يتعامل الله مع البشر بطرق وأنواع كثيرة تختلف بحسب اللغة التي يفهمها كل شخص. عندما أراد الله أن يعلن للرعاة نبأ الميلاد أرسل لهم ملاكًا ليبشرهم. وعندما أراد أن يعلن الأمر نفسه للمجوس، أرسل لهم نجمًا. الرعاة يفهمون جيدًا أن الله كان يرسل ملائكة للذين يريد أن يرسل لهم رسالة، والمجوس المتخصصون في الفلك أرسل لهم نجمًا ظهر فجأة، فهموا منه أن شخصًا عظيمًا قد ولد. ولو حدث العكس، أي أن الله أرسل نجمًا للرعاة وملاكًا للمجوس لما فهم أي منهم شيئًا.
رأى المجوس نجمًا، وفهموا بأنه نجم ملك عظيم. قالوا في أنفسهم: لا بدّ أنه ولد في أورشليم. فقاموا بدورهم وذهبوا إلى هناك يتساءلون: أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا قد رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له. وصل مضمون هذا السؤال إلى هيرودس فعرف أنه خاص بالمسيح، فأرسل إلى رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم: أين يولد المسيح؟ فقالوا له: في بيت لحم اليهودية. فاستدعى المجوس سرًا وأخبرهم إن المولود هو في بيت لحم. وقال لهم: اذهبوا وفتشوا بالتدقيق عن الصبي ومتى وجدتموه أخبروني لكي آتي أنا أيضًا وأسجد له. فخرجوا وذهبوا في طريقهم إلى بيت لحم، وإذا بالنجم الذي رأوه يتقدّمهم. وكم كان فرحهم عظيمًا! وقف النجم واستقرّ على البيت الذي كان فيه الصبي. دخلوا البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه، فسجدوا له وفتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا، ذهبًا ولبانًا ومرًّا. وللفائدة نتأمل في:
أولاً: هامات سجدت
يقول الكتاب المقدس: ورأوا الصبي مع أمه. من المعتاد أن يقال ورأوا الأم والصبي في حضنها، ولكن ذكر الصبي قبل الأم يرينا أن هذا المولود أعظم من كل بني البشر! ولما رأوا الصبي، يقول الكتاب المقدس: وسجدوا له (وليس لهما). إن السجود يجب أن يكون للرب يسوع وحده دون سواه. اندهشت كثيرًا لأنهم سجدوا لهذا الصبي، ولم يسجدوا للملك هيرودس! ولكن زالت دهشتي عندما راجعت ما قيل عن هذا الصبي لأمه مريم عن طريق الملاك: "الروح القدس يحلّ عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله." سجدوا له – ليس سجود الإكرام والاحترام فقط بل سجود العبادة. وهل يوجد من يستحق سجودنا وعبادتنا غير الرب يسوع؟ لقد سجدوا سجودًا حقيقيًا لا سجودًا صوريًا. سجودًا بالروح والحق. يقول الرب يسوع: "تأْتي ساعةٌ، وهي الآن، حين السّاجدون الْحقيقيّون يسْجدون للآب بالرّوح والْحقّ، لأنّ الآب طالبٌ مثْل هؤلاء السّاجدين له. الله روحٌ. والّذين يسْجدون له فبالرّوح والْحقّ ينْبغي أنْ يسْجدوا." يقول المرنم المختبر:
ما أحلى السجود أمامك أنشد بالعود لجلالك
مما لا شك فيه أن المجوس شعروا ووثقوا بأن هذا الصبي ليس عاديًا – أيقنوا أنه الله الذي تجسّد – "عظيم هو سرّ التقوى: الله ظهر في الجسد." "والكلمة صار جسدًا وحلّ بيننان ورأينا مجده، مجدًا كما لوحيد من الآب، مملوءًا نعمة وحقًا."
ثانيًا: كنوز فتحت
هذه الكنوز كانت تفتح للعظماء الذين يستحقون أن تقدّم لهم. إن هيرودس بالرغم من مكانته وعظمته إلا أنه لم يكن مستحقًا لأن تفتح له. لكنها فتحت للذي قال عنه الوحي المقدس: "إذْ كان في صورة الله، لمْ يحْسبْ خلْسةً أنْ يكون معادلاً لله. لكنّه أخْلى نفْسه، آخذًا صورة عبْدٍ، صائرًا في شبْه النّاس. وإذْ وجد في الْهيْئة كإنْسانٍ، وضع نفْسه وأطاع حتّى الْموْت موْت الصّليب."
لا ينبغي أن نفتح كنوز قلوبنا إلا للرب يسوع فقط ليحلّ فيها. "يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طريقي." "هنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي."
من المؤسف حقًا أن هناك أناس يفتحون كنوز قلوبهم لمن لا يستحقّ. يفتحون قلوبهم لكل ما هبّ ودبّ. ولكن إذا فتحنا كنوز قلوبنا ليدخل الرب فيها سيسعدها وينيرها ويفرحها ويملأها بنعمته.
لنفتح كنوز عقولنا لننشغل في التفكير فيه وحده. لنفتح كنوز عيوننا فلا تقع عيوننا إلا على مرآه.
لنفتح كنوز آذاننا لنسمع لصوته فقط. لنفتح كنوز أفواهنا فلا تترنّم ولا تتغنّى لغيره. لنفتح كنوز أجسادنا لتصير هيكلاً مقدّسًا له.
ثالثًا: هدايا قدّمت
سجدوا لهذا الصبي ولم يقدموا له عبادة مجانية! وصف أحدهم العبادة المجانية بأنها لا قيمة لها. لقد قدّم المجوس الكثير والكثير جدًا. ضحّوا بأوقاتهم وتركوا تخصصاتهم، وتحمّلوا عناء السفر. ضحّوا بمجهوداتهم التي بذلوها، وتحمّلوا شمس النهار وبرد الليل. واجهوا مخاطر كثيرة جدًا. كان من الممكن أن يكتفوا بهذه، لكن الكتاب يقول: "فتحوا كنوزهمْ وقدّموا له هدايا: ذهبًا ولبانًا ومرًّا."
قدّموا الذهب للمسيح الملك، تفسير وليم ماكدونالدقدموا اللبان للمسيح الكاهن، قدموا المر للمسيح النبي.
الذهب رمز المجد والبهاء، واللبان رمز الكهنوت، والمر رمز الآلام التي سيقاسيها.
أختم بالقول، لولا هذ التقدمات لما استطاع يوسف ومريم أن يهربا بالرب يسوع إلى مصر. لا يجب أن نقدّم للرب عبادة مجانية. الناس مستعدة أن تفعل أي شيء ما عدا التضحيات المادية.
آمن أحد الأشخاص وجاء الوقت ليعتمد. فأخرج المحفظة من جيبه وأمسكها بيده عاليًا حتى لا تلحق بها مياه المعمودية. ولكن الشخص الذي كان يعمده قال: يجب أن تعتمد المحفظة أيضًا ليتكرّس كل ما فيها للرب.
قدّم المجوس هداياهم للصبي بسرور. والمعطي المسرور يحبه الرب!