Voice of Preaching the Gospel

vopg

القس بسام بنورة

هل فكرت بما يحدث في حياتك وأحوالك وظروفك مؤخرًا؟ وهل تواجه صعوبات ومشاكل وقسوة في الحياة بدون أي سبب ظاهر؟ وهل سألت نفسك مثل هذا السؤال: لماذا أمرّ بهذه الظّروف الصّعبة؟ وما الخطأ الذي ارتكبته لأعاني من هذه الآلام والأمراض والضّيقات؟ 

 

دعوني أخبركم عن نفسي: أنا الابن الثاني في أسرة مؤلفة من سبعة أفراد، ولمدة 24 سنة عشنا في بيت مكوّن من غرفة واحدة، وحُرمت أنا وإخوتي وأختي من أشياء كثيرة جدًا في طفولتنا وشبابنا. كان أبي يعمل أكثر من 12 ساعة يوميًا، وكانت أمي تعمل أيضًا، ومع ذلك فأجورهم كانت ضئيلة لا تكاد تكفي لسد احتياجات الحياة البسيطة. فلماذا سمح الله لنا أن نمر بهذه الظروف القاسية؟

ولا شك أن هناك بينكم من يعاني في هذه الأيام من قسوة، أو ألم، أو مرض، أو مشقات أو صعوبات في الحياة؛ أو من قلة دخل، أو مشاكل أسروية، أو أمراض صعبة، وظروف مؤلمة جدًا، ولسان حال كل واحد منكم يقول: لماذا يا رب؟ لماذا تسمح للمآسي والصعوبات والقسوة أن تتعرّض لها حياة أولادك وبناتك المؤمنين بشخصك القدوس؟

أنا شخصيًا لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لكنني أشكر الله من أجل الكتاب المقدس الذي فيه الإجابة الشافية لسؤالنا. وقبل البحث عنها، لدينا سؤال مهم: هل يحق لنا كبشر أن نسأل الله "لماذا"؟ والجواب هو "نعم"، يحق لنا أن نسأل الله عن أسبابها. فلو بحثنا في الكتاب المقدس، سنجد رجالًا ونساءً عظام سألوا الله عن سبب الأمور التي حدثت في حياتهم.

فمثلًا، آساف الذي كتب عددًا وفيرًا من المزامير بوحي من الله، وقد عاش في أيام الملك داود، طرح على الله أسئلة صعبة عن الظروف التي مرّ بها. فهو يقول في مزمور 7:77-9 "هَلْ إِلَى الدُّهُورِ يَرْفُضُ الرَّبُّ وَلاَ يَعُودُ لِلرِّضَا بَعْدُ؟ هَلِ انْتَهَتْ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ؟ هَلِ انْقَطَعَتْ كَلِمَتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ؟ هَلْ نَسِيَ اللهُ رَأْفَةً أَوْ قَفَصَ بِرِجْزِهِ مَرَاحِمَهُ؟"

كذلك النبي والملك داود كانت لديه أسئلة مشابهة كما نقرأ في مزمور 1:10 "يَا رَبُّ لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟"

ورجل الله أيوب الذي تألم بشكل فظيع، طرح أسئلة على الله كما نقرأ في أيوب 18:7-21 "حَتَّى مَتَى لاَ تَلْتَفِتُ عَنِّي وَلاَ تُرْخِينِي رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي؟ أَأَخْطَأْتُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَّاسِ! لِمَاذَا جَعَلْتَنِي هَدَفًا لَكَ حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلًا! وَلِمَاذَا لاَ تَغْفِرُ ذَنْبِي وَلاَ تُزِيلُ إِثْمِي لأَنِّي الآنَ أَضْطَجِعُ فِي التُّرَابِ؟ تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ!"وسأل أيوب أصدقاءه في أصحاح 22:19 "لِمَاذَا تُطَارِدُونَنِي كَمَا اللهُ؟ (أي أن الله كان يطارده) وَلاَ تَشْبَعُونَ مِنْ لَحْمِي؟"

نرجع مرة أخرى لنسأل: لماذا يسمح الله للمشقة والصعوبات أن تصيبنا وتحلّ بنا؟ للإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نبحث في الكتاب المقدس لمعرفة فكر الله وإعلانه حول هذا الأمر الصعب، علمًا بأن هنالك بلا شك إجابات لم يعلنها الله في كتابه، لكنني واثق بأننا سنعرفها في اليوم الأخير. حتّى ولو لم نعرف كل الإجابات اليوم، فإن إيماننا بالله وثقتنا بحكمته ومحبّته تملأ قلوبنا بالسّلام والطّمأنينة والرّجاء بغدٍ أفضل. من الإجابات الموجودة في الكتاب المقدّس، هي أن الله يسمح للألم والقسوة والشدة في حياتنا: 

1) ليخلصنا من خطايانا ويوبخنا ويؤدبنا: والحقيقة أن هذا هو سبب القسوة الوارد ذكرها كثيرًا في الكتاب المقدس، وهذا بالضبط هو محتوى المزمور 73 حيث يصف شعب الله القديم بأنه يعيش في مأساة حقيقية، فبسبب خطايا إسرائيل المتعاقبة، لجأ الله إلى تأديبهم وعقابهم ومرَّرَ حياتهم حتى يعودوا إليه بدموع التوبة. وكان السبي إلى بابل أشد شكل من أشكال العقاب. نقرأ في عبرانيين 5:12-11 "وقدْ نسيتم الْوعْظ الّذي يخاطبكمْ كبنين: يا ابْني لا تحْتقرْ تأْديب الرّبّ، ولا تخرْ إذا وبّخك. لأنّ الّذي يحبّه الرّبّ يؤدّبه، ويجْلد كلّ ابْنٍ يقْبله. إنْ كنْتمْ تحْتملون التّأْديب يعاملكم الله كالْبنين... لكيْ نشْترك في قداسته. ولكنّ كلّ تأْديبٍ في الْحاضر لا يرى أنّه للْفرح بلْ للْحزن. وأمّا أخيرًا فيعْطي الّذين يتدرّبون به ثمر برٍّ للسّلام."

2) ليقوّي إيماننا ويشددنا: أنا أومن أن الله يسمح بالألم والمشقة حتى يقوّي إيماننا. وهنا يجدر بنا أن نتذكر أن الله يعرف النهاية منذ البداية، ويريد لنا الأفضل. نقرأ في سفر أعمال الرسل 18:15 "مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ." ونقرأ في إرمياء 11:29 "لأَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرٍّ لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً."فالله يريد لنا الأفضل. إنّه يريد أن يعطينا رجاء أفضل بتقوية إيماننا بشخصه القدوس. وكما امتحن الله إيمان إبراهيم عندما طلب منه أن يقدم ابنه الوحيد إسحاق، وكما امتحن الرب يسوع إيمان فيلبس عندما طلب منه أن يطعم الخمسة آلاف، كذلك يمتحن الله إيماننا بالمشقات لكي يزكينا ولكي ننمو في علاقتنا معه.

3) لكي نصبح مثالًا لغيرنا: نقرأ في كورنثوس الأولى 1:10-13 "... وهذه الأمور حدثتْ مثالًا لنا... فهذه الأمور جميعها أصابتْهمْ مثالًا وكتبتْ لإنْذارنا نحْن الّذين انْتهتْ إليْنا أواخر الدّهور... سيجْعل مع التّجْربة أيْضًا الْمنْفذ." 

إن ما جرى من مآسٍ في حياة الشعب القديم، كان بسبب خطاياهم، وكتبت في الوحي المقدس لكي نعتبر منها ونتعلم كيف نبتعد عن الشر والخطية. نلاحظ هنا استخدام كلمة "تجربة"، أي يضع شيئًا ليبرهن على صحته. فالتجربة هي اختبار عملي من أجل التدريب والتأديب. نقرأ أيضًا في رومية 4:15 "لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ." إن كلّ ما يصيب الإنسان من قسوة في الحياة، يصبح مع مرور الأيّام مصدر عزاء وتشجيع للغير، أي للذين قد تصيبهم نفس المآسي في الحياة. فمن اختبر الجوع يستطيع أن يعزي الجوعان. ومن اختبر موت عزيز أو حبيب يستطيع فعلًا أن يعزي من يفقد عزيزًا أو حبيبًا. ومن اختبر الألم والمرض، يستطيع أن يشجع ويشدد من يختبر مثل هذا الشقاء.

4) لأنها تقودنا لننمو ونكون مثمرين: تثمر أوقات القسوة والضّيق في حياتنا صبرًا واحتمالًا وتجديدًا للعهود مع الله، فنصلي بشكل أفضل من السابق. نقرأ في يعقوب 2:1-3 "احْسبوه كلّ فرحٍ يا إخْوتي حينما تقعون في تجارب متنّوعةٍ، عالمين أنّ امْتحان إيمانكمْ ينْشئ صبْرًا." فالقسوة والوقوع في التجارب يؤديان إلى ثمر مثل الصبر، والصبر يساعد على نضج الشخصية المسيحية التي تحتمل الألم والمشقة. تحدث الرب يسوع المسيح في يوحنا 1:15-8 عن الكرمة والأغصان. وقال إن الآب السماوي ينقّي المؤمن لتكون حياته مثمرة (يوحنا 2:15). وكلمة ينقّي هنا تشير إلى صعوبة أو قسوة يمر بها المؤمن لكي ينمو في الإيمان وتكون حياته مثمرة للرب.

مرة أخرى: لا أستطيع كإنسان أن أحدد سبب سماح الله لك أن تمر بفترة ألم وقسوة، لكن تذكر أن هذه ليست مشيئة الله. فالله لم ولن يقدم على عمل أي شيء قد يضر بأي إنسان في الوجود، ولكنه يسمح للألم والقسوة أن تكونا جزءًا من حياتنا وذلك لكي يؤدبنا ويقوّي إيماننا وليجعل منا عبرة لغيرنا.

انظروا عظمة إيمان أيوب وما قاساه من الكوارث التي عصفت بحياته، وذلك كما قال لإصحابه في سفر أيوب 13:13-15 "اُسْكُتُوا عَنِّي فَأَتَكَلَّمَ أَنَا وَلْيُصِبْنِي مَهْمَا أَصَابَ." أي إنه لم يهتم للضيق الذي ألمّ به. "لِمَاذَا آخُذُ لَحْمِي بِأَسْنَانِي وَأَضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟" أي إنه رفض أن يتعذّب بأفكار سلبيّة عن وضعه القاسي. "هُوَذَا يَقْتُلُنِي. لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا." وقد سلّم حياته بالكامل لله.

"فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ." وأصبح همه الوحيد هو أن يعيش حياة مقدّسة ومقبولة لدى الله.

المجموعة: آب (أغسطس) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

51 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10475309