من أجمل رموز العهد القديم التي تعطينا صورة واضحة عن صليب المسيح هو هذا الرمز الذي استخدمه الرب يسوع في حديثه مع نيقوديموس عندما قال له: "ينبغي أن تولد ثانية." فسأله نيقوديموس: "كيف يكون هذا؟" فأجابه يسوع: "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية." (يوحنا 14:3) لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما هي علاقة الحية النحاسية التي رفعها موسى على عمود خشبي بالولادة الثانية؟
بعد الدراسة وجدت أن هذا الموضوع له علاقة أساسية بالولادة الثانية. لنفترض أن ولدًا لدغته حية في الخيمة فصرخ إلى أمه: "ماما، لقد لدغتني الحية، وها أنا أموت." فتقول له أمّه: "أسرع إلى خارج الخيمة وانظر إلى حية النحاس فتحيا." لاحظ، إنها لم تقل له "فتشفى" بل "فتحيا." لأنه لما لدغته الحية المحرقة كان يُحسب في عداد المائتين، ولكن حالما ينظر إلى حية النحاس تدبّ فيه الحياة الجديدة فيعيش. وهكذا الإنسان عندما يقبل الرب يسوع مخلصًا له وربًا على حياته يصبح خليقة جديدة في المسيح. (2كورنثوس 17:5-26)
لقد تذمر الشعب القديم على الرب وعلى موسى قائلين: "لِمَاذَا أَصْعَدْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟ لأنَّهُ لاَ خُبْزَ وَلاَ مَاءَ، وَقَدْ كَرِهَتْ أَنْفُسُنَا الطَّعَامَ السَّخِيفَ."
لقد قالوا عن المن الذي يرمز إلى الرب يسوع بأنه سخيف، لذلك كان لا بد من الله أن يدينهم، فأرسل لهم الحيات المحرقة فكان كل من لدغته الحية يموت، فمات من الشعب قوم كثيرون. فجاءوا إلى موسى وقالوا: قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك، فصلّ إلى الله لكي يرفع عنا الحيّات. فصلى موسى إلى الرب فقال له الرب: "اصنع لك حية نحاسية وضعها على عمود من خشب فكل من تلدغه الحية وينظر إلى حية النحاس يحيا." (العدد 4:21-9)
لكن، لماذا حية من نحاس وليست حية عادية مثل التي كانت تلدغهم؟
السبب الأول لأن النحاس رمز إلى الدينونة (تثنية 23:28). أوصى الرب موسى أن يصنع مذبحًا من نحاس ليقدّم الخاطئ عليه ذبيحة المحرقة. وكان الله يدين خطية الخاطئ عليه فتأكلها نيران العدالة الإلهية. فبدلًا من أن تنصبّ هذه النيران على الخاطئ وتحرقه كانت تنزل على ذبيحة المحرقة بدلا من على الخاطئ (تثنية 23:28).
مقارنة بين الحية النحاسية والرب يسوع أو
مقارنة بين الحي والحيّة
1- كانت الحية النحاسية شبيهة بالحية المحرقة التي كانت تلدغ الشعب، لكنها لم يكن فيها سمّ. هكذا الرب يسوع الذي أخذ شكل جسدنا، لم يكن فيه خطية. إذ أرسل الله "ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد لكي يتم حكم الناموس فينا." (رومية 3:8) ثم نقرأ: "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي ابليس." (عبرانيين 14:2)
ثم نقرأ أيضًا "الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد... واذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب." (فيلبي 6:2)
2- كانت الحية النحاسية العلاج الوحيد للنجاة من الموت. وهكذا الرب يسوع هو العلاج الوحيد للخلاص من الهلاك. "وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء... به ينبغي أن نخلص." (أعمال 12:4)
3- كان كل من لدغ ونظر إلى حية النحاس يحيا. وكل من آمن بالمسيح ينال الحياة الأبدية. "التفتوا اليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأني أنا الله وليس آخر." (إشعياء 22:45)
4- لا توجد طريقة أخرى نافعة سوى النظر إلى حية النحاس. "اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ." (يوحنا 18:3)
5- الحية النحاسية كانت مرفوعة على راية وهكذا رفع المسيح على الصليب. "وأنا إنِ ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع." (يوحنا 32:12) "ومتى رفعتم ابن الإنسان حينئذ تعلمون اني أنا هو."
6- لقد رفعت الحية النحاسية عاليًا لكي يراها كل إنسان. وهكذا صليب المسيح.
7- كان كل من لدغته الحية يصير تحت حكم الموت المحتم ما لم ينظر إلى الحية النحاسية. وهكذا كل من لا يؤمن بالرب يسوع، لا بد لحكم الموت أن يقع عليه لأن الرب يسوع يقول: "الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ الله." (يوحنا 36:3)
8- كان مصدر علاج من لدغته الحية علاجًا إلهيًّا بحتًا، وكذلك علاج الخاطئ، مصدره إلهي، لا علاقة له بما يعمله الإنسان لنفسه. "لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد."
9- كان علاج من لدغته الحية علاجًا سهل المنال ومجانيًّا في متناول كل من ينظر إلى الحية النحاسية. وهكذا علاج الخطية هو مجاني وفي متناول كل من يؤمن بالمسيح. "لأن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا." "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح."
10- ان أمر شفاء من لدغته الحية هو أمر فردي مرتبط بالشخص نفسه وليس عملًا جماعيًا. "كل من لُدغ ونظر إلى حية النحاس يحيا." وهكذا أيضًا الخلاص بالمسيح هو خلاص فرديّ "لكل من يؤمن بالمسيح.
11- كان الشخص الذي ينظر إلى الحية النحاسية ينال شفاءه حالًا. وهكذا كل من يؤمن بالمسيح ينال خلاصه حالًا. هذا ما حدث فعلًا مع سجان فيلبي عندما سأل بولس وسيلا: "يا سيديّ، ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟ فقالا: آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص." "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت."
12- كانت هناك حية نحاسية واحدة لكل الشعب والرب يسوع هو المخلص الوحيد للعالم كله. "لأنه هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية." (يوحنا 16:3)
13 - كان كل من لدغته الحية ونظر إلى الحية النحاسية ليس فقط يشفى بل يحيا، أي تكون له حياة جديدة. وهكذا كل من يؤمن بالمسيح ينال حياة أبدية جديدة. "الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاة أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ الله." (يوحنا 36:3)
هذا ما أراد الرب يسوع أن يوضّحه لنيقوديموس بأنه "ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية."