Voice of Preaching the Gospel

vopg

السماء مكان حقيقي، فيه سيتمّم الله برنامجه للإنسان، وفيه سيمسح كل دمعة من العيون، وفيه سنسمع أناشيد المفديين. غير أن الشيطان يجهد في حجب جمال هذا المكان عن عيوننا، وأن يغرينا بمباهج الأرض الفانية.

في غمرة موجة الشقاء التي تجتاح العالم اليوم، يمتلئ عقل الإنسان المفكر بأسئلة عديدة، فيخلو إلى نفسه متسائلاً: هل خلق الله الإنسان لهذا الشقاء الأليم؟ هل غرض الله في حياة الإنسان أن يولد ويتعذّب ويموت؟ أما من نهاية لهذه الحروب وهذه الدماء، وهذه الدموع؟
إننا نرى في كل بيت مأساة، وفي كل قلب معركة حامية الوطيس. هنا مأساة أم فقدت ولدها العزيز الغالي، وهنا مأساة زوجة ضاع أملها الوحيد في الحياة، وهناك مأساة رجل شيخ حطمته السنون، فقد ثروته، وولده، وصحته، وفي كل ركن من أركان الأرض ترى الدموع المترقرقة في العيون وتحسّ على قسمات الوجوه آلام القلوب التي حطمتها الأحزان.
ويقينًا إن هذا ليس غرض الله في خلقه الإنسان، فلا بد من وجود مكان يعوّض الله فيه البشر عن آلامهم، وتجاربهم، وحرمانهم... مكان لا يسمع فيه صوت بكاء... مكان ليس فيه حزن، ولا صراخ، ولا وجع... مكان قد خلا تمامًا من المرض والحزن والموت. فأين هو ذلك المكان؟
في الأصحاحات الأخيرة من سفر الرؤيا يكشف لنا يوحنا النقاب عن هذا المكان الجميل، فتعال معي لنجول في أرجائه الفسيحة، ونرى ما فيه من مجد وبهاء.

أشياء لن توجد في السماء

ادخل معي إلى هذا المكان البهيج، ها هو يوحنا يصفه لنا بقلمه الملهم قائلاً: "ثم رأيت سماء جديدة وأرضًا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا والبحر لا يوجد في ما بعد. وأنا يوحنّا رأيْت الْمدينة الْمقدّسة أورشليم الْجديدة نازلةً من السّماء منْ عنْد الله مهيّأةً كعروسٍ مزيّنةٍ لرجلها. وسمعْت صوْتًا عظيمًا من السّماء قائلاً: "هوذا مسْكن الله مع النّاس، وهو سيسْكن معهمْ، وهمْ يكونون له شعْبًا، والله نفْسه يكون معهمْ إلهًا لهمْ." (رؤيا 1:21-3)
أرض جديدة... وسماء جديدة... وتتميّز الأرض الجديدة بأن البحر لا يوجد فيها. والبحر رمز الفراق والانفصال... فالأرض الجديدة هي مكان اللقاء الأبدي بين الأحياء... اللقاء الذي لا يعقبه فراق. هناك ستلاقي الأم التقية ولدها المؤمن، والأخ المؤمن صديقه الذي قضى معه ساعات طويلة في الشركة مع الله. هناك تحتضن الأم من جديد طفلها الذي فارقها وهو ما زال في المهد، وترى البنت أمها في لقاء لا فراق بعده.
وفي هذه الأرض الجديدة، مدينة مقدسة ستكون هي موضع سكنى الله مع الناس، فالله الذي لم يره أحد قط سيرينا ذاته -جلّ وعلا- يوم تصبح لنا القدرة على أن نراه ونعيش.
وهناك في تلك المدينة الذهبية "سيمسح الله كل دمعة من عيون المفديين،" - والدموع لها حساب عند الله - ولذا فإن داود يقول لله: "اجعل أنت دموعي في زقك، أما هي في سفرك." (مزمور 8:56) فالدموع التي نذرفها في آلامنا، ونذرفها على مصير الخطاة، ونسكبها عندما يتحطم القلب، هذه الدموع موضوعة في زق خاص، ومكتوبة في سفر الله، وهناك في المدينة الأبدية سيمسح الله كل دمعة من عيوننا.
وتعال معي لنبحث عن أشياء كثيرة... ثق أننا لن نجدها في السماء، ومهما بحثت وفتشت ودخلت إلى أعماق سرائر الناس فلن تجد هذه الأشياء التي ذكرها يوحنا: "والْموْت لا يكون في ما بعْد، ولا يكون حزْنٌ ولا صراخٌ ولا وجعٌ في ما بعْد، لأنّ الأمور الأولى قدْ مضتْ. وقال الْجالس على الْعرْش: ها أنا أصْنع كلّ شيْءٍ جديدًا!" (رؤيا 4:21-5) "ولا تكون لعنة ما في ما بعد... ولا يكون ليل هناك." (رؤيا 3:22 و5) فالمدينة الأبدية ستخلو من الموت، ولن ترى قبورًا على تلالها البهية، والحزن لن يكون هناك، والصراخ لن يسمع في أرجائها، والوجع سيكون شيئًا بعيدًا عن سكانها، والله، واللعنة لن توجد فيها... وظلمة الليل لن تكتنفها... مبارك اسم الرب إلى الأبد.
هل تبحث عن مستشفى في السماء؟ ليس هناك مستشفيات لأنه "لا يقول ساكن: أنا مرضت."
هل تفتش عن إنسان حزين؟ لس في السماء حزانى على الإطلاق.
هل تبحث عن شخص متوجع من الألم؟ لا وجع هناك فيما بعد!
هل تنصت لتسمع أنين نفس أحرقها الحرمان، وأضناها الحزن؟ ليس هناك أنين!
هل تخشى ظلمة الليل؟ ثق يا أخي أن الليل لن يكون هناك.

أشخاص لن يوجدوا في السماء

والآن تعال بنا نبحث عن بعض أشخاص في السماء! إنك تسأل: هل يوجد في السماء قاتل، أو خائف، أو رجس، أو عابدٌ للأوثان، أو ساحر، أو مثير فتنة؟ إن واحدًا من هؤلاء لن يوجد في السماء قط، واسمع ماذا يقول يوحنا: "وأمّا الْخائفون وغيْر الْمؤْمنين والرّجسون والْقاتلون والزّناة والسّحرة وعبدة الأوْثان وجميع الْكذبة، فنصيبهمْ في الْبحيْرة الْمتّقدة بنارٍ وكبْريتٍ، الّذي هو الْموْت الثّاني." (رؤيا 8:21) "لأنّ خارجًا الْكلاب والسّحرة والزّناة والْقتلة وعبدة الأوْثان، وكلّ منْ يحبّ ويصْنع كذبًا." (رؤيا 15:22) ولأن هؤلاء الأشرار غير موجودين في السماء، فلن تجد هناك مركزًا للبوليس، ولا سجناء لكاسري القانون، ولا سيارة لبوليس النجدة، ولن تسمع بالحوادث المفجعة، حوادث السطو، والقتل، والتهريب، والتعذيب، والخيانة... إن السماء ستكون خالية تمامًا من المذكورين في هذه القائمة السوداء.

حاول أن تتخيـل

والآن حاول أن تتخيّل مدينة الله، هذه المدينة التي سمع عنها رجال الإيمان العظام، ففضلوا أن يعيشوا في الخيام، لأنهم كانوا ينتظرون وطنًا أفضل أي سماويًا... ولذا يقول عنهم كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لذلك لا يسْتحي بهم الله أنْ يدْعى إلههمْ، لأنّه أعدّ لهمْ مدينةً." ولكن أي مدينة تلك؟ إنها "المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله."
حاول الآن أن ترسم صورة لهذه المدينة في ذهنك وأنت تقرأ وصفها الرائع العجيب الذي سجله يوحنا في سفر الرؤيا "والْمدينة كانتْ موْضوعةً مربّعةً، طولها بقدْر الْعرْض. فقاس الْمدينة بالْقصبة مسافة اثْنيْ عشر ألْف غلْوةٍ. الطّول والْعرْض والارْتفاع متساويةٌ (ومعنى هذا أنها مدينة كاملة من كل وجه وفي كل قياس). وقاس سورها: مئةً وأرْبعًا وأرْبعين ذراعًا، ذراع إنْسانٍ أي الْملاك. وكان بناء سورها منْ يشْبٍ، والْمدينة ذهبٌ نقيٌّ شبْه زجاجٍ نقيٍّ."
والآن تصوّر هذا السور العجيب من يشب، وتصوّر مدينة من ذهب نقي شبه زجاج نقي. إن عيون المفديين سيبهرها هذا الجمال، وهذا المجد!
لكن تعال وتقدّم معي لترى أكثر. "وأساسات سور المدينة مزينة بكل حجر كريم. الأساس الأول يشب. الثّاني ياقوتٌ أزْرق. الثّالث عقيقٌ أبْيض. الرّابع زمرّدٌ ذبابيٌّ. الْخامس جزعٌ عقيقيٌّ. السّادس عقيقٌ أحْمر. السّابع زبرْجدٌ. الثّامن زمرّدٌ سلْقيٌّ. التّاسع ياقوتٌ أصْفر. الْعاشر عقيقٌ أخْضر. الْحادي عشر أسْمانْجونيٌّ. الثّاني عشر جمشْتٌ."
أسمعت عن أساسات من هذا الطراز؟ إن أعظم العمارات مبنية على أساسات من الأحجار والإسمنت، ولكن مدينة الله التي لها الأساسات مبنية على جواهر كريمة! فلا غبار، ولا تراب، ولا أقذار.
لكن ما شكل أبوابها؟ اسمع كلمات يوحنا الحبيب "وكان لها اثْنا عشر بابًا... والاثْنا عشر بابًا اثْنتا عشرة لؤْلؤةً، كلّ واحدٍ من الأبْواب كان منْ لؤْلؤةٍ واحدةٍ." أبواب من اللآلئ! أي جمال؟! أي روعة؟! أي إعجاز في الفن؟! إن القلب يحس بأن الألفاظ البشرية أعجز من أن تعبّر عن الحقيقة.
وتعال معي الآن لنمضي إلى "سوق المدينة؟ لنرى من أي مادة رصفت شوارع ميادينها الفسيحة الضخمة. يقول يوحنا: "وسوق الْمدينة ذهبٌ نقيٌّ كزجاجٍ شفّافٍ." الذهب الذي من أجله يتقاتل البشر ويذهب الناس إلى القضاء، ويباع الشرف رخيصًا، وتنحني جباه الرجال... هذا الذهب سيكون موطئًا لأقدام المفديين!
وفي هذه المدينة الجميلة الهادئة لا خوف من سرقة، أو اعتداء، أو فوضى. وأصغ إلى يوحنا وهو يصل إلى قمة الأسلوب الأدبي الرفيع فيقول: "وأبوابها لن تغلق نهارًا لأن ليلاً لا يكون هناك."
فهل هذه الصورة حقيقة أكيدة أم مجرد خيال عابر؟ اسمع كلمة الرب: "وقال لي: اكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة." (رؤيا 5:21) فكل حرف في هذا الوصف البديع الرائع سوف يتحقق في القريب، والحياة الأبدية حقيقة لا شك فيها، فإذا كنا نحن البشر نهدف إلى تحقيق غاية ما في كل عمل من أعمالنا، فيقينًا أن الله حين خلق الإنسان البشري كان يهدف إلى سعادته التي سيحققها له في الأبدية السعيدة.

ما هو عمل المفديين؟

ليس في مقدورنا أن نعرف على التحقيق نوع العمل الذي سنعمله في المدينة الذهبية، لكننا نعرف أنه "ما لمْ تر عيْنٌ، ولمْ تسْمعْ أذنٌ، ولمْ يخْطرْ على بال إنْسانٍ: ما أعدّه الله للّذين يحبّونه." ولا جدال في أننا سنستعيد ذكرياتنا عن الأرض، والبئر التي ملأناها بدموعنا سنستقي منها ماء فرحنا، وعلى قدر آلامنا ستكون تعزيتنا... وسنعرف هناك أسرار الحياة، سر الألم! وسر الخطية، وسر تجارب أولاد الله! "فإنّنا ننْظر الآن في مرْآةٍ، في لغْزٍ، لكنْ حينئذٍ وجْهًا لوجْهٍ. الآن أعْرف بعْض الْمعْرفة، لكنْ حينئذٍ سأعْرف كما عرفْت." (1كورنثوس 12:13) ويقينًا أننا سنقوم بخدمة رائعة "وعبيده يخدمونه." أية خدمة تلك التي سنؤديها لله؟ لا أحد يدري! إن قدراتنا ستتسع، ومعرفتنا ستزداد، وعقولنا المحدودة الإدراك ستتفتّح لتفهم أعمق الأسرار، والمعرفة تنير الوجه، وتجعل الإنسان سعيدًا، وفي ظلال الأبدية سنعمل عملاً عظيمًا لله.
فهل يمكن أن تنسيك مباهج الأرض الفانية هذا الجمال الباقي؟ وهل يمكن أن تلهيك ملذات الحياة الوقتية عن مجد الحياة الأبدية؟ وهل يمكن أن تحجب دموع آلام الزمان الحاضر المجد العتيد أن يستعلن فينا؟
كلما قصد الشيطان أن يلهيك بمباهجك بالأرض، أو يحجب مناظر السماء عن عينيك بالدموع، أسرع إلى رؤيا يوحنا واقرأ الأوصاف الرائعة فينسبي قلبك وتنسى آلامك وأحزانك.

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

585 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577969