Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور صموئيل عبد الشهيدماذا لو هبّ نوء رهيب على باخرة تمخر عباب المحيط؟
ماذا لو ضربت زوبعة حيًّا من الأحياء في بلدة ما؟
ماذا لو انفجر صاروخ في أثناء حرب أهلية في بناية عامرة بسكانها؟
ماذا لو...؟
ويمكننا أن نطرح مثل هذه التساؤلات عما يمكن أن يحلّ بنا من ويلات ومصائب وكوارث الطبيعة أو ما يجترحه الإنسان من دمارٍ وشرٍّ بغض النظر عن الدواعي العادلة وغير العادلة. ونحاول في معظم الأحيان أن نبحث عن أجوبة، أو تعليلات تتّسم بالعقل والمنطق، وقلّما نعثر عليها إلا على ندرة فيخالجنا الشعور بالخيبة والمرارة.

وفي هذا المقال أودّ أن ألقي سؤالاً لعلّه يجعلنا نقف أمام أنفسنا التي نحاول أن نقنّعها بكثير من الحجب خشية مجابهة الحقيقة الأليمة التي يمكن أن تثير الرعب في القلوب والنفوس. وملخّص هذا السؤال هو: ماذا لو حاسبنا الله، نحن البشر، وفقًا لعدالته وبرّه؟
نحن نعلم أن الله السرمدي بذاته هو سرمديّ أيضًا بصفاته، ولن يطرأ عليها أي تحوّل في الجوهر والصيرورة. لذلك عندما نهى الله آدم وحواء عن الأكل من شجرة المعرفة، أردفها بتحذير ملزم غير قابل للتغيير: "وأوصى الرب الإله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أُكلاً، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت." (تكوين 16:2-17)
لقد توافر لآدم في الجنة كل ما تتوق إليه نفسه، ولم يتركه الله وحيدًا يعيش في وحشة وفراغ، بل خلق له حواء لتكون له معينًا. ولكن أبوينا الأولين نقضا أول تشريع عرفته البشرية وعصيا ربهما إذ أكلا من شجرة معرفة الخير والشر. فكان لا بدّ آنئذ أن ُينزل بهما عقاب العدل الإلهي.
وهكذا بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وحُقّت معها دينونة الله التي تجسدت في الموت الروحي لأن الخطيئة أصبحت فاصلة بين الإنسان والله، وأيضًا بالموت الجسدي، الأمر الذي لم يشرّعه الله قبل السقوط.
ويقول الوحي في العهد الجديد أن "أجرة الخطيئة هي موت." وهنا نرى استمرارية العدالة الإلهية لأن الخطيئة هي ضدّ المشيئة الإلهية. ثم ما لبثت أن ظهرت العدالة الإلهية في كارثة الطوفان في أيام نوح من جرَّاء استشراء إثم الناس لأن شريعة الله لا تُنسخ. غير أننا نرى في هذه الحادثة وجهًا آخر من ذات الله إذ أنه برحمته أتاح للبشرية فرصة مئة وعشرين سنة لكي تتوب وترجع إليه، ولكن الطبيعة الساقطة أبت أن تنصاع إلى دعوة الله وتنكّرت لرحمته ومحبته فظلّت تتمرّغ في حمأة الإثم مما أدّى إلى فناء بني آدم باستثناء نوح وأسرته.
ونشهد في قصة تاريخ معاملات الله مع بني إسرائيل هذين الوجهين من عدالته ورحمته إلى أن بلغ شرّ هذا الشعب حدًّا أصبحت معه دينونة الله محتّمة فعوقب بكافة طبقاته بالسبي طيلة المدّة التي نصّت عليها أحكامه.
ولا يمكننا أن نتجاهل أيضًا قصة سدوم وعمورة اللتين طاول فسادهما وشرّهما عنان السماء، فدمّرهما الله تدميرًا وقضى على كل نفس حية فيهما.
إن عدالة الله هي جزء لا يتجزّأ من علاقة الله مع الإنسان. نقرأ في سفر التكوين 19:18 على لسان الرب الإله في حديثه عن إبراهيم: "... لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب، ليعملوا برًّا وعدلاً." وهذه أول مرة ترد فيها كلمة العدل في الكتاب المقدس. وفي الآية 25 من نفس الأصحاح يخاطب إبراهيم الله متسائلاً: "أديّان كل الأرض لا يصنع عدلاً؟" ويرد في تثنية 4:32 عن الله "إن جميع سبله عدل؛ وهو يقضي للمسكونة بالعدل." (مزمور 8:9)؛ ويحبّ العدل (مزمور 7:11)؛ و"الرب مجري العدل والقضاء." (مزمور 6:103)؛ و"أجريت حكمًا وعدلاً." (مزمور 121:119 و138 و142 و172) وفي سفر الرؤيا 11:19 "وبالعدل يحكم ويحارب."
ولكن ماذا لو توقّف موقف الله من الإنسان عند حدّ الحساب والدينونة؟ ماذا يحدث لهذا المخلوق الذي بَرَأه الله على صورته ومثاله؟ إلى أين يؤول مصيره؟
إن الحقيقة الصارخة التي يعرب عنها الكتاب المقدس بعهديه أن إله العدالة والدينونة هو أيضًا إله الرحمة والمغفرة والمحبة. ولكن، كيف يمكن أن يوفّق الله بين هذه الأضداد؟
من الجليّ أن الله لا يمكن أن يناقض ذاته ولا يسمح لصفاته أن تتضارب إذ لا يمكن لله أبدًا أن يتخلّى عن عدله من ناحية، كما لا يمكن أن يتجرّد عن رحمته ومحبته من ناحية أخرى، وإلا يكون قد خلق الإنسان عبثًا على صورته ومثاله. وموت الإنسان الروحي والجسدي لم يكن قط في القصد الإلهي، غير أن الله في خلقه آدم وحواء وذريتهما لم يستهدف صنع حجارة شطرنج ليلهو بها، لأنه سعى أن تكون له علاقة مع الإنسان إعرابًا عن وجوده فلا يظلّ هذا الوجود خفيًّا في الأزل. غير أن الإنسان بجهله، وتمرّده شوّه القصد من وجوده على الأرض. ولكنه لم يستطع أن يشوّه محبة الله للإنسان. وهنا نجد فيما ورد في يوحنا 16:3 أروع ما عبّر عنه الوحي الإلهي عن الحلّ لمشكلة العدالة والمحبة التي أسفرت عن أكبر عملية إنقاذ في التاريخ البشري:
"لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية." (يوحنا 16:3)
هذا اللقاء التاريخي ما بين العدالة والمحبة، بين الدينونة والرحمة في شخص المسيح الذي تحمّل عنا العقاب فأرضى مطاليب العدالة، وجسّد عظم محبة الله الشاملة إذ أطاع حتى الموت موت الصليب، هو محور الخليقة بكاملها.
فماذا يحدث للخليقة التي، أنا وأنت جزء منها، لو لم يتحقق الفداء؟
ماذا لو بقي سيف العدالة مسلّطًا فوق رؤوسنا من غير أيّ رجاء في النجاة؟
ماذا لو...؟

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

509 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10474382