Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور مفيد إبراهيم سعيدقال الرب يسوع في متى 29:11 "لأني وديع ومتواضع القلب." وقال في يوحنا 23:8 "أما أنا فمن فوق." ولعلّ يبدو أن بين هاتين الكلمتين شيء من التناقض الظاهري، لكنهما تعلنان لنا جانبين من شخصية المسيح.

أتى وديعاً

يقول المسيح عن نفسه: "إني وديع ومتواضع القلب." هل الوداعة وتواضع القلب من الصفات الجميلة؟ قد يتبادر إلى الذهن أن كلمة "وديع" تعني الخنوع والهزيمة والاستسلام، لكنها أبعد ما تكون عن ذلك. فالوداعة لا تعني هذا المعنى إطلاقًا. وهذه الكلمة التي تحدّث بها المسيح عن نفسه هي ذات الكلمة التي تحدث بها عن موسى "كان حليمًا أكثر من كل الناس." ولا يستطيع أحد أن يقول عن موسى إنه كان ضعيفًا خانعًا بل كان قائدًا عظيمًا. فالكلمة "متواضع القلب" تعني عكس الذاتية والأنانية والكبرياء. الوداعة هي صفة العظماء. العظيم لا يحتاج لأن يؤثر فيك ولا يحتاج إلى ما يُظهر عظمته لأنه يعرف أنه عظيم، ولا يفعل ذلك إلا إذا كان يشعر بعقدة النقص في ذاته، فيحاول أن يبرز أمام الآخرين ليظهر نجاحه وذكاءه. وهذا عكس الوداعة وتواضع القلب، فالعظيم حقًا هو الوديع والمتواضع القلب. والوداعة هي صفة الذين يعرفون أنهم أقوياء. لعل هذه الصفة قد فقدت معناها الحقيقي في أذهان الناس فأصبحت تعني الضعف والمهانة. ولكنها أبعد ما تكون عن هذا، إنها صفة الأقوياء والعظماء. نعم، كان يسوع وديعًا، يغسل أرجل التلاميذ. كان يصنع المعجزات ويشفي المرضى ويقول لهم ألاّ يذيعوا هذا السر. ونحن لا نصنع المعجزات لكننا نذيع على الناس أننا نصنعها. حاولت الجموع أن تتوِّجه ملكًا، فهرب منهم بعيدًا... هذه هي الوداعة!
لماذا يقول المسيح عن نفسه "إني وديع ومتواضع القلب؟" لعلّنا نجد السبب في متى 25:11 "في ذلك الوقت أجاب يسوع وقال (أي في الوقت الذي بكّت فيه الخطية وأدانها): إني وديع ومتواضع القلب." لماذا؟ حتى لا يسيء الخطاة فهم قوله، حين بكّت كورزين وكفرناحوم وبيت صيدا بعنف بسبب الخطية، كي لا يعتقد الخطاة أنه يكرههم. حين أعلن الدينونة على هذه البلاد التي أجرى فيها أكثر معجزاته، وحتى لا يظن الناس أنه قاسي القلب ولا يقبل الخطاة، قال: "تعالَوا إليّ يا جميع المتعبين... تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب." إن كنت أدين الخطية فليس معنى هذا أني قاسي القلب وأرفض الخطاة، بل جئت من أجل الخطاة لأطلب وأخلِّص ما قد هلك. إياكم أن تظنوا أن كراهيتي للشيطان والخطية تعني أنني لن أقبلكم. إن المسيح حين قال هذه الكلمات قالها حتى لا يُسيء الناس فهم رسالته، لقد جاء لكي يحطّم الخطية، وجاء أيضًا محبًا للخطاة لكي يطهرهم من كل خطية.
وعندما قال "أيّها الْحيّات أوْلاد الأفاعي! كيْف تهْربون منْ ديْنونة جهنّم؟" (متى 33:23) قد يظن الخطاة أنه لا يقبلهم ولا مكانة لهم عنده. وقد يظن الناس أنه قاسٍ. وحين يقول عن يهوذا "كان خيرًا له لو لم يولد... يمكن أن يسيء الناس فهم هذه الكلمات، لذلك أعلن في الوقت الذي كان يصبّ جام غضبه على الخطية أنه وديع ويقبل الخطاة، بل يدعوهم قائلاً: "تعالوا إليّ وأنا أريحكم" فأنا قد جئت لأجلكم، أنا أكره خطيتكم لكني أبحث عنكم وأحبكم.
وثمة سبب آخر لقوله "احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب": هو يطالبنا أن نحمل الصليب، أن نحمل النير، ولكي نحمله بغير ألم ينبغي أن نكون نحن ودعاء.
حين يضعون النير في المحراث على حيوانين - وحين يكون الحيوان صغيرًا ولم يتعلّم بعد حمل النير، يوضع الجزء الثقيل منه على الحيوان الكبير المتعلّم والمتمرّس.
والمسيح حين يطالبنا أن نحمل نيره، هو سيحمل أثقالنا عنا، سيحمل النير عنا، هو سيحمل الصليب ولكنه يدعونا أن نشارك في حمل النير وهو لا يريدنا أن نتألم، لذلك يطالبنا أن نكون ودعاء وأن نطيعه حيث يقودنا، ولكي نفعل ذلك يقول: "تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب." ينبغي أن تكونوا مثلي.
تعال إليه يا من تعبت من ثقل خطيتك. تعال إليه يا من أتعبك ثقل آلامك ومشاكلك الاقتصادية والعائلية. تعال إليه فهو حمل أوجاعنا وأمراضنا في جسده، وهو وحده الذي يريح التعابى والثقيلي الأحمال.

أنا من فوق

قال يسوع في يوحنا 23:8 "أنتم من أسفل. أما أنا فمن فوق." ليس التواضع أن تنكر ما لديك من إمكانات وصفات. ليس التواضع أن يكون المسيح هو الله وينكر ذلك. ليس التواضع هو تصنّع الوداعة. لكن التواضع أن تُرجِع إلى الله فضل كل ما حباك به من جمال، أو ذكاء، أو صحة، أو مال.
"قال لهمْ يسوع أيْضًا: أنا أمْضي وستطْلبونني، وتموتون في خطيّتكمْ. حيْث أمْضي أنا لا تقْدرون أنْتمْ أنْ تأْتوا. فقال الْيهود: ألعلّه يقْتل نفْسه؟" (يوحنا 21:8-22) والمسيح هنا يتحدث عن الفجوة الروحية التي بينه وبينهم. وكان اعتقادهم: إن كنا لا نستطيع أن نصل إليك فما ذلك إلا لأننا لا نستطيع أن نذهب إلى الجحيم، أنت تنتحر وتذهب إلى الجحيم، لكننا أعظم من أن نذهب إلى الجحيم. إن كنت تقول إننا لم نستطع أن نصل إليك فالسبب في ذلك أننا من فوق وأنت ستذهب إلى الجحيم حين تنتحر، ولكن المسيح قال لهم: "أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق." أنتم من هذا العالم، أنتم أرضيون، أنا من فوق، من السماء، من المجد، أنا الله الذي ظهر في الجسد. وبعد ذلك قال لهم: "إن لم تؤمنوا أني أنا هو تموتون في خطاياكم." إن لم تؤمنوا أني أنا الله تموتون في خطاياكم.
ثم قالوا له: من أنت؟ فقال لهم يسوع: "أنا من البدء ما أكلّمكم أيضًا به." (يوحنا 29:8)
التفسير الأول: أنا ما تعلنه تعاليمي. لقد سبق أن علمتكم وقلت لكم: أنا هو خبز الحياة. أنا هو نور العالم. أنا هو كلمة الله، تعاليمي تعلن حقيقتي.
التفسير الثاني: "أنا من البدء"، وهي ذات الكلمة أنا الله الذي ظهر في الجسد. قد يكون المعنى الأول هو الأقرب في هذا المقام، ولكن المعنى الثاني هو صحيح.
إذًا، ما الذي أتى بك، يا سيد، إلى هذا العالم؟ أنت من فوق. يقول: من أجلك أخلى نفسه، الغني افتقر من أجلنا نحن الفقراء، "الذي لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس." (فيلبي 6:2) في البدء كان الكلمة... الذي من فوق جاء إلى الأرض، العظيم أعلن أنه متواضع ووديع القلب من أجلك لكي يحمل خطيتك، لكي يغفر لك آثامك، لكي يحررك ويعطيك تبريرًا وحياة جديدة، هو أخلى نفسه من أجلك "الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا." فلنستجب لدعوته "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم." (متى 28:11) لنأتِ إليه بالرغم من كل العوائق والمعوقات، لنأتِ إليه بالإيمان، بثقة واطمئنان فنجد فيه الراحة ونجد فيه الأمان والطمأنينة.

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2017

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

112 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10541226