وقفت وقفة طويلة أمام ابنَي موسى جرشوم وأليعازر، والدوافع التي دفعت موسى أن يطلق هذين الاسمين عليهما (خروج 3:18-4). أطلق على الابن الأول جرشوم "لأنه قال: كنت نزيلاً في أرضٍ غريبة."
وأطلق على الثاني أليعازر "لأنه قال إله أبي كان عوني وأنقذني من سيف فرعون." ورأيت أن ما يحمله اسميهما هو واقع حياتنا. فنحن في غربة أليمة، ولكننا نتمتّع بمعونة عظيمة. بعض الناس يظنون أن الحياة ما هي إلا آلام ومتاعب وتجارب فقط، إلا أنني أقول لهم: إن الحياة خليط من الآلام والتعزيات. "عند كثرة همومي في داخلي، تعزياتك (تعزيات الرب) تلذذ نفسي." (مزمور 19:94) وأيضًا "يَقُودُكَ مِنْ وَجْهِ الضِّيقِ إِلَى رَحْبٍ لاَ حَصْرَ فِيهِ، وَيَمْلأُ مَؤُونَةَ مَائِدَتِكَ دُهْنًا." (أيوب 16:36) "لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا." (2كورنثوس 5:1) وسأتحدّث إليكم في كلمتين:
أولاً: الغربة الأليمة
ومن هذه يمكن أن نستخلص حقيقتين هامتين وهما: الغربة، والظروف الصعبة.
1. الغربة: نحن غرباء ليس لأننا تركنا أوطاننا ولكن غرباء ونحن في أوطاننا. يذكر الوحي المقدس آيات كثيرة عن الغربة أذكر منها: "لا تسكت عن دموعي. لأني أنا غريب عندك. نزيل مثل جميع آبائي." "غريب أنا في الأرض. لا تخفِ عني وصاياك." (مزمور 19:119) ويقول الوحي المقدس عن إبراهيم: "بالإيمان تغرّب في أرض الموعد كأنها غريبة، ساكنًا في خيام مع إسحاق ويعقوب الوارثَين معه لهذا الموعد عينه." ويقول الرسول بطرس: "وإن كنتم تدعون أبًا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد، فسيروا زمان غربتكم بخوف."
2. الظروف الصعبة: الغريب لا بد أن تواجهه صعوبات كثيرة كما حدث مع شعب الله قديمًا في مصر. "فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم... فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف." نحن في دار الغربة شبعانين تعبًا كما يقول الوحي المقدس. "الإنسان مولود المرأة، قليل الأيام وشبعان تعبًا." والكتاب لا يقول عن الإنسان أنه شبعان إلا حالة التعب. "الْعَيْنُ لاَ تَشْبَعُ مِنَ النَّظَرِ، وَالأُذُنُ لاَ تَمْتَلِئُ مِنَ السَّمْعِ." (جامعة 8:1) أعلن الرب يسوع نفسه هذه الحقيقة فقال: "في العالم سيكون لكم ضيق." لقد حدثت اضطهادات كثيرة على الكنيسة وهي في دار الغربة. "وَحَدَثَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ، فَتَشَتَّتَ الْجَمِيعُ فِي كُوَرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ." أتألم كثيرًا عندما أقرأ في رسالة العبرانيين "وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ. وَآخَرُونَ تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ وَجَلْدٍ، ثُمَّ فِي قُيُودٍ أَيْضًا وَحَبْسٍ. رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ، طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى، مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ." (عبرانيين 35:11-37) ويخبرنا التاريخ أن المؤمنين قُدِّموا طعامًا للأسود الجائعة، وأُحرِقوا بالنار، ووُضعوا في الزيت المغلي، وقُتِلوا بطرق متنوّعة.
وبالرغم من كل هذا العذاب فقد كان لهم في المسيح تعزيات عظيمة.
ثانيا: المعونة العظيمة
أطلق موسى على ابنه الثاني الاسم "أليعازر" قائلاً: "إله أبي كان عوني وأنقذني مِنْ سَيْفِ فِرْعَوْنَ." الرب يقدّم لنا ونحن في آلام الغربة معونة عظيمة.
1. يسمع لصراخنا
جرب الشيطان حبقوق النبي وأقنعه أن الله لا يسمع الصراخ، فقال للرب: "حَتَّى مَتَى يَا رَبُّ أَدْعُو وَأَنْتَ لاَ تَسْمَعُ؟ أَصْرُخُ إِلَيْكَ مِنَ الظُّلْمِ وَأَنْتَ لاَ تُخَلِّصُ؟" (حبقوق 2:1) ولكن كان رد الرب عليه: "إِنْ تَوَانَتْ فَانْتَظِرْهَا لأَنَّهَا سَتَأْتِي إِتْيَانًا وَلاَ تَتَأَخَّرُ." (3:2) وكم تعزيني الكلمات التي نطق بها الرب لموسى: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ." (خروج 7:3) "هذَا الْمِسْكِينُ صَرَخَ، وَالرَّبُّ اسْتَمَعَهُ، وَمِنْ كُلِّ ضِيقَاتِهِ خَلَّصَهُ." (مزمور 6:34) عندما خرج شعب الله من أرض مصر نظر خلفه فرأى فرعون وجيوشه ونظر أمامه فرأى البحر ففزعوا جدًا وصرخوا إلى الرب. فقال لهم موسى: "قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ الَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ الْيَوْمَ." (خروج 13:14) "فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ؟ (لا شك أن موسى كان يصرخ في قلبه) قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَلُوا. وَارْفَعْ أَنْتَ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى الْبَحْرِ وَشُقَّهُ، فَيَدْخُلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ." (خروج 15:14-16) مجدًا للرب! "اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي." (مزمور 1:40)
2. يسرع لمعونتنا وإنقاذنا
يصرخ المؤمن من آلامه قائلاً: "إلى معونتي أسرع..." فيردّ الوحي المقدس على صرخته: "يَرْكَبُ السَّمَاءَ فِي مَعُونَتِكَ، وَالْغَمَامَ فِي عَظَمَتِهِ." (تثنية 26:33) انظروا ماذا فعل الله مع سنحاريب وجيشه الذي كان يعيّر ويهدد شعب الله. أرسل الرب ملاكًا واحدًا قتل من جيش سنحاريب 185 ألفًا. وسنحاريب نفسه دخل عليه ابناه شرآصر وأدرمَّلك وقتلاه بالسيف وهو ساجد في بيت إلهه نسروخ.
"الرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟" (عبرانيين 6:13) إن الرب لا يتركنا نسير ونتخبّط في دار غربتنا، ولكن يسمع صرخاتنا ويسرع لمعونتنا. لكن ليس في الوقت الذي نراه نحن، بل في الوقت الذي يراه هو. "أنا الرب في وقته أسرع به."