يتكلم العهد الجديد عن الرب يسوع المسيح كالراعي من ثلاث نواح: الماضي والحاضر والمستقبل. في الماضي كالراعي الصالح، في الحاضر كراعي الخراف العظيم، وفي المستقبل كرئيس الرعاة.
يسوع هو الراعي الصالح
قال الرب يسوع: "أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف." (يوحنا 11:10) يا للعجب! الراعي يبذل نفسه لأجل الخراف. نعم، لأن هذه الخراف هي أناس أعزاء، قال عنهم قديمًا: "ولذاتي مع بني آدم." (أمثال 31:8) ألم يقل هذا الراعي لتلاميذه: "كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبتي." (يوحنا 9:15). تأمل في هذا أيها القارئ العزيز لكي يمتلئ قلبك بالفرح، فتحب هذا الراعي الذي بذل نفسه لأجلك. نحن جميعًا كنا خرافًا ضالة، ولكنه "ذهب لأجل الضال حتى يجده." (لوقا 4:15) إلى أين ذهب؟ ذهب إلى الصليب ليبذل نفسه لأجل هذه الخراف. جاء من السماء. أخلى نفسه آخذًا صورة عبد، ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. قال لتلاميذه: "لهذا يحبني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا... هذه الوصية قبلتها من أبي." (اقرأ يوحنا 14:10-18) هذا يقودنا للسجود لهذا الراعي الصالح. كان هذا الهدف أمام الرب يسوع دائمًا. لما تذمر اليهود لأنه دخل بيت زكا رئيس العشارين، قال الرب يسوع: "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك." (لوقا 10:19) ولما تجادل تلاميذه فيما بينهم عمن سيكون الأعظم، قال لهم: "أن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين." (متى 28:20) يسوع هو الراعي الذي استيقظ السيف عليه (انظر زكريا 7:13). إن رغبة قلب فادينا يسوع المسيح هو أن نتذكر دائمًا محبته وموته لأجلنا على الصليب. لذلك أعطانا فريضة العشاء الرباني قائلاً: "اصنعوا هذا لذكري."
إن موت المسيح كالراعي الصالح الذي بذل نفسه لأجل الخراف هو موضوع يتخلل الكتاب المقدس كله، ابتداء من سفر التكوين، إذ نجد إشارات كثيرة إليه، مثل الأقمصة الجلدية في تكوين 3، وذبيحة هابيل التي بها شُهد له أنه بار في تكوين 4 وعبرانيين 11. وفي قول إبراهيم لإسحاق ابنه: "الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني." (تكوين 22) وهكذا إلى سفر الرؤيا حيث نرى الخروف القائم كأنه مذبوح (رؤيا 6:5). وأخيرًا "عرش الله والخروف." (رؤيا 1:22)
يسوع هو راعي الخراف العظيم
"وإله السلام الذي أقام من الأموات راعي الخراف العظيم، ربنا يسوع، بدم العهد الأبدي، ليكمّلكم في كل عمل صالح لتصنعوا مشيئته، عاملاً فيكم ما يرضي أمامه بيسوع المسيح، الذي له المجد إلى أبد الآبدين. آمين." (عبرانيين 20:13-21)
المسيح الذي بذل نفسه لأجلنا لأنه الراعي الصالح الذي أحبنا، هو أيضًا راعي الخراف العظيم الذي يعتني بنا، ويعمل فينا لكي نحيا حياة البر، إذ يعرف ضعفاتنا ونقائصنا فيعيننا ويمنحنا القدرة على كل عمل صالح، وبذلك يكمّلنا لكي نصنع مشيئته. هذا الراعي العظيم يقودنا إلى مراعيه الخضراء، ويروينا بماء الكلمة – الماء الحي الذي يروي عطش نفوسنا. قال للمرأة السامرية: "من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد." (يوحنا 14:4) وهو يقدّم لنا في برية هذه الحياة مائدة بالرغم من مضايقينا. وكما خلصنا من الهلاك الأبدي ومنحنا غفرانًا كاملاً، فهو يخلصنا الآن من سلطة الخطيئة كما جاء في عبرانيين 25:7 "فمن ثمّ يقدر أن يخلص أيضًا إلى التمام الذين يتقدّمون به إلى الله، إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم." هذا يشير إلى رحلتنا نحن المؤمنين ونحن على هذه الأرض. فالرب يسوع المسيح الذي قال إنه الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف (يوحنا 11:10) قال أيضًا في نفس المناسبة: "خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي." (يوحنا 27:10-28) وذلك لأنه راعي الخراف العظيم. ألا يمتلئ قلبك بالفرح إذ تتأمل في هذا الراعي الصالح، راعي الخراف العظيم؟ وتشتاق إلى الحديث معه، عالمًا بكل يقين أنه يحبك ويحب أن يسمع صوتك؟ وبذلك تتغلّب على خداع العدو ومغريات هذا العالم الباطل. قال الرب يسوع في صلاته للآب: "ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم. قدسهم في حقك. كلامك هو حقّ. كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم، ولأجلهم أقدّس (أي أخصّص وأكرّس) أنا ذاتي، لكي يكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق." (يوحنا 16:17-19)
يسوع هو رئيس الرعاة
"أطلب إلى الشيوخ الذين بينكم... ارعوا رعية الله التي بينكم... صائرين أمثلة للرعية. ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى." (1بطرس 1:5-4)
قبل صعود الرب يسوع المسيح إلى السماء أوصى بطرس أن يرعى خرافه، أي المؤمنين به كدليل على محبته للرب يسوع المسيح. وبعد صعود الرب إلى السماء أعطى البعض أن يكونوا رعاة ومعلمين (أفسس 11:4). وفي رسائل الرسول بولس إلى تيموثاوس وتيطس تعاليم كثيرة وتحريضات للرعاة لأن مسؤوليتهم هي مسؤولية خطيرة، وسيعطون عنها حسابًا لرئيس الرعاة، الرب يسوع المسيح، كما أنها امتياز عظيم له مكافآت جليلة. ولا شك أن كل راعٍ أمين يعرف أنه سيعطي حسابًا عن عمله، كما أنه يعلم أنه سينال مكافأة من الرب يسوع نفسه، رئيس الرعاة. فهو لا يحتاج إلى أن يبحث عن مكافأة وهو على هذه الأرض، ولكن سيأتي الوقت الذي فيه سيسمع صوت السيد يقول له: "نِعمًّا أيها العبد الصالح والأمين! كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيدك." (متى 21:25) إن ظهور المسيح في المستقبل القريب هو دافع مشجّع لكل مؤمن، يحفّزه على السلوك الطاهر والخدمة بأمانة. كل واحد منا قد اؤتمن على خدمة أو خدمات معينة في المجال الذي وضعه الرب فيه. وحين يظهر رئيس الرعاة سيمنح التيجان للذين خدموه بأمانة: مهما كان العمل صغيرًا أم كبيرًا. في آخر أصحاح في الكتاب المقدس نسمع رئيس الرعاة، ربنا يسوع المسيح، يقول: "وها أنا آتي سريعًا وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله." (رؤيا 12:22)
ملحوظة ختامية
في مزمور 22 نرى الرب يسوع المسيح كالراعي الصالح، إذ يفتتح بهذه الصرخة المريرة التي تحققت بعد حوالي ألف سنة: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟"
وفي مزمور 23 نراه كراعي الخراف العظيم، الذي يقودنا إلى المراعي الخضراء وإلى مياه الراحة، ويحمينا حتى إذا سرنا في وادي ظلّ الموت.
وفي مزمور 24 نراه آتيًا بمجد. بل هو رب المجد الذي ستنفتح له كل الأبواب التي أغلقها الإنسان بخطاياه، وسيسود على كل العالم كملك الملوك ورب الأرباب. له كل المجد إلى الأبد، آمين.