بعد أن ألقيت محاضرة في مؤتمر مسيحي للشبيبة، سألني طالب جامعي: كيف يمكنني أن أنتصر على التجارب وأتغلّب على الشكوك التي تراودني كطالب جامعي مؤمن؟
وخيّم صمت على القاعة الكبيرة، وخيّل إليّ أن هذا السؤال هو السؤال الذي يتململ في صدور عدد كبير من الطلاب الجامعيين من أبناء المؤمنين الذين ترعرعوا في أجواء مسيحية، وتشرّبوا تعاليم الإنجيل في أحضان البيت أو من على منبر الكنيسة، بل إنني شعرت بأن هذا السؤال يرصدني في أعماقي، ويعيد إلى ذهني لحظات الرعب التي عشتها في بعض سنواتي الجامعية عندما اهتزّ إيماني، وتسرّب إليه الضعف، وشرع إبليس ينسج خيوط العنكبوت حول نفسي، ولولا نعمـــــة الــرب التي تداركتني لاقتنصني إبليس واستعبدني.
والتفت إليّ الشاب، فقرأت في عينيه شوقًا متلهفًا لجوابٍ مقنع يُضْفي على نفسه القلقة طمأنينة، وأدركت في لحظة أنه يعاني مما عانيت، فأحسست بقلـبي ينبض بعاطفة جيّاشة، ولكنني حاولت أن أتمالك روعي وقلت:
ذلك يتوقف عليك لأنك وحدك تعرف ما هو مركز المسيح في حياتك، فأنت يمكنك أن تدخل إلى رحاب الجامعة وتترك المسيح يقف خارج البّوابة الرئيسة، كما يمكنك أن تطلب إليه مرافقتك إلى أروقتها وصفوفها.
إن علاقتنا بالمسيح هي علاقة عضوية كعلاقة الكرمة بالأغصان، ومتى انفصلت الأغصان عن الكرمة، مصدر حياتها، يعتريها الجفاف ثم الموت. فالقضية هي قضية "وجود فعلي وشخصي" للمسيح في حياتك! وأي انفصال فمعناه الموت، وعندما يتسرّب الموت لنفس إنسان، يصبح فريسة سائغة في قبضة رهيبة هي قبضة الشيطان. إننا نفتقد كل قوة للمقاومة إذا ما تفرّدنا في صراعنا مع تجارب الحياة، فقوى الشر هي الأقوى، ولا تظنّن أن الشيطان الذي اختبر الإنسان، منذ أن وُجد الإنسان، يجهل مناحي الضعف فينا، ولولا أن المسيح هو انتصارنا، وبه حريّتنا، وعليه اتكالنا لكانت مصائرنا قد ارتبطت، وإلى الأبد، بإرادة إبليس.
وقد تسأل: ما علاقة المسيح بالشكوك التي تغزو رأسي، وتملأ علـىّ ذاتي؟ أقول لك، وبكل بساطة: إن الحياة المسيحية هي بناية إيمان وثقة، فإن كنا نؤمن بالمسيح، ونثق به، فإننا نرفض ما يمكن أن يستولد فينا الشك بإيماننا. والواقع، إن الموقف هو موقف وجودي، فإما أن نختار المسيح وإما أن نختار العالم. ولعل من مآسي الحياة أن نقف عند مفترق طريقين من غير أن نجد إلى الهدى سبيلًا، فحياة كهذه هي بالجحيم أشبه، لذا فالاختيار عملية وجودية يرتبط بها موقف الإنسان في الحياة والموت والأبدية.
إن الشكوك في معظم الأحيان هي وليدة القلق البشري، وهي مصدر خير أحيانًا كما يمكن أن تكون مصدر موت ودمار أحيانًا أخرى. فالشك يحفّز المرء على البحث والسعي في طلب المعرفة. وما من قلب مخلص يتوق إلى معرفة الحق إلا والحق يُقبل إليه. كما قد يفضي الشك بك أحيانًا إلى الهرب من إيمانك، وهنا مكمن الخطر... ومن هنا الحاجة الملحّة لوجود فعلي وشخصي للمسيح في حياتنا كعربون انتصارنا، وهو انتصار ضروري في بناء نموّنا الروحي في عالم ممزق منهار. فهل أكون بهذا قد أجبت عن سؤالك؟!