من منا لا يعاني بسبب وجودنا وسط أجواء مملوءة بالتلوّث؟
نعاني من التلوث البيئي بسبب الأدخنة والأتربة الرهيبة التي تحيط بنا، مما يؤثّر سلبًا على صحتنا بشكل رهيب. ولا يقف التلوّث عند هذا الحد، بل يمتدّ إلى جوانب الحياة الأخرى؛ فأصبحنا نعاني من نوع آخر من التلوّث أشدّ إيذاءً؛ ألا وهو التلوّث الأخلاقي في المحيط الذي حولنا! وبات هذا التلوث يفرض نفسه علينا، سواءً فيما تسمعه آذاننا في كل مكان، أو ما تقع عليه أبصارنا من مناظر وسلوكيات تؤذي المشاعر وتجرح الأحاسيس. هذه الأمور، بكل أسف، تفسد نقاء القلب وصفاء الذهن وهدوء الأعصاب. وسأقتصر حديثي هنا عن كيفية مواجهتنا للنوع الثاني من التلوّث، وأقصد الأدبي الأخلاقي، وكيف نعيش فضيلة يريدنا الله أن نأخذها منه، ونظهرها وسط هذا الجو الفاسد الخانق، ألا وهي فضيلة النقاوة والطهارة القلبية والسلوكية أيضًا؛ والتي مدح الرب يسوع أصحابها بالقول «طوبى للأنقياء القلب.» (متى 8:5)
ما هي النقاوة الأدبية؟
النقاوة هي خلو قلب الإنسان من نجاسة الخطية، وبصمات العالم الفاسد الشرير، بل هي أيضًا امتلاء الكيان الداخلي بنور سماوي وسمو أدبي؛ فلا يخرج منه إلا كل ما يمجّد الله، وما هو بركة للمحيطين به. النقاء هو قلب يسكنه الروح القدس، وفكر يسوده المسيح، وحياة تشبه ابن الله.
كيفية الحصول عليها؟
هذا المستوى من النقاء الأدبي يستحيل على الإنسان الطبيعي الارتقاء إليه، حيث أن التقرير الإلهي عنه «أنّ كلّ تصوّر أفكار قلبه إنّما هو شرّيرٌ كلّ يومٍ.» (تكوين 5:6) وأيضًا «مكروهٌ وفاسدٌ الإنسان الشّارب الإثم كالماء.» (أيوب 16:15) لذلك يحتاج كيان الإنسان الداخلي إلى عمل إلهي لتنقيته وتطهيره، وهذا لا يعمله إلاّ الله وحده فينا من خلال عدة وسائل إلهية:
أولاً: دم المسيح، «دم المسيح... يطهّر ضمائركم.» (عبرانيين 14:9)
ثانيًا: كلمة الله «أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الّذي كلّمتكم به.» (يوحنا 3:15)
ثالثًا: إمكانيات الله التي يهبها لنا عندما يسكن فينا «كما أنّ قدرته الإلهيّة قد وهبت لنا كلّ ما هو للحياة والتّقوى.» (2بطرس 3:1)
نعم، يمكنك عزيزي أن تحصل على هذا الكيان الداخلي النقي إن اغتسلت بدم المسيح وسكن فيك روحه القدوس. تعال إليه طالبًا منه بصدق «قلبًا نقيًّا اخلق فيّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدّد في داخلي.» (مزمور 10:51)
نتائج وروعة حياة النقاوة
1. رؤية الرب: «طوبى للأنقياء القلب، لأنّهم يعاينون الله.» (متى 8:5)
2. الوجود في حضرة الرب: «من يصعد إلى جبل الرّبّ؟ ومن يقوم في موضع قدسه؟ الطّاهر اليدين، والنّقيّ القلب.» (مزمور 3:24-4)
3. الاستخدام الإلهي: «فإن طهّر أحدٌ نفسه من هذه، يكون إناءً للكرامة، مقدّسًا، نافعًا للسّيّد، مستعدًّا لكلّ عمل صالحٍ.» (2تيموثاوس 21:2)
4. التمتّع بمعيّة الرب: فقديمًا، عندما أخذ واحد من الشعب شيئًا من الأشياء التي حرّم الرب أخذها، وطمرها في خيمته، وبسببه انكسر وانهزم الشعب، قال الرب ليشوع: «لا أعود أكون معكم إن لم تبيدوا الحرام من وسطكم.» (القصة في يشوع أصحاح 7)
5. السكنى في الأبدية مع الله: «ولن يدخلها شيءٌ دنسٌ ولا ما يصنع رجسًا وكذبًا، إلّا المكتوبين في سفر حياة الخروف.» (رؤيا 27:21)
المظاهر السلوكية لحياة النقاوة
1. رفض كل ما يدنّس القلب: هكذا أعلن الأنقياء الأتقياء: قال أيوب «عهدًا قطعت لعينيّ، فكيف أتطلّع في عذراء؟» (أيوب 1:31)، وكان يقصد الامتناع عن النظرات الشهوانية. وقال يوسف «فكيف أصنع هذا الشّرّ العظيم وأخطئ إلى الله؟» (تكوين 10:39)، وكان يقصد عدم الوقوع في الخطية.
2. الكلمات والألفاظ النقية: ما أروع هذا المستوى الأدبي النقي «فاض قلبي بكلامٍ صالحٍ.» (مزمور 1:45) وأيضًا صلى داود قائلًا: «لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضيّةً أمامك يا ربّ، صخرتي ووليّي.» (مزمور 14:19)
3. الشركة مع الأنقياء: يا ترى من هم أصحاب المؤمن النقي؟ «واتبع البرّ والإيمان والمحبّة والسّلام مع الّذين يدعون الرّبّ من قلبٍ نقيٍّ.» (2تيموثاوس 22:2)، وأيضًا «في طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس.» (مزمور 1:1)
4. انشغال الذهن بما هو محترم وسام: «كلّ ما هو جليلٌ... كلّ ما هو طاهرٌ، كلّ ما هو مسرٌّ، كلّ ما صيته حسنٌ، إن كانت فضيلةٌ وإن كان مدحٌ، ففي هذه افتكروا.» (فيلبي 8:4)
5. التغذي روحيًا بما هو نقي: طلب الرب قديمًا من شعبه أن لا يأكلوا إلا ما هو طاهر في أصحاح كامل (لاويين 11)، وكان الهدف ليس فقط الحفاظ على صحتهم، بل هي رسالة روحية لكيفية اهتمامنا بما نتغذّى عليه أدبيًا، فلا ينفع المسيحي النقي أن يملأ نفسه من برامج وكلمات وصور خليعة، تعرض هنا وهناك؛ لكنه يتغذّى ويشبع بكلمات وأفكار الله الطاهرة «وجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي.» (إرميا 16:15)
أحبائي؛ لقد أدرك القديسون على مر العصور أهمية هذه الفضيلة، بل وخطورة نتائجها أيضًا، سواء في علاقتهم بالله أو في حياتهم الشخصية؛ فكانت هي طلبتهم اليومية وصلاتهم الشخصية... فهل هي صلاتي وصلاتك أيضًا؟
«ودعا يعبيص إله إسرائيل قائلاً: ليتك تباركني، وتوسّع تخومي، وتكون يدك معي، وتحفظني من الشّرّ حتّى لا يتعبني. فآتاه الله بما سأل.» (1أخبار 10:4)، وصلى أيضًا داود قائلاً «حوّل عينيّ عن النّظر إلى الباطل. في طريقك أحيني.» (مزمور 37:119) نعم، ولكل من يطلب من الرب نقاوة القلب وطهارة الحياة، لا بد وأن يختبر الاستجابة الإلهية «فآتاه الله بما سأل.»