لو تأملنا في حضور الرب في الكتاب المقدس، لرأيناه أحيانًا يمسك شيئًا، وهذا الشيء يمكن أن يكون موضوع تأمل ودراسة لنا لأنه يعلمنا الكثير... لماذا يمسك السيد في يده شيئًا؟ ولماذا هذا الشيء بالذات؟ وفي هذا المقام؟
نستطيع مثلاً أن نرى الرب وقد ظهر ليشوع وفي يده سيف مسلول (يشوع 13:5). ثم نرى الرب مرة ثانية وفي يده كأس وخمرها مختمرة (مزمور 8:75). ولو رجعنا إلى سفر الرؤيا 1 لرأينا الرب وفي يده الكواكب السبع التي تمثل الكنائس السبع. وفي عاموس 7:7 يقول: "هكذا أراني وإذا الرب واقف على حائط قائم وفي يده زيج."
لو تأملنا في هذه الأمور التي في يد الرب لوجدنا أنها تعلمنا الكثير. كان يشوع والشعب معه قد عبروا نهر الأردن، وإذا بأسوار أريحا أمامهم والنهر خلفهم. كانوا في معركة حربية يحتاجون إلى الرب المحارب عنهم ومعهم، فظهر الرب وفي يده سيف مسلول.
كانت الكنيسة في عصر يوحنا كنيسة صغيرة، ناشئة، ضعيفة، وكان الناس يخشون عليها من الضيق والاضطهاد الواقع عليها من الدولة الرومانية، فظهر الرب ليوحنا يقبض في يده اليمنى على الكواكب السبع التي تمثل الكنائس السبع، ليعلن ليوحنا ولنا جميعًا أن الكنيسة هي في قبضة يده، يحبها ويرعاها ويحافظ عليها.
في يد الرب زيج
وسيطول بنا المقام لو تأملنا في كل هذه الأمور التي يقبض عليها الرب في يده. لكن دعونا في هذا المقال أن نتأمل في شخص واحد يحمل شيئين في يده: الشيء الأول نجده في سفر عاموس وهو الزيج، أما الشيء الثاني الذي نراه في يد الرب فهي كأس وخمرها مختمرة.
الزيج كما نعلم هو الذي يقيس به البنّاء اعوجاج أي حائط، يدليه من أعلى فينزل مستقيمًا، ويضعه إلى جانب الحائط الذي يريد أن يقيسه ويحدد استقامته. إنه بهذا الزيج يستطيع أن يحدد ما إذا كان الحائط مستقيمًا أو منحرفًا؛ قد لا يبدو واضحًا للعين التي تنظر بغير هذا الزيج. هذا الزيج، إذا كان في يد الرب، يمثل المقياس الذي يقيّم به الرب حياتنا ليرى ما بها من اعوجاج. هل حياتنا مستقيمة أم لا؟ في يد الرب زيج يستطيع به أن يقيس حياة كل واحد منا بمنتهى الدقة على نقيض ما نفعله نحن أحيانًا عندما نقيّم حياتنا ونستخدم مقاييس كثيرة. مثلاً، قد نقيس حياتنا بمقياس حياة الآخرين، ونخرج من هذه المقارنة مطمئنين أن حياتنا مستقيمة. أو قد نقيس حياتنا بمقياس نظرة البشر إلى الخطية، فكثيرًا ما يقيسها الناس ويعتبرونها أنها أمر عادي يرجع إلى الوراثة، أو البيئة، أو المجتمع. ونحن إذ نقيس حياتنا بهذا المقياس قد نخرج مطمئنين أن حياتنا إلى حد ما خالية من المسؤولية، لأن خطيتنا ترجع إلى الوراثة أو البيئة. لكن دعونا نتذكر أن في يد الرب زيجًا... مقياسًا يستطيع به أن يحدد ويقيِّم حياة كل واحد منا.
تُرى، أي زيج هذا؟ وأي مقياس هذا الذي يقيس به الله حياتنا؟
إنه يقيس حياتنا بمقياس ناموس الله الذي أعطاه لموسى. ارجعوا إلى سفر الخروج 20 واتخذوا من هذا الناموس مقياسًا لحياتكم، لتقيّموها كما يراها الله. قارنوا حياتكم بالنسبة لهذه الوصايا العشر، هل نحن فعلاً لا نعبد آلهة أخرى غير الله؟ ولا نقيم لنا تماثيل في الحياة؟ هل نحن فعلاً نحب أقاربنا وجيراننا كما نحب أنفسنا؟ وهل نحب آباءنا ونطيعهم؟ هل نقدس فعلاً يوم الرب؟ هل لو طبقنا هذه الوصايا "لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق..." على حياتنا نجدها مستقيمة، أم نكتشف في حياتنا اعوجاجًا؟ لا أتوقع أو أظن أن هناك إنسانًا ما عاش على هذه الأرض يمكن أن يقول أنه أكمل الناموس، إلا المسيح. كلنا إذًا بهذا الزيج – مقياس ناموس موسى – نحن في الموازين إلى فوق. ويعوزني الوقت لو تناولت كل وصية على حدة لنطبقها على أنفسنا. فحتى الوصايا التي نتصور أننا أبعد ما نكون عن كسرها، كلنا قد كسرناها! حتى عبادة الأوثان، كلنا عبدنا الوثن، لأننا وضعنا قبل الله آلهة أخرى هي الذات، أو المال، أو المركز... كل الوصايا قد كسرناها.
ويقيس الله حياتنا أيضًا بمقياس ناموس المسيح، ناموس المحبة. إنه لا يقيسنا فقط بمقياس "اعمل ولا تعمل" ولكنه يقيسنا بمقياس المحبة. من منا يستطيع أن يقف أمام هذا المقياس مطمئنًا إلى أن حياته مستقيمة؟ من منا يستطيع أن يقول إنه يبارك لاعنه، ويحب من يضطهده، ويصلي لأجل الذي يسيء إليه؟ من منا يمكنه أن يقول إنه يسير حيث سار المسيح، لأنه هكذا يطالبنا: "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل؟" إنه يقيسنا بمقياس كمال الله، لا الكمال البشري. لا يمكنه أن يقبل إنسانًا في حضرته غير كامل! تُرى، هل نستطيع نحن أن نختبر حياتنا بمقياس الله؟ أعتقد أننا سنكتشف بأننا جميعًا قد ضللنا، زغنا، ومال كل واحد إلى طريقه.
في يد الرب كأس
لكننا نشكر الله أنه لم يظهر فقط وفي يده زيج، لكنه ظهر وفي يده كأس، وهذه الكأس هي أكثر من كأس واحدة. نستطيع أن نرى في يد الله كأس المرارة، التي يتحدث عنها وهو في بستان جثسيماني: "يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس." ثم نستطيع أن نرى في يد الرب كأس الخلاص التي يقدمها لكل تائب، لهذا يقول المرنم في المزمور 116 "ماذا أردّ للرب من أجل كل حسناته لي؟ كأس الخلاص أتناول، وباسم الرب أدعو." كما نستطيع أن نرى في يد الرب كأس الذكرى والشركة التي قدمها لنا المسيح قائلاً: "اصنعوا هذا لذكري."
في يده كأس المرارة ليشربها عنا، والتي بها يستطيع أن يشفي ارتدادنا ويغفر ذنوبنا. وفي يده كأس الخلاص ليهبها لنا. وفي يده كأس الذكرى ليشاركنا إياها.
إن كان الزيج الذي في يد الرب قد أظهر اعوجاجنا، فكأس المرارة تشفي ارتدادنا. إن كنا قد اكتشفنا أننا جميعًا سقطنا وأخطأنا، فدعونا ننظر إليه، وهو يشرب كأس الألم، كأس المرارة، كأس الصليب، كأس العار لأجل كل واحد منا. إنه صرخ قائلاً: "يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس." لماذا؟ لم يكن الألم هو الذي يخيفه، بل العار! لكنه قابل مع الألم الخطية! صار ذاك الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه. صار لعنة ليرفع عنا لعنة الناموس. إنها كأس اللعنة، أخذها وشربها؛ تلك الكأس التي كان يجب أن نشربها أنا وأنت، لأننا جميعًا في الموازين إلى فوق، شربها ذاك البار لكي يبررنا ويجعلنا أمام الله بلا خطية.
ذكرت أن الله لن يقبل إنسانًا غير كامل، فكيف نصل إلى الكمال؟ إنه الكمال الذي يكملنا به المسيح. لقد أخذ عارنا في هذه الكأس، فلا يرى الله فينا خطية، لكنه يرانا كاملين في ابنه الذي شرب كأس العار. ولأنه شرب كأس العار والمرار، يستطيع أن يعطينا كأس الخلاص. لم يكن ممكنًا أن ننال الخلاص بغير أن يحتمل المسيح قصاص خطايانا. لو أن الله أصدر فرمانًا بالعفو عن كل الخطاة، بغير أن تنال الخطية قصاصها، لما كان الله عادلاً، وما كان هذا العالم عالمًا خلقيًا. لأنه لا بد أن تكون أجرة الخطية موتًا، ولا بد أن ينال الخاطئ قصاصه. لكن شكرًا لله الذي أخذ في جسده خطايانا على الخشبة، وبذلك استطاع أن يقدم لنا كأس الخلاص، التي لا تقف عند حدّ الغفران والتبرير، لكنها تمتد إلى التقديس والتمجيد. الكأس التي تحتوي كما يقول هو على خمر ممزوجة مختمرة. إنها كأس مزيج من الغفران مع التبرير، والفرح، والسلام، والبهجة، والانتصار، مع أننا سنكون مثله، لأننا سنراه كما هو. لاحظ إن أفضل ما يمكن أن نقدمه لله هو أن نأخذ من يده هذه الكأس. يقول المرنم: "ماذا أرد للرب من أجل كل حسناته لي؟" ثم يجيب قائلاً: "كأس الخلاص أتناول." كأن أفضل ما يحبه الله، لا أن تقدم له أعمالاً، بل أن تمتدّ يدك بالإيمان وتأخذ الخلاص المجاني الذي قدَّمه لك المسيح. ثق أنه يغفر خطاياك، ويعطيك سلامًا مع الله ومع نفسك ومع الآخرين.
ثم في يده كأس الذكرى. يقول: "كذلك الكأس أيضًا بعدما تعشوا قائلاً: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري." نحن إذًا، كلّما نتقدم إلى هذه الكأس نخبر بموت الرب إلى أن يجيء. هذه الكأس إذًا تقدم لنا الذكرى، فنخبر وننتظر ونذكر موت الرب، لأن هذه الكأس ترمز إلى كأس الألم التي شربها عنا، واستطاع بها أن يقدم لنا كأس الخلاص. فكلما شربتم من هذه الكأس تذكرون موت الرب، وآلامه، وتضحياته، وأنه صار خطية لأجلنا، وتخبرون بموته إلى أن يجيء. فإن كنا قد شربنا، كيف نترك غيرنا في عطش وجوع؟ فلنخبر إذًا كم صنع الرب بنا ورحمنا إلى أن يجيء.