Voice of Preaching the Gospel

vopg

في كلّ ثانية يولد أربعة أطفال، وفي كل يوم يولد ثلاثمئة وسبعون ألف طفل حول العالم، بحسب بعض الإحصائيات على الإنترنيت بين سنتي 2011 و2014. وطبقًا لعادات معظم البلدان والشعوب، يقوم الوالدان اللّذان ينتظران مولودًا جديدًا بالتحضيرات اللازمة، على مرّ الأشهر التسعة لمجيء هذا الطفل وانضمامه إلى العائلة السعيدة. وترافق حدث ولادة طفلٍ في العالم الاحتفالات والاستقبالات وتعمّ الأفراح والأهازيج، وتزغرد النساء في بعض البلدان ويقدّمون الحلوى المختلفة تعبيرًا عن فرحتهم بولادة إنسانٍ في العالم.


لكن، تبقى كلّ هذه التحضيرات والاحتفالات في ميلاد طفلٍ أو طفلة محصورة في عالمنا وكرتنا الأرضية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، ليس إلاّ. لكنْ أن تشترك السماء نفسها في زفّ بشرى ولادة طفلٍ في عالم البشر فهذا أمرٌ لا سابقة له حقًا وفعلًا! وأن تتمّ البشرى عن طريق ملاكٍ أرسل من قبل الله، خالق هذا الكون الفسيح، إلى مدينة في الجليل اسمها ناصرة، في فلسطين، وإلى فتاةٍ عذراء مخطوبةٍ لرجلٍ اسمه يوسف، فهذا أمرٌ يثير الانتباه ويلفت الأنظار ويطلق العنان للتفكير العميق لأنه لم يكنْ له مثيلٌ قط في تاريخ البشرية.
ليس هذا فحسب، بل وفي الوقت المعين في تقويم السماء، أتى الملاك المرسل ليقول للعذراء مريم: "سلام لك أيتّها المنعم عليها! الرب معك. مباركة أنت في النساء." فلمّا رأته مريم خافت وارتبكت. عندئذٍ قال لها الملاك كلمات تهدّئ من روعها، وتخفّف من اضطرابها: "لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدت نعمةً عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمّينه يسوع. هذا يكون عظيمًا، وابن العليّ يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية." فقالت مريم للملاك متسائلةً عن هذا الأمر الذي بدا شبه مستحيل من منظور البشر: "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا؟" فأجاب الملاك وقال لها: "الروح القدس يحلّ عليك، وقوة العلي تظللك، لذلك فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله. وهوذا أليصابات نسيبتك هي أيضًا حبلى بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرًا، لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله." إزاء هذه البشرى السارة لم تستطع مريم إلاّ أن تخضع لمشيئة الله تعالى، وتذعن إرادتها لإرادة خالق السماء والأرض وحده القادر على كل شيء، فنسمع ردّها بهذه الكلمات معبّرة من خلاله عن تسليمها لمشيئة السماء: "هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك." (لوقا 26:1-38)
إزاء هذه البشارة الملائكية السماوية التي خصّها بها الله، إذ اصطفاها من بين بقية الفتيات جميعًا آنذاك، بماذا في وسع مريم أن تجيب بغير ما قالته؟! ثمّ لم ينته الأمر هنا، بل كان هذا كلّه بداية الطريق في رحلة حياتها الجديدة المليئة بالمفاجآت. ولم تمض أيامٌ قليلة حتى لم يبق أمر مريم العذراء سرًّا مكتومًا، بل أعلنت السماء حقيقة وهوية هذا الطفل لأليصابات قريبة مريم إذ امتلأت بالروح القدس حال وصول مريم إليها، فهتفت تقول: "مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك! فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ؟!" وهنا ما كان من مريم العذراء إلا أن بدأت تنشد أعذب الأناشيد معبّرة عن ابتهاجها وفرحتها الكبرى التي طالما فاقت الأهازيج والزغردات المعتادة، فقالت بلسانٍ سماوي: "تعظّم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى اتضاع أمته. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوّبني، لأن القدير صنع بي عظائم، واسمه قدوس..." (لوقا 42:2 و47–49)
أما الخطيب يوسف الذي لم ينم ليله كلّه من كثرة التفكير كي يصل إلى طريقةٍ لحلّ رباطه من مريم التي أصبحت حبلى بطفلٍ قبل أن يجتمعا، أزمع على التخلّي عنها وإبقاء الأمر سرًّا. لكنّ السماء لم تتركْه لأحاسيسه ومشاعره وشكوكه العديدة، بل أرسلت السماء ملاكًا له في الحلم، قائلًا له: "يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم." ولما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ امرأـته. ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع (متى 20:1-21)
وحين تمّت أيام مريم لتلد وضعت الابن الموعود به من السماء تمامًا كما قيل لها. لكنّ الملك الموعود لم يولد في قصر الملوك، بل في حظيرةٍ للغنم والبقر هناك في بيت لحم المتواضعة مدينة داود النبي التي ذهب إليها يوسف مع خطيبته مريم لكي يتمّم اكتتاب العائلة بحسب أمر أغسطس قيصر الرومان آنذاك. ومرة أخرى أنبأت السماء عن ولادة الطفل يسوع ليس للملوك والرؤساء والسلاطين بل أرسلت الملاك إلى مجموعة من الرعاة البسطاء والمتبدّين هناك على التلال المحيطة ببيت لحم، لتعلن لهم عن الحدث المميّز. وإزاء الضوء الباهر والمجد السماوي الساطع، خاف الرعاة خوفًا عظيمًا. فقال لهم الملاك: "لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة: تجدون طفلًا مقمطًا مضجعًا في مذود." وللحال ظهر معه مجموعة من الملائكة يسبحون الله ويقولون: "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة." (لوقا 8:2-14)
انبهر الرعاة من هذه البشارة العجيبة وذهبوا على الفور إلى بيت لحم ليتأكدوا من الخبر السار، وهناك رأوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في المذود تمامًا كما قال لهم الملاك. فسرّوا للغاية وأخبروا بما شاهدوه من مشهدٍ بديع حين ظهرت الملائكة وأنشدت نشيدًا عذبًا ممجّدين فيه إله السماء في الأعالي، وعلى الأرض منبئين بالسلام بين الناس مبشّرين بالسرور والفرح العميميْن.
لم تتوقف بشائر السماء لسكان الأرض عند الرعاة فحسب، بل شملت أيضًا أناسًا من المجوس مقيمين هناك في الشرق البعيد. أجل فلقد رأى هؤلاء العلماء نجمًا لامعًا هناك في قبة السماء، فعلموا للحال مغزاه وقالوا بعضهم لبعض هذا النجم اللامع يشير إلى ولادة ملك عظيم. وللحال قرّروا زيارة هذا الملك أينما كان. فشدّوا الرّحال قاصدين أورشليم ليفتشوا عنه هناك في القصر الملكي. ولمّا وصلوا بعد عناء سفر طويل دام أكثر من سنة ونصف، سألوا عن الصبي، فقيل لهم يومها كلّا بل إنّه يولد في بيت لحم اليهودية. أما الملك هيرودس فخاف على عرشه خوفًا شديدًا، وطلب من هؤلاء المجوس أن يذهبوا إلى بيت لحم ويتحققوا من الأمر ويعودوا بالتالي إليه ليخبروه بما رأوا. فخرجوا وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدّمهم فتبعوه إلى أن توقّف فوق المكان حيث كان الصبي. وعندما دخلوا البيت أخذوا بمرأى الصبي العجيب، فسجدوا لشخصه، وقدّموا له من هداياهم ذهبًا يليق بالملوك، ولبانًا أي بخّورًا رمزًا للكهنوت، ومرًّا إشارةً لتحنيط الأجساد. ومرةً أخرى تدخّلت السماء فأوحت إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس الملك المخادع، الذي خاف على مركزه وصولجانه، فانصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم. (متى 1:2-12)
ثم حريٌّ بنا أن نذكّر بسمعان الشيخ، هذا الرجل التقي الذي كان ينتظر تعزية شعبه، والذي أوحي إليه أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب، هذا أيضًا هتف بالروح القدسيّ السماويّ العلويّ حين رأى يسوع الطفل بين يدي أبويه يوسف ومريم وهما يدخلان الهيكل في أورشليم إذ قدما إلى هناك ليقدّموه للرب، هتف وقال بفرح وابتهاج: الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك، الذي أعددته قدّام جميع الشعوب. نور إعلان للأمم، ومجدًا لشعبك..." (لوقا 25:2-32)
والآن، يا قارئي وإزاء كلّ ما قرأت عن أحداثٍ مرافقة للحدث الأساسي، ولادة الطفل يسوع، ماذا تقول أنت في يسوع؟ بالتأكيد، إنه ينفرد عن سائر البشر والأنبياء. هو الفريد المميّز، الذي طالما تنبّأت عنه الأنبياء في الكتب المقدسة، وبوحيٍ من الروح القدس، وفي ملء الزمان، اكتملت هذه النبوءات عن طريق إعلانات السماء لسكان الأرض بالحدث العجيب، الذي غيّر مجرى تاريخ الإنسان وأعلن خطة الله بالفداء ولإنقاذ أهل الأرض من شقاء الابتعاد عن خالقهم. نعم، من هو يسوع بالنسبة لك شخصيًا؟ هل ما زلت حائرًا في هويّته، وحقيقته؟ وهل لا زلت تحتفل بميلاده عن طريق تقديم الهدايا للآخرين متمتعًا بالزينة والأضواء المزركشة؟ أي تحتفل بمظاهر الميلاد وليس بجوهره؟ وتتجاهل تميّز هذا الطفل هدية السماء إلى سكان الأرض؟ هل أدركت كنهه وعرفت أصله السماوي الإلهي المختلف عن باقي البشر والأنبياء أجمعين؟ إنه رسالة السماء إلينا، فهل نرحب به ونفتح قلوبنا لاستقباله ليكون الملك والربّ والمخلّص المنقذ الوحيد؟! هذا فعلًا حدث لا سابق له في تاريخ البشرية.

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

411 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577118