Voice of Preaching the Gospel

vopg

القس يعقوب عماريتنهي هذه الوصية عن الكذب بكل أنواعه، الأبيض، والأسود، والأخضر، والكذب في شهر نيسان وحزيران وعلى مدار العام.
هناك تشكيلات وأنواع واسعة من الأكاذيب المتداولة، يستسهل البعض استخدامها بحججٍ وتبريرات كما يروق لهم، لكنها تخالف وصية ربانية لها قدسيّتها كغيرها من الوصايا العشر، فالذي قال: "لا تزن "، قال أيضًا: "لا تكذب."


والمبررات التي يطرحها العامة لترويج هذه الثقافة المتدنية، مبررات خادعة مصدرها عدوّ الخير الذي يعمل في الخفاء على مدار الساعة لتعويد الناس على الاستهانة بأقوال الله، ومسخ انتمائهم لخالقٍ قدوس لا يرضى بالكذب أيًّا كان السبب!
اعتاد البعض على أن يكذب ويصلي، يكذب ويصوم، يكذب ويتعبّد لله، دون أن يعي أنه كاسرٌ لوصيةٍ نطق بها العليّ.
وتستمر ثقافة الكذب بتصاعد مستمرّ دون حساب، الأب يكذب على ابنه، والابن يكذب على أبيه. والزوج على زوجته والزوجة على زوجها، والأم على ابنتها والابنة على أمّها، وكذلك الموظف والمدير والتاجر والشاري. الكل يعيش في أجواءٍ من النفاق والتحايل، ويتّخذون من الكذب دروعًا واقية لحيلهم. والبعض يبالغ في استعمال القسم للتمويه على ما يطرح من أكاذيب!
قالت السكرتيرة لمديرها: "السيد عاصم على الخط يريد التحدث إليك." فأشار إليها بيده أن تقول إنه غير موجود، لكنها كمؤمنة لم تفعل، وأنهت المكالمة بأسلوبٍ مهذّب، وفي اليوم التالي غيّر من طبيعة وظيفتها ليأتي بأخرى تكذب.
لا يليق الكذب بالشرفاء، فكم بالحري بمن ينتمي لله. فهؤلاء لا يكذبون، سمات إلههم تظهر بصدق تعاملهم مع الغير، قال فيهم يسوع: "أنتم ملح الأرض. بدونكم تخلو الأرض من ملوحتها. أنتم نور العالم، من دونكم العتمة تغطّي الأرض." وقال: "فليضئ نوركم هكذا قدّام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات." (متى 16:5)
في جلسة مع صديق لاحظت عليه شيئًا من الانزعاج، فسألته: "ما بك؟" قال: "لي مبلغ مستحق على أحدهم. حاولت الاتصال به على هاتفه الخلوي عدة مرات في جلسة واحدة، ولا من مجيب، فاستعرت فورًا هاتف صديق كان بجانبي واتّصلت بالرقم نفسه، فردّ عليّ ذاك وفوجئ أني أنا هو فتلعثم وأحْرج!" هذا واحد من أساليب الكذب والتحايل يتكرر مع كثيرين.
وذات مرة، زار راعي الكنيسة إحدى العائلات، وأثناء تجاذب الحديث دخل عليهم صبيّ صغير وطلب من أبيه المنشار، فردّ عليه أبوه بقسم أنه لا يعرف مكانه. وبعد دقائق عاد الصبي وكرّر الطلب، وسمع الجواب نفسه. ثم دخلت أمّ الصبي لتقدّم القهوة للضيف فقال والد الصبي لزوجته: "ابنك طلب المنشار ولم أعطه. ها المنشار في المكان الفلاني، اخفيه عنه!" فقال الراعي للأب: "كذبت على ابنك، وواضح أنه لم يقبل جوابك فكرّر الطلب مرتين! أهذا أسلوب لتربية أولادنا على الصدق والأمانة؟!"
تضع كلمة الله في سفر الرؤيا مصير الكذبة مع الزناة والسحرة وعبدة الأوثان فتقول: "... غير المؤمنين والرّجسون والقاتلون والزناة والسّحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت." (رؤيا 8:21)
يستغرب البعض من أن يحْسب الكذبة مع مثل هذه الزمرة من القتلة والزناة والسحرة، على اعتبار أن الكذب أذاه قليل، وينسى هؤلاء أن الحكم عند الله ليس بقدر الأذى الذي يصيب الآخر بل بسبب كسر وصية نطق بها الله، وأن قدسية الله لا تساوم في الحق ولا تحابي في الوجوه، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها: حين أخطأ آدم أول خلائقه من البشر طرده من الجنة (التكوين 2 و3).
وحين أخطأ موسى كليمه، لم يؤذ أحدًا، إذْ ضرب الصخرة لتخْرج ماء، بدل أن يكلّم الصخرة كما أمره الرب، فحرم من دخول أرض الموعد، التي انتظرها منذ أربعين عامًا! (العدد 20) وحين أخطأ يونان (يونس) نبيّ الله أدّبه الرب فبلعه الحوت وقذفه إلى الشاطئ (يونان 1-3). فالأنبياء يخطئون ويؤدّبون! وحين أخطأ داود مختاره، حرمه من امتياز بناء بيت الله، الهيكل (1أخبار 22). وحين أخطأ بطرس رسوله وكذب أمام الجارية، أنّبه فخرج بطرس خارجًا وبكى بكاءً مرًّا (متى 69:26-75).
هذا قليل من كثير ممّا سجّله الوحي ليذكّر من يهمّه الأمر، بأن قدسية الله لا تساوم ولا تهادن ولا تستثني أحدًا بأن يكون فوق القانون، فما يزرعه الإنسان سيظهر في النور، ويحصد ثمار ما زرع. ومن أمانة الكتاب المقدس وعصمته أنه ذكر حتى أخطاء الأنبياء إذ لا عصمة لغير الله.
ولأن الله صادق أمين، فهو بجلاله يريد لمن ينتمي إليه أن يعيش حياة الصدق والأمانة. لا تعطي قدسية الله الضوء الأخضر للمؤمنين ليكذبوا كمخْرجٍ من مأزق، أو لمصلحة يرغبونها ولو بحسن نيّة، لأن في ذلك استهانة بمبدأ الله في الصدق والاستقامة، ويسْهم في تدنّي المستوى الأدبي بين خلائقه.
يقول إنجيل الحق: "لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبّخوها. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء." (أفسس 12:5، 15)
ويقول: "لذلك اطرحوا عنكم الكذب، وتكلموا بالصدق... اغضبوا ولا تخطئوا، لا تغرب الشمس على غيظكم، ولا تعطوا إبليس مكانًا. لا تخرج كلمة رديّة من أفواهكم... ليرفعْ من بينكم كلّ مرارة وسخط وغضب وصياحٍ وتجديف مع كل خبث." (أفسس 25:4-31)
استوقفتني كلمات في الأصحاح الثالث والعشرين من سفر الخروج، يقول الله فيها: "لا تقبل خبرًا كاذبًا،" وهذا تأكيد للوصية التي نحن بصددها.
"ولا تضع يدك مع المنافق لتكون شاهد ظلم،" لأنك ستشاركه بذنبه.
"ولا تجبْ في دعوى مائلًا وراء الكثيرين،" أي لا تجاري الغالبية بغير حق فتصبح منافقًا مثلهم.
"ولا تحاب مع المسكين في دعواه،" لأن الله لا يجيز الكذب، ولو كان لغرضٍ إنساني في نصرة مسكين. فرزق المسكين يكفله من يطعم طيور السماء ووحوش الأرض، فلا يتأتّى ذلك بكذبك.
فمع أن الله يوصي بالمسكين والفقير والأرملة واليتيم، لكنه لا يساوم في الحق! بل ويحذّر من الكذب تفاديًا للمحاباة والتحيُّز للمسكين بحجة أن في ذلك مسعى خير. والمتكلم هنا هو إله الكتاب المقدس، عرفناه صادقًا أمينًا، لا يكذب ولا يرضى بالكذب لأتباعه.
ومن الطبيعي أن تشمل هذه الوصية النهي عن شهادة الزور أمام القاضي في المحكمة. فالقاضي إنسان مكلّف من جهة رسمية، ومسؤول أمام الله لإحقاق الحق، واعتماده في ذلك قبل كل شيء على ضميره في تطبيق القانون، ثم على ما يقدّم إليه من بيّنات وشهادة الشهود. وشاهد الزور يأثم فيسهم في تضليل العدالة.
يقول الوحي: "هذه الستة يبغضها الرب، وسبعة هي مكرهته: عيون متعالية، لسان كاذب، أيدٍ سافكة دمًا بريئًا، قلب ينشئ أفكارًا رديئة، أرجلٌ سريعة الجريان إلى السوء، شاهد زور يفوه بالأكاذيب، وزارع خصومات بين إخوة." تمنّى الملك أخآب أن يحارب ملك آرام (الاسم القديم لسوريا) لينتزع منه راموت جلعاد (راموت جلعاد هو الاسم القديم لمدينة الرمثا الواقعة شمال الأردن)، فرغب أخآب أن يستطلع رأي فقهائه وأنبيائه ليفْتوه في هل يقوم بحربه ضد آرام؟ هل ينجح في ما يقدم عليه أم يمتنع؟ فاستدعى عددًا من أصحاب الفتاوى المتزلّفين الذين يحيطون ببعض الحكام لتمرير ما يرغب الحاكم بتحقيقه.
وبدأ هؤلاء بتقديم فتاويهم أمام الملك، وتنبأوا باسم الله بأن النصر حليفه لا محالة. وقام واحد منهم وعمل قرنين من حديد وضعهما على رأسه وقال لأخآب: "بهذه يا سيدي تنطح الآراميين حتى تفنيهم. أفلح لأن الرب سيدفع عدوّك تحت رجليك."
وبقيت حيرة في قلب أخآب، ولمزيدٍ من الاطمئنان أرسل أحد خدامه ليأتي بنبيٍّ آخر لم يكن بين هؤلاء واسمه ميخا، فجاء خادم الملك برفقة ميخا النبي، وبينما هما في الطريق، قال خادم الملك لميخا: "جميع من تنبأوا قبلك قالوا خيرًا للملك بفمٍ واحد! فلتكن فتواك كواحد منهم وتكلم بخير!" (اكذب يا رجل وافتها بالتي هي أحسن!)
لكنّ ميخا هذا كان نبيًّا حقيقيًّا لله، ليس كتلك الزمرة المنافقة ممن يدّعون النبوة ويصدرون الفتاوى تزلّفًا لمرضاة الحاكم. فردّ عليه ميخا بقوله: "حي هو الرب إن ما يقوله لي الرب به أتكلم."
ومثل ميخا أمام الملك فسأله: "هل لديك مشورة بشأن محاربة آرام؟! هل أقدم على الحرب؟!"
فقال ميخا: "قد رأيت كل شعبك مشتّتين على الجبال كخراف لا راعي لها! هوذا قد جعل الرب روح كذب في أفواه أنبيائك الذين أعطوك الأمان، والرب تكلم عليك بشرّ. أما أنت فلن ترجع من الحرب بسلام!"
سمع الملك نبوّة ميخا وانزعج، فأمر عبيده أن يسجنوا ميخا النبي إلى أن يرجع سالمًا بعد الحرب.
فردّ عليه ميخا: "إن رجعت بسلام لا يكون الرب قد تكلم على لساني." ثم اتجه إلى الجموع المحيطة بالملك وقال بالصوت العالي: "اسمعوا هذا أيها الشعب أجمعون! اشهدوا على كلامي في ما قلت!" وخرج ميخا من محضر الملك واقتادوه إلى السجن.
ودخل أخآب المعركة، وفي اليوم الأول منها طار سهمٌ طائشٌ وأصاب أخآب بجرح عميق فانتحوا به في مركبته خارج أرض المعركة، واستمرّ ينزف دمًا إلى أن فارق الحياة، فنقلوه إلى قصره ودفن (1ملوك 22).
وملخّص الحديث هو أن الناس يستسهلون قول الكذب، ويعتادون عليه بيسر، وقد صار جزءًا من حياتهم اليومية دون حرج، حتى وصل بالبعض أن تسْتخدم الفتوى الدينية في الكذب، ممّا يدلّ على تدنّي المستوى الأدبي والديني في مجتمع منافق كذاك.

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2017

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

423 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577128