 25 سنة حتى جاء ابن الموعد؛ وبعد أن ترك إسماعيل المنزل؛ وبعد أن قال له الله "بإسحاق يُدعى لك نسل" (تكوين12:21)؛ وأيضًا بعد أن كبر إسحاق. بعد هذه الأمور كلها امتحن الله إيمان إبراهيم من جهة تقديم إسحاق كمحرقة.
كانت هذه بلا شك مفاجأة مذهلة وتجربة مؤكدة لإبراهيم. ولكن إيمانه انتصر على المنطق البشري وعلى حبه العميق لإسحاق. فإن طول السنين التي قضاها إبراهيم في الثقة في الرب ولّدت في داخله إيمانا غير مشروط تجاه كفاية الله. لم يكن صوت الله غريبًا عليه، وكان إيمانه قد نما عبر السنين إلى حد اليقين بأن الله لا يخطئ أبدًا. كان صوت الله واضحًا كل الوضوح: خذ الآن ابنك وحيدك - نعم، إسحاق - ابن المعجزة - ابن الموعد - الذي يُفترض أن نسله سيصير كنجوم السماء في الكثرة.
لم تحدث لحظة تردّدٍ واحدة، وإنما بكّر إبراهيم (تكوين 3:22). فالإيمان لا يتوقّف لينظر إلى الظروف أو ليرهب النتائج، وإنما ينظر فقط إلى الرب، معتمدًا على كلمته كالأساس الوحيد للتحرك. لقد حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات (عبرانيين 19:11).
يستمر الله في بناء إيماننا على قدر استجابتنا لقيادته. فإننا فقط من خلال التجارب غير المتوقعة نستطيع أن نتعلم عظمة الله ونعمته وأمانته وكفايته. فعندما تصلي بإيمان لا تندهش من الإحباطات والصعوبات التي تصادفك. فهناك تجارب عديدة - تكاد تكون يومية - هدفها تقوية حقيقة إيماننا. لأن الله يودّ أن يستحوذ على ولاء قلوبنا بالكامل.
كثيرًا ما نفترض أن الله يسرّ بنا عندما نستخدم مواهبنا وطاقاتنا وإمكانياتنا لخدمته. ولكن الله يسرّ بالأولى بالحق في الباطن (مزمور 6:51) أي الصدق الداخلي وليس مجرد خدمة الشفتين.
من السهل أن نتكلم عن الإيمان عندما لا يكون له متطلبات. فمن السهل أن نقول مع بطرس: "وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدًا... ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك." (متى 33:26، 35) ولكن الأمر كان مختلفًا تمامًا عندما كتب بطرس فيما بعد قائلًا: "لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يمتحن بالنار." (1بطرس 7:1) "هذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا." (1يوحنا 4:5) - مقتبسة من "طريق الكتاب المقدس"