Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور أنيس بهنام

سيفضي بنا سفر نحميا إلى نهاية تاريخ بني إسرائيل المدوّن في العهد القديم. اسم نحميا مشتق من كلمتين: "تعزية" و "ياه". فالجزء الأول من اسمه هو مثل اسم نوح، الذي حين وُلد دعاه أبوه لامك باسم نوح قائلاً: هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قِبل الأرض التي لعنها الرب." (تكوين 29:5) والنصف الثاني من اسمه "ياه" هو اختصار لاسم يهوه.

أي إن اسمه يعني تعزية الرب (يهوه). كان نحميا ساقيًا للملك أرتحشستا ملك فارس. ويعتبر هذا مركزًا رفيعًا، ومع أنه كان أمينًا في عمله الزمني، إلا أن قلبه وفكره كانا متعلقين بشعب الرب. وفي هذا درس نافع لنا جميعًا. ولذلك سنتأمل الآن فيما هو مدوّن لنا في الأصحاح الأول من هذا السفر الثمين.

بينما كان نحميا في شوشن القصر جاءه واحد من إخوته ورجال من يهوذا فسألهم عن اليهود الذين بقوا من السبي وعن أورشليم. لم يضيِّع نحميا الوقت في حديث بلا فائدة، بل كان قلبه ملتهبًا بخصوص الآخرين الذين كانوا في حالة يُرثى لها. هذا أول درس لنا في هذا السفر، وهو الاهتمام بحالة إخوتنا الآخرين. "مهتمين بعضكم لبعض اهتمامًا واحدًا." (رومية 16:12) "لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضًا." (فيلبي 4:2) لما أجابوه قائلين: "إن الباقين الذين بقوا من السبي هناك في البلاد، ٍهم في شرّ عظيم وعار. وسور أورشليم منهدم، وأبوابها محروقة بالنار." (نحميا 3:1)، كان لهذا تأثير عميق على نحميا حتى قال: "فلما سمعت هذا الكلام جلست وبكيت ونُحت أيامًا، وصُمت وصلّيت أمام إله السماء." (نحميا 4:1) 

والآن لنتأمل في هذا التأثير لنستمدَّ منه لأنفسنا دروسًا نافعة لنا روحيًا.

أولاً، قال: لما سمعت هذا الكلام "جلست." حين يكون عندنا خبر مؤلم وخطير نقول لمن نتحدث معه: "أولاً، اجلسْ." وذلك لخطورة الأمر، خشية أن يُغشى على الشخص حين يسمعه. هكذا كان تأثير الأخبار على نحميا – على قلبه ومشاعره.

ثانيًا، "وبكيت." هل نبكي نحن مع الباكين كما تعلمنا كلمة الله؟ وهل نبكي على حالة كثيرين من المؤمنين سواء كان لضعفهم الروحي وعدم سيرهم مع الرب، أو بسبب احتياجاتهم الزمنية، أو اضطهادهم؟ هذه أسئلة يجب أن يوجهها المؤمن الغيور لنفسه. هل نبكي متوسلين إلى الرب بخصوص خلاص النفوس؟ أو لأن أحد المؤمنين وقع في خطيئة مشينة؟ هذا هو ما تعلمنا إياه كلمة الله.

ثالثًا، "ونحت"، أي كان بكاؤه نابعًا بحرارة من القلب. ولم يكن شعورًا سطحيًا.

رابعًا، "بكيت ونحت أيامًا." فلم يفقد اهتمامه بعد مرور بضع ساعات، أو بعد يوم أو يومين بل استمر تأثيره لمدة طويلة.

خامسًا، "وصُمْتُ." لا حاجة للتعليق على هذا. حقًّا، يا له من مثال نافع لنا جميعًا إن كنا نريد أن نرى ثمارًا في خدمتنا للرب!

سادسًا، "وصلّيتُ." ولولا ذلك لما كانت هناك فائدة من الحزن أو الصوم. "طلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها." (يعقوب 16:5) وفي صلاته تمسّك بالوعد الإلهي، إذ قال للرب: "اذكر الكلام الذي أمرت به موسى عبدك..." ليت القارئ العزيز يتأمل في هذه الصلاة القصيرة الفعالة (نحميا 5:1-11).

سابعًا، نتيجة لما سبق، حصل على الثقة والجرأة ليتحدث مع الملك، عالمًا أن "قلب الملك في يد الرب كجداول مياه، حيثما شاء يميله." (أمثال 1:21)

وهذا نجده في الأصحاح الثاني من سفر نحميا إذ نقرأ أنه في شهر نيسان في السنة العشرين لأرتحشستا الملك قدّم دعواه للملك. وهذا التاريخ مدوّن لنا لأهميته. لأنه يقع في عام 445 ق. م. وأهمية هذا التاريخ هو أنه بداءة السنين المعروفة باسم أسابيع دانيآل السبعون المدوّنة في دانيآل 24:9-27 وهي تُعتبر المفتاح لفهم الكثير من النبوءات المختصة بالمستقبل.

والآن نعود إلى الكلام عن نحميا. كان نحميا، كما رأينا، ساقي الملك. وهذا معناه أن يجهز أفخر أنواع النبيذ ليقدمها للملك، لكي يستريح وتهدأ أعصابه، فيشعر بنوع من الراحة. وهي تعادل ما يسميه الناس الآن The happy Hour. نحن لا نحبذ استعمال الخمور، ولكن نقول هذا ليفهم القارئ لماذا خاف نحميا حينما سأله الملك "لماذا وجهك مكمدّ وأنت غير مريض؟" (نحميا 2:2) ولكنه وضع ثقته في الرب الذي صلى إليه قائلاً: "أعطِ النجاح اليوم لعبدك وامنحه رحمة أمام هذا الرجل (أي الملك)." (نحميا 11:1) من يقرأ سفر نحميا يجد أنه كان حقًا رجل الإيمان، ورجل الإيمان هو رجل الصلاة. وفي هذا درس نافع ومهم لكل من يريد أن يخدم الرب. والآن سنشير إلى صفتين اتصف بهما رجل الإيمان نحميا بن حكليا.

 

أولًا، الصمود – أي الاستمرار في الخدمة رغم كل العقبات

 كان هدفه إعادة بناء سور أورشليم وتجديد المدينة. فاستهزأ به الأعداء، سنبلّط الحوروني وطوبيا العبد العمّوني وجشم العربي. فكان جوابه: "إن إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبني." (انظر نحميا 19:2-20) وهم لم يستهزئوا به فقط، بل تآمروا هم وآخرون على أن يحاربوا أورشليم ويسببوا له ضررًا. لذلك نراه مرة أخرى يقول: "فصلينا إلى إلهنا وأقمنا حراسًا ضدهم نهارًا وليلاً." وفي مرة أخرى حاولوا أن يخيفوه لكي يختبئ في الهيكل (الذي لم يكن مسموحًا دخوله إلا للكهنة) فرفض رفضًا باتًا. وفي مرة أخرى حاولوا تعطيل العمل فأجابهم قائلاً: إني أنا عامل عملاً عظيمًا فلا أقدر أن أنزل. لماذا يبطل العمل بينما أتركه وأنزل إليكما؟" (نحميا 3:6) وفي هذا درس ثمين لكل من يريد أن يكون مثمرًا في عمل الرب. فلا يسمح لأعداء الرب أن يعطلوا عمله. كتب الرسول بولس للمؤمنين في كولوسي قائلاً: "قولوا لأرخبّس: انظر إلى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تتممها." (كولوسي 17:4) بل كان بولس نفسه مثالاً نافعًا بهذا الخصوص، كما قال في أعمال 24:20 "ولكنني لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله." وبلا شك، أعظم مثال في هذا هو الرب يسوع نفسه الذي قال لتلاميذه: "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله." (يوحنا 34:4) بل قال للآب: "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته." (يوحنا 4:17)

 

ثانيا، القناعة والاستعداد للتضحية بحقوقه

وهذا مدوّن لنا في نحميا 14:5-19. كان لنحميا الحق في مكافآت مالية إحداها تسمّى "خبز الوالي" بالإضافة إلى 40 شاقلاً من الفضة، كما كان يفعل الولاة الذين كانوا قبله. أما هو فلم يفعل هكذا "من أجل خوف الله." (عددي 14 و15) وهذا هو ما يوصي به الكتاب المقدس في العهد الجديد بخصوص خدام الرب – أي ألا يكون هدفهم هدفًا ماديًا. كان الرسول بولس مثالاً في ذلك، كما أوصى تيموثاوس أن يكون الراعي غير محب للمال ولا طامعًا في الربح القبيح (1تيموثاوس 3:3). وكذلك الرسول بطرس في رسالته الأولى 2:5-3 "ارعوا رعية الله التي بينكم نظارًا، لا عن اضطرار بل بالاختيار، ولا لربح قبيح بل بنشاط."

تعليق: كتب الرسول بولس بوحي إلهي إلى تيموثاوس قائلاً: "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً، متأهبًا لكل عمل صالح." (2تيموثاوس 16:3-17) وعبارة "كل الكتاب" تشمل العهد القديم بأسفاره الـ 39. ولكن للأسف، كثيرون من أولاد الله الأعزاء يهملون أسفارًا بجملتها من العهد القديم، وبذلك يحرمون أنفسهم من فوائد كثيرة وثمينة "لأن كل ما سبق فكُتب كُتب لأجل تعليمنا، حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء." (رومية 4:15)

وأخيرًا، كلمة لخدام الرب المسؤولين عن الرعية: ليتهم يهتمون بتدريس وشرح الكتاب المقدس، وتشجيع المؤمنين على دراسة كلام الله.

المجموعة: آب (أغسطس) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

204 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10475844