Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخت أدما حبيبي"خسرتُ كلَّ شيء ولم يبقَ على جسمي سوى السِّروال (البنطالون) والقميص حتى أن ما كنت ألبسه في قدميَّ ضاعَ مني في مياه البحر مع كلِّ شيءٍ آخر. لكن أين أنا الآن؟ أنا هنا في (ريو دي جانيرو) لأبيِّنَ للعالم أجمع من خلال أدائي في السباحة، بأنَّ ما بعدَ العاصفة والأوقات العصيبة لا بدَّ أن يعودَ السكون والهدوء... والآن حين أكون تحت الماء، لا يوجد أيُّ فرق بين سوري وألماني، بين لاجئ ومقيم، الجميع واحد تحت الماء يتنافسون من أجل هدفٍ واحد ألا وهو الحصول على الميدالية."

هذه هي يُسرى مارديني الصبيةُ السوريةُ الفتيّة، بطلةُ السباحة التي لجأَتْ وذويها إلى خارجِ الوطن هروبًا من واقع الحرب الأليمة. وهناكَ في عرضِ البحر تعرَّض قاربُها إلى التوقُّف بسبب عطلٍ في المحرك وابتدأ في الغرق. إلا أنَّها وبفعلِ جرأتها النادرة حثَّت برفقة والدها بطل السباحة، كلَّ مَنْ في القارب على العمل معًا لجرِّه إلى الشاطئ حتى وصلوا بعد ثلاث ساعات من السباحة المضنية والمخاطر الجمَّة. وفي المقابلة التي أجراها معها الصحفيون هناك في بداية الألعاب الأولمبية في البرازيل، وعرَضها التلفزيون في برلين- ألمانيا حيث آلَ بها المطاف، وشاهد الفيديو على صفحة التواصل الاجتماعي أكثر من مليون شخص يومَها، أشادَ مدرّبُها الألماني الذي ضمَّها إلى فريق اللاجئين من كلّ العالم، أشاد بها وبحماسها وحبِّها للحياة والرياضة، حتى إنه قال عنها: لقد غيَّرتْ يُسرى حياتي أنا فعلًا. وأنا فخور بها جدًا.
وهذا بالضبط ما كتبتُه أنا أيضًا على صفحتي حين شاركت بالفيديو وقلتُ تحت عنوان: كم أنا فخورة ببنت بلدي يُسرى التي استطاعتْ وبالرَّغم من كلِّ التحديات والصعوبات، أن تتخطّى الظروفَ القاهرة، وتصل إلى الأولمبياد بهذه الروح المرحة، وبهذا الأمل في الفوز ونوال الميدالية أيًّا كانت.
والآن، فكيف نحكم على الحياة، أصدقائي؟ أنحكُم عليها من خلال ظرفٍ واحد معيّن مررْنا به؟ أم تجربةٍ صعبة أرهَقتْ كاهلنا؟ أم فقدانِ عزيزٍ علينا؟ أو تمرّدِ أحد أولادنا علينا؟ أم من خلال مأزقٍ ألمَّ بنا أو خسارةٍ مالية كبيرة أنهكَتْنا؟ أم مرضٍ اعترانا وتمكّن منا؟ وأم، وأم! الحياة فصولٌ عديدة فيها من المرِّ والحلو، من الصَّعب والسَّهل، من الكسْب والخسارة، من الألم والأمل، من الفقر والبحبوحة، وهكذا دوالَيْك... أليس كذلك؟ فبأيِّ منظارٍ ننظرُ إلى الحياة؟ وبأيِّ معيارٍ نقيّمُها؟ وعلى أيِّ أساسٍ نتصرّف إزاء المُلمَّات والأزمات؟


YusraMardini
يُحكى عن رجلٍ شيخ كان له أربعةُ أولاد. أراد هذا الشيخُ أن يلقِّنَ أولاده درسًا في الحياة وفي عدم التسرُّع في الحكم على الأشياء من جانبٍ واحد. وهكذا طلبَ من كلِّ أولاده أن يذهبَ كلٌّ بدوره إلى شجرة الإجاص التي كانت تبعدُ مسافة بعيدة عنه ويعودوا ليُخبروه عمَّا شاهدوا فيها. فذهب الابنُ الأول في فصل الشتاء، بينما ذهب الثاني من أولاده في فصل الربيع، وأما الثالث فذهب في فصل الصيف، وأصغر أولاده الرابع ذهب في فصل الخريف. وحين أتمُّوا المهمّة طلب الشيخُ من أولاده الأربعة أن يصِفوا له ما رأوه في الشجرة. فقال الابنُ الأول: إنَّ شجرةَ الإجاص هذه منحنيةُ الأغصان وملتفَّةُ الفروع ولم تكن جميلةَ المنظر أبدًا. أما الابن الثاني فقال: بل شجرة الإجاص كانت أغصانُها تزدانُ بالخُضرة والحيوية. أما الابن الثالث فقال: لا بل إنَّها كانت ممتلئة بالزهور التي تعبق بالعطر الفواح وهو أجمل منظر رأيته في حياتي. وهنا أتى دور الابن الأصغر فقال: كلَّا، بل كانت الشجرة مليئةً بالثمار الناضجة الشهية، التي تعبِّر عن الحياة المعطاءة دائمًا.
وهنا ما كان من الشيخ الوالد إلاَّ أنْ قال لهم بأنَّهم كلَّهم على حق، لأنَّ كلَّ واحد منهم رأى الشجرة في فصلٍ مختلف عن الآخر. وعليه فلا يمكن للشخص أن يحكُم على شجرة أو شخصٍ ما من خلال فصلٍ واحد. بل إن جوهر الأشياء أو الأشخاص وماهيَّتهم، والفرح، والسعادة، والمحبة التي يمكن أن تسفر عنها، لا يجوز أن تقاس إلاَّ عند النهاية. أي حين تكتملُ كلُّ الفصول. فإذا شعرت بالإحباط في شتاء حياتك، فسُرعان ما تخسر مواعيدَ فصل الربيع، وجمالَ فصل الصيف وكذلك تحقُّقَ كلِّ ما يمكن أن تصبو إليه في فصل الخريف.
بالضبط تمامًا، لا يمكننا أن نحكم على حياتنا أو نقيِّمها من خلال فصل واحد نجتاز به. وكذلك أيضًا لا يمكننا أن ندعَ ألمَ فصلٍ واحد أو فترة زمنية من حياتنا تسلُب منا فرح الفصول القادمة أو المراحل المقبلة. أليس كذلك؟
مررتُ مؤخرًا أنا وزوجي بمحنةٍ مرَضيَّة ألمَّت بنا فجأة. أصيب زوجي شكري بالتهابٍ في الجيوب الأنفية، ممَّا أدى إلى حدوث نزيف في الأنف. وحين ذهب إلى العيادة للمعاينة، وبعد عدة أسئلة عن الموضوع، طلبَ زوجي من الطبيب أن يُجري له فحصًا للدم لكي يطمئن من عدم نقصان الكريات الحمراء بسبب النزيف. لكنْ ما كان من الطبيب إلاَّ أن أمرَ له بإجراء فحصٍ عام للدم لطالما أنَّ موعد الفحص السنوي قد اقترب. وهذا بالضبط ما فعل. وبعد رجوعه من المختبر فوجئنا باتصال الطبيب به والطلب إليه أن يذهب للحال إلى غرفة الطوارئ في المستشفى بسبب أنَّ فحص الدم أظهر بأنَّ الكلى ستتوقف عن العمل في أية لحظة، لأن الكرياتينين Creatinine الذي يُظهر وظيفة الكلى وعملها، قد ارتفع جدًا لديه حتى وصل إلى (5,6). أما معدَّله الطبيعي فهو بين (1 - 1,5). وحين أبدى زوجي استغرابه من الموضوع لعدم وجود أعراضٍ مميزة وواضحة كما وصفها الطبيب، أمرَ الطبيب بإعادة الفحص بعد الظهر خوفًا من أن يكون المختبر قد ارتكب خطأ. وفي صباح اليوم التالي اتصل الطبيب وحثَّ زوجي على الذهاب فورًا إلى الطوارئ لأنَّ الكرياتينين قد وصل إلى 5,7. جهزنا أنفسنا بسرعة البرق وتركنا المنزل متوجهين إلى المستشفى. وما أن وصلنا إلى غرفة الطوارئ حتى أُدخلَ زوجي على جناح السرعة حيث أُجريت له الفحوصات الفورية، وتأكد الطبيب المناوب بأنَّ الكلى تعرَّضت للخطر الشديد بالفعل بسبب تراكم السوائل وتراجُعها إليها من جرّاء انسدادٍ حاصل. وللحال أمر بإجراء عملية شطفٍ سريع للكلى عن طريق حقنة بالمصل في الوريد. وقضينا هناك خمسة أيام متواصلة في المستشفى للتأكد من عودة الكلى إلى عملها شبه الطبيعي وزوال الخطر عنها. والآن نحن في المرحلة الثانية من علاج المسبب في كلِّ ما حدث.
محنةٌ صعبةٌ، صعبة! اجتزنا فيها لمدة ثلاثة أشهر وأكثر. وما أستطيع قوله الآن حين أقيِّم ما حصل معنا، هو أنَّ عيني الرب القدير كانت ساهرة، ساهرة! وأنَّ يده الحانية كانت ممتدة، ممتدة! وأنَّ رحمته كانت شاملة، شاملة! ونعمته العظيمة كانت متفاضلة جدًا! حتى عندما لم نشعر نحن بالخطر المحدِق بنا فإنَّ عين الرب ساهرةٌ علينا ترعانا وتحفظنا في كل فصلٍ أليم نجتازه من فصول حياتنا. وغدَتْ كلمات المزمور المئة والحادي والعشرين حيةً من جديد في حياتي. وشكرتُ الرب الذي من عنده يأتي عوني، ورددت مع صاحب المزمور وقلت: "أرفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني. معونتي من عند الرب صانع السماوات والأرض. لا يدع رجلك تزل، لا ينعس حافظك. إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل (أي أولاده من كل الشعوب). الرب حافظك. الرب ظلٌّ لك عن يدك اليمنى. لا تضربك الشمس في النهار ولا القمر في الليل. الرب يحفظك من كل شر يحفظ نفسك. الرب يحفظ خروجك ودخولك من الآن وإلى الدهر."
أجل إنَّ تقييمنا للحياة يأتي من خلال تقييمنا لكلِّ فصولها الحلوة منها والمرّة. ولا يكتمل تقييمُنا هذا إلا حين نتمتَّع فعلًا بشركة وعلاقة حية يومية مع الله الآب من خلال الرب يسوع المسيح ابن الله الحي الذي أتى إلى عالمنا لكي يصالحنا معه ويتمّم الصلح بنفسه على الصليب. وهكذا يمهِّد لنا الطريق كيما نتواصل مع الله الآب أبينا السماوي ونحظى بعمق الشركة معه. عندها لا تقيَّم الحياة من خلال نُصرةٍ مؤقتة هنا، أو فرْحةٍ عابرة هناك، بل تقيَّم في أحلك الساعات والفصول كما في أطيب الأوقات إذ ترافقنا يدُ الآب القوية ورحمتُه الغنية ونعمته المتفاضلة كيما تمنحَنا زخمًا جديدًا في الحياة وقوةً للاستمرار مصدرُها روحه القدوس الساكن فينا الذي يرشدنا ويعزينا ويقوينا ويشدّدنا تمامًا كما وعد الرب يسوع تلاميذه حين قال لهم: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد... وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلِّمكم كل شيء ويذكّركم بكل ما قلته لكم." (يوحنا 16:14 و26)
وتبقى كلمات السيد، له المجد، تتردَّد في الآذان ليسمعَها كلُّ من له أذنان للسمع هذه التي تقول: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر." فهل هناك من وعدٍ أجمل لا بل أروع من هذا يرافق كلَّ مَن يثق بكلمته ويؤمن بها ويسلِّم حياته بين يديه ويرتمي في حضنه؟

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

222 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10555009