نقرأ في الكتاب المقدس: "بهذا أُظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به." (1يوحنا 9:4) نجد في هذا العدد عدة أهداف تحققت في مجيء الرب يسوع:
1- الهدف الأول في قول الكتاب: "أُظهرت محبة الله فينا."
2- والهدف الثاني: "لكي نحيا به."
3- وفي عدد 10 يقول: "وأرسل ابنه كفارة لخطايانا." وهذا هو السبب الثالث.
4- وفي عدد 14 يقول: "إن الآب قد أرسل الابن مخلّصًا للعالم." وهذا هو الهدف الرابع.
أي أن هناك أربعة أسباب تحققت في مجيئه، وهي: محبة الله لنا، لكي نحيا به، وأرسل ابنه ليكون كفارة لخطايانا، وليكون مخلّصًا للعالم.
قبل أن نتكلم عن هذه الأسباب دعونا نبحث في شيء يتعلّق بالرب يسوع نفسه. من هو مسيّا الذي يُقال له المسيح؟
في عدد 9 من 1يوحنا 4 يقول: "إن الله قد أرسل ابنه الوحيد."
وفي عدد 10 يقول: "وأرسل ابنه كفارة لخطايانا."
وفي عدد 14 يقول: "إن الآب قد أرسل الابن مخلصًا للعالم."
لاحظوا أن يوحنا يقول: ابنه الوحيد، ثم ابنه، ثم الابن.
ففي هذه الآيات الثلاثة يصف يسوع بأنه الابن، والابن الوحيد. ثم كلمة الابن هنا لا ينبغي أن تنقل إلى الأذهان معنى التناسل، ولا حتى معنى أسبقية الآب للابن.
هذه معاني بشرية يمكن أن يستغلها غير المسيحيين في اتهامات باطلة. المسيحية تقول بأن الله روح. أما معنى الأسبقية، فقد يوحى به أن الابن يأتي من الآب. إذًا فالآب وُجد قبل الابن. وهذا أيضًا يعطي مفهومًا خاطئًا بأن الله الابن وُجد بعد الله الآب. ولكن، دعونا نتذكر بأن الإنسان قبل أن يكون له ابن فهو ليس أبًا.
إن الأبوّة والبنوّة تنشآن من منطلق واحد وفي لحظة واحدة. فإذا كان الله الآب موجودًا منذ الأزل، فالله الابن ينبغي أن يكون موجودًا منذ الأزل.
إذًا فكلمتَي الآب والابن هنا لا تعنيان تناسلاً، ولا تعنيان أسبقية أو تبعية.
هنا يحضرنا سؤال: إن كانت البنوّة لا تعني أيًا من هذين المعنيين (الأسبقية أو التناسل) فماذا تعني إذًا؟
إن كلمة "الابن" تعني في الحقيقة معاني جميلة كثيرة. إنها تعني المساواة الكاملة بين الآب والابن. "فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضًا إن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله." (يوحنا 18:5)
وعند محاكمة المسيح أمام بيلاطس قال اليهود: "لنا ناموس، وحسب ناموسنا يجب أن يموت، لأنه جعل نفسه ابن الله."
فحين جعل نفسه ابن الله كان يعلن أنه معادل لله، وأنه هو والآب واحد. فكلمة ابن تعني المساواة الكاملة بين المسيح والله الآب. وهذه هي الحقيقة.
وكلمة الابن تعني محبة وعلاقة مميّزة فريدة. "لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم." (يوحنا 24:17) والمحبة الفريدة ليست إلا للابن. فقد وُصف والمسيح بأنه ابن محبة الآب (كولوسي 13:1).
وكلمة الابن تنقل معنى التماثل الكامل. قال المسيح في يوحنا 9:14 "الذي رآني فقد رأى الآب." إن الابن هو صورة الآب. وفي إنجيل يوحنا 18:1 نقرأ القول: "الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر."
ثم كلمة الابن تحمل أيضًا معنى التمثيل الرسمي للآب. في عبرانيين 1:1-3 يقول الكتاب: "الله بعد ما كلّم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثًا لكل شيء الذي به عمل العالمين."
إذًا، الابن هو الممثل الرسمي للآب. لاحظوا حرفَي الجرّ في كلمة "بالأنبياء"، و"في ابنه". ففي الأولى، حرف الجرّ وهو الباء، وتعني بالرسل أو بواسطتهم. أما الحرف "في" الذي جاء في الثانية، فيعني بالممثل الرسمي أو بالممثل الشخصي البديل عن الأصل. فالمسيح، الله الابن، كان هو الممثل الرسمي لله الآب، ولم يكن مجرد إنسان مرسلًا من قِبل الله الآب.
من قراءتنا في 1يوحنا 4 وجدنا أربعة أسباب تحققت بمجيء يسوع المسيح إلى العالم:
1- جاء يسوع ليعلن محبة الله لنا وفينا: يقول يوحنا في رسالته: "بهذا أُظهرت محبة الله فينا."
إذا نظرنا إلى العالم من حولنا في أجياله المتعاقبة لوجدنا فيه من الكوارث الطبيعية كالبراكين، والزلازل، والأعاصير، ثم الجفاف، والتصحّر، وما تسببه من دمار.
ولو نظرنا إلى تصرفات الإنسان من مخاصمات ومنازعات وحروب وما تسببه من دمار وخراب وهلاك لكان هناك ما يقلق بالنا من جهة محبة الله لنا. وقبل أن نسترسل في هذا الفكر، دعونا نبحث في مفهوم الناس للإله:
في مختلف العصور، حين تصوّر الناس الله، عبدوه في آلهة وثن كثيرة لا نجد من بينها إلهًا يُظهر بأن الله محبة! نجد إلهًا للجمال، وآخر للقوة، وثالثًا للحب والجنس، لكننا لا نجد من بينها إلهًا للمحبة. وذلك لأن الناس لم يستطيعوا أن يعرفوا طبيعة الله الحقيقية.
المسيح وحده هو الذي استطاع أن يعلن أن الله محبة. ولأن الله محبة، فقد أعطى الإنسان الحرية، حرية الفكر، وحرية الاختيار.
هل نستطيع أن نشير إلى أي مصلحٍ أو نبيٍّ ونقول: إن فلانًا هذا يعلن لنا أن الله محبة؟
في محبتنا لأهلنا ولأقربائنا وللآخرين من حولنا، غالبًا ما نحب الشخص الذي نحسّ بجاذبيةٍ نحوه، وبمن يستحق محبتنا. لكن المسيح أعلن لنا أن الله محبة. ومحبته طبيعية، وهي التي دفعته ليحبنا قبل أن نحبه، وظلّ يحبنا بلا غرض أو سبب. يحبنا فضلاً. بل وظلّ يحبنا حتى بعد سقوطنا لأن حبه هو في طبيعته.
2- "لكي نحيا به"
الله أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به؛ لأننا نحن بغيره أموات.
لقد انفصلنا عن مصدر الحياة الذي هو الله بسبب خطايانا. ولكن في ابنه نجد الحياة الأبدية. لم تكن الأبدية مجرد صفة لطول الحياة. ولكنها تعني غنى هذه الحياة. تعني عمقها وسموّها. الله وحده هو الأبدي. والحياة الأبدية هي حياة الله فينا.
الله أرسل ابنه لنحيا به. "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكيلا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية."
3- "أرسل ابنه كفارة لخطايانا"
بدأ يوم الكفارة بعد أن مات ابنَي هارون. عندما اقترب ابنا هارون أمام الرب في الأقداس وماتا، قدّم الله هذه الوصية وقال لموسى: "كلّم هارون أخاك أن لا يدخل كل وقت إلى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت، لأني في السحاب أتراءى على الغطاء." (لاويين 2:16) أي من يقترب منه باستحقاق نفسه يموت موتًا لا شكّ فيه، حتى هارون. لكنه يقترب بعد أن يقدم ذبيحة عن نفسه وعن أهله، وعن الشعب، ثم يطلق البخور.
في قدس الأقداس هناك تابوت العهد، وفي التابوت يوجد لوحا الشريعة. ويغطّى هذا التابوت بغطاء. وعلى الغطاء الكروبيم.
كان لوحا الشريعة يطالبان بأجرة الخطية، أي بموت الإنسان الخاطئ، لأن الإنسان كسر الشريعة والناموس. والكروبيم هو الذي وقف على طريق شجرة الحياة بسيف متقلّب يمنع رجوع الإنسان إلى هذه الشجرة. لكن الكفارة تغطي هذا الغطاء، أي تخفي لوحَي الشريعة والكروبيم. وكأنها تغطي مطاليب الناموس، وتغطي كل ما يمنع الإنسان من أن يرجع إلى الحياة.
لقد قدّم يسوع المسيح نفسه كفارة مرة واحدة. وهي كافية لأن تردّ المجد والكرامة للآب. وكافية لتمحو وتغفر كل خطية وإلى الأبد. في عبرانيين 26:9 يقول الكتاب: "ولكنه الآن أُظهر مرة عند انقضاء الدهور." وفي (10:10) "نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة."
وفي عبرانيين 12:10 "فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة، جلس إلى الأبد عن يمين الله." ونقرأ أيضًا: "بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبديًا." وفي 1بطرس 18:3 "فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة." إذًا كفارته قد غفرت كل خطية لكل من يؤمن به.
4- "إن الآب قد أرسل الابن مخلّصًا للعالم." إن كان المسيح قد جاءنا كفارة فليس هذا كل عمله. فقد جاءنا مخلصًا. والخلاص يردّ لنا الشركة مع الآب. الخلاص يبررنا، ثم هو يقدسناـ ويضيف على حياتنا عمقًا وغنى وانتصارًا.
ثم هذا الخلاص يشمل أيضًا أجسادنا لتأخذ شكل جسد مجده. الله المحب - بلا غرض وبلا استحقاق فينا – أظهر محبة لنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا لكي يخلصنا ويجعلنا شركاء له في المجد لنحيا به حياة أبدية، وحياة مجيدة ومقدسة.