Voice of Preaching the Gospel

vopg

القس يعقوب عماري

هذه دعوة لنكون أمناء على ما للغير. إ نها دعوة تقول: "لا تمد يدك لما ليس لك." أموال الغير إن طالتها يدك هي أمانة، حافظ عليها حتى تصل إلى أصحابها.

 

حدثني أحد أبنائي بخبرٍ أسعدني حيث قال: "كنت وعائلتي في أحد شوارع المدينة للتسوّق، فسقطت على مرأى مني حقيبة صغيرة من أحد المارة وهو يقطع الشارع بعجلة في زحمة من السيارات دون أن ينتبه، فأوقفت سيارتي في الحال ونزلت والتقطت الحقيبة وحاولت أن أجد صاحبها بين الزحام فلم أوفَّق، وعدت إلى السيارة، وفتحت زوجتي الحقيبة وإذ بها مبلغ من المال، عددناه فكان أربعة آلاف دولار، ومعها جواز سفر عراقي باسم حسين كذا وكذا!

وبين طيَّات الحقيبة عثرنا على رقم تليفون، اتصلنا بالرقم فتبيَّن أنه يخصّ فندقًا في عمّان، وبعد نصف ساعة وصلنا الفندق وسألنا هل السيد حسين من نزلائه؟ فقالوا: "نعم، وها هو يبكي في غرفته لا ندري ما أصابه، وطلبناه فحضر والأسى بادٍ عليه، وسألناه: "ما بك يا حسين؟" فقال: "فقدت كل ما أملك من فلوس ومعها جواز السفر!"

فقلنا: "فلوسك وجواز سفرك في أمان." ورفعنا الحقيبة في وجهه، ففوجئ الرجل وكاد لا يصدق وقال: "من أين أنتم؟ وكيف عثرتم عليَّ؟ أنا غريب هنا ولا أحد يعرفني، كيف وصلتم إليّ؟"

فهدّأنا من روعه وسلمناه الحقيبة بما فيها من فلوس وجواز سفر، وطلبنا منه بحضور موظفي الفندق أن يعدّ المبلغ قبل أن نغادر، وبعد أن انفرد وجهه ومسح دموعه، حاول عبثًا أن يقدّم شيئّا، فقلنا له: "الله يحبك يا حسين وهذه أمانة يسعدنا أن نردّها إليك، وغادرنا المكان."

الوصية تقول صريحًا: "لا تسرق!" لا تعبث بما ليس لك! ونحن هنا نتساءل: من هو السارق الذي تخاطبه الوصية؟ ما تعريفه؟ هل هو مجرد مَنْ يمدّ يده إلى جيب غيره ليختلس منه ما ليس له دون وجه حق؟! أليس بسارقٍ من يحاول تشويه سمعة الآخر بنشر الظنون الرديئة عنه؟! ألا يحاول هذا أن يسرق سمعة غيره ويعطيها وجهًا آخر يختلف؟!

ثم، أليس شاهد الزور بسارق وهو يسعى لنقل حقوق الناس إلى غير أصحابها؟! أوليست الرشوة أيضًا سرقة لطمس الحقيقة وتحييدها عن مسارها، وفاعلها سارق؟!

ثمَّ، ماذا عن المتنفِّذ الذي يوظف أحدًا بوظيفة وهمية يتقاضى عليها راتبًا؟ أليست هذه سرقة لأموال جهة حكومية أو مؤسَّسةٍ مدنية ينتمي إليها صاحب القرار؟!

ومحاولات التزوير التي تتناقلها الصحف عن التهرُّب الضريبي، ألا تُحسَب تلك سرقة للمال العام الذي تُشرف عليه الدولة المؤتمنة على مصادر عيش الناس؟! أليس فاعلها بسارق؟!

وهل مال الدولة مُباح لمن يطاله بغير حق؟

لعلَّ القراءة السطحيّة للوصية، تعطي انطباعًا بأن المتهم الذي تشير إليه الوصية هو السارق الذي ضُبِط في جنح الظلام مُتلبِّسًا بأدوات الجريمة، بينما الحقيقة أن هناك شركاء لا يطالهم القانون، ومشكلة هؤلاء أنهم نمَّوا ظاهرة السرقة في نفوس غيرهم دون أن يدروا، ومن بين هؤلاء:

 

أولًا، نشير إلى الآباء والأمهات الذين يتعاملون مع أبنائهم بأساليب خاطئة تؤدي بهم إلى الانحراف، فيتبنّى الطفل طرقًا ضارّةً ليعوِّض بها عمّا فاته من حرمان في الرعاية والاهتمام. وأخطر ما يُحرَم منه الطفل هو الحب والعطف والحنان والاحترام. فإن لم يجدها في بيته، سيبحث عنها في بديل آخر. وقد يسرق ويشعر ببطولة تعوِّضه عن الذلّ أو الجفاء الذي يعاني منه بين أهله. وقد يلجأ للتدخين في عمر مبكر أو يعبث بالمخدرات، وإلى غير ذلك من عادات، بعضها مُرْعِبٌ لا مجال للتوسع في الحديث عنها هنا.

جاء في سفر الأمثال: "ربِّ الولد في طريقه، فمتى شاخ أيضًا لا يحيد عنه." (أمثال 6:22)

فلنتَّقِ الله في أبنائنا وبناتنا، فهُم عدّتنا وذخيرة عمرنا، تغنَّى بهم الشاعر حين قال: "أبناؤنا أكبادنا تمش ي على الأرض."

أما المتّهم الثاني فهو صاحب القرار في الشركة أو المؤسسة التجارية. ويحدث هذا عندما يضعف الوازع الإنساني لدى المسؤولين الكبار، ويتصرَّفون مع موظفيهم ببخلٍ، بدافع من الطمع والرغبة الجامحة للإثراء على حساب عَرق العامل والموظف بأجورٍ مبخوسة، مما يُغرِّر بذوي النفوس الضعيفة ليسقطوا في فخّ تجربة العَوز، فيصنع (من البعض) سُرَّاقًا بدافع الشعورُ بالحاجة والإحساس بالظلم.

يقول الوحي في رسالة يعقوب: "هلمّ الآن أيها الأغنياء ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة. غناكم قد تهرّأ وثيابكم قد أكلها العث. ذهبكم وفضتكم قد صدئا وصدأهما يكون شهادة عليكم، ويأكل لحومكم كنار... هوذا أجرة الفعلة الذين حصدوا حقولكم المبخوسة منكم تصرخ، وصياح الحصَّادين قد دخل إلى أذُنَي رب الجنود. قد ترفّهتم على الأرض، وتنعّمتم وربيتم قلوبكم كما في يوم الذبح." (يعقوب 1:5-5)

في العظة على الجبل قال يسوع: "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال." (متى 24:6)

جاء أحدهم إلى المسيح وقال: "يا معلم، قل لأخي أن يقاسمني الميراث." فقال له: "يا إنسان من أقامني عليكما قاضيًا أو مقسِّمًا؟" ثم ضرب مثلًا قال فيه: إنسانٌ غنيٌّ أخصبتْ كورته، ففكر في نفسه قائلًا: "ماذا أعمل، لأنْ ليس لي موضع أجمع فيه أثماري؟" وقال: "أعمل هذا: أهدِم مخازني وأبني أعظم، وأجمع هناك جميع غلاتي، وأقول لنفسي : ‘يا نفسُ لك خيرات كثيرة لسنين عديدة. استريحي وكلي واشربي وافرحي!’" فقال له الله: "يا غبي! هذه الليلة تُطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟" (لوقا 16:12-20)

وختم المسيح حديثه بقوله: "هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنيًا لله." (لوقا 21:12)

أما المُتّهَم الثالث فهو بعض أنظمة الحكم في العالم الثالث ممن لا يبالون بمعاناة شعوبهم من تدّني المستوى المعيشي، فيعيش المتنفِّذون في رغد عيشٍ مسرفٍ، وتعيش الغالبية المسحوقة تحت خط الفقر بدرجات، فيكثر التذمّر، وينتشر الفساد، وتتفشّى الرشوة، وتنعدم الثقة بين الشعب والقيادة، ويكثر التحايل والنهب والسلب من أموال الدولة، وتضعف في النفوس مشاعر الانتماء للوطن!

يتجنَّى البعض على الكتاب المقدس ويصفونه بالتحريف. لكنني أدعو القارئ الكريم أن يلاحظ قدسية هذا الكتاب في اهتمامه بالمعوزين والمهَمَّشين والمنبوذين، وكيف يوصي بهم في سابقة يتفرّد بها ليغرس في نفوس الأغنياء وذوي القدرة على العطاء بذور الرحمة نحو هؤلاء فيقول:

إذا حصدت حصيدك في حقلك، ونسيت حزمة في الحقل، فلا ترجع لتأخذها. للغريب واليتيم والأرملة تكون، لكي يباركك الرب إلهك في كل عمل يديك. وإذا خبطت زيتونك فلا تراجع الأغصان وراءك. للغريب واليتيم والأرملة يكون. إذا قطفت كرمك فلا تعلِّلهُ وراءك. للغريب واليتيم والأرملة يكون." (تثنية 19:24-21)

يخاطب الإنجيل مَنْ انتقلوا من الوثنية إلى المسيحية فيذكرهم بسموّ المقام الذي انتموا إليه فيقول: "لا يسرق السارق فيما بعد. بل بالحري يتعب عاملًا الصالح بيديه، ليكون له أن يعطي من له احتياج." (أفسس 28:4)

فالسارق الذي فتح قلبه للمسيح وتاب، ودخل في منظومة الإيمان، يخلق المسيح منه إنسانًا جديدًا، كما صنع من زكّا رئيس الجباة الذي بجشعه استغلّ مواطنيه بضرائب إضافية كان يسلبها لجيبه، ولكن بعد لقائه بالمسيح انفتح قلبه للإيمان فتاب وتغيَّر وقرَّر أن يردّ المسلوب أضعافًا (إنجيل لوقا 19). فالأيدي التي كانت تتعامل بالحرام، عندما تتعرَّف بالمسيح تتغيَّر وتبدأ بالعطاء.

يخبرنا الإنجيل عن أُنسيموس الذي اختلس بعضًا من مال سيده فليمون وهرب من أسيا الصغرى واستقر في روما بعيدًا عن الأنظار، ورتبت عناية القدير أن يلتقي أنسيموس ببولس الرسول في سجن روما، فبشره بولس وآمن بالمسيح، وتساءل عما عليه أن يعمل! وهل تُغفر الذنوب إن لم يُردّ المسلوب؟! فعرض القضية على بولس يستوضحه، فنصحه بالعودة إلى فليمون والتصالح معه. وعاد أنسيموس وقطع آلاف الأميال ليعتذر من سيده ويرد المسلوب، فقبله فليمون أخًا محبوبًا في الرب." (رسالة فليمون). ومع الأيام نما أنسيموس بالإيمان ونضج روحيًا وتجنّد لخدمة المسيح وصار أسقفًا مكرّسًا لخدمة من فداه.

يقول الإنجيل: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدا." (2كورنثوس 17:5)

أعرف صديقًا مؤمنًا كان يعمل في شركة بترول كسائق شاحنة، ومعه زملاء يعملون في وظيفة مماثلة. وفي كل أسبوع كان يملأ خزان البنزين لمركبته من مضخة الشركة المجاني حسب الحاجة، بينما كان زملاؤه يملأون خزَّانات مركباتهم أضعاف ما يعمل هو. فلاحظ المشرفون هذه الظاهرة وبدأوا يتساءلون لأن طبيعة العمل واحدة والآليات واحدة ومسافات العمل واحدة.

فأحسَّ زملاؤه بالحرج وأخذوا يحثّونه على الاستفادة من ثمن فائض الوقود لو باعه فيُجَنِّبهم المساءلة، فأبى وشهد لهم عن إيمانه وقال: "كيف أخون الأمانة والمسيح في قلبي؟" وقال: "يا أصدقائي، مصدر الرزق أمانة فلنحافظ عليها."

المجموعة: آب (أغسطس) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

306 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10539616