ظهرت في قصة الميلاد ثلاثة مواقف متباينة:
1- موقف العداء الذي اتخذه هيرودس الملك من ميلاد المسيح.
2- موقف عدم المبالاة الذي اتخذه رؤساء الكهنة والكنيسة من خبر ولادته.
3- موقف الإكرام وهو الموقف الذي وقفه المجوس من طفل بيت لحم.
1- موقف العداء
نرى هذا الموقف متمثلاً في هيرودس الذي كان يخشى الطفل الجديد لئلاَّ يتدخّل في حياته، أو يسلبه مركزه وسلطانه. ولذلك كانت الرغبة الأولى عنده هي قتله في مهده. فلما سمع هيرودس بولادة يسوع اضطرب، وكان طبيعيًا أن يحدث ذلك. وأي ملك لا يضطرب عندما يسمع أن طفلاً قد ولد ليحتلّ عرشه؟ كما أن هناك أسرارًا كثيرة في حياة هيرودس جعلته يضطرب ويتوجس خيفة على عرشه.
كان هيرودس نصف يهودي ونصف أدومي. الدم الذي كان يجري في عروقه أدومي. ولأنه يهودي بالجنسية فقد خدم الرومان في الحرب الأهلية في فلسطين، فوثقوا به وعينوه حاكمًا في عام 47 ق. م. ثم في عام 40 ق. م. أُعطي لقب ملك من قيصر وسمَّى نفسه هيرودس الكبير.
افتقر هيرودس إلى الاتزان في حياته وكان كثير الهواجس والشكوك وزادت هذه المشكلة في حياته حتى وصلت إلى حدّ بشع! فكان كلما شك في فرد ينافسه السلطان أمر بقتله. ومن تاريخه البشع أنه قتل زوجته مريمنة وقتل أمها ألكسس. وقتل ابنه الأكبر أنفياتر كما قتل ابنين آخرين هما ألكسندر وأرستبولس. ولقد سمع أغسطس قيصر بوحشية هيرودس فقال عنه: خير أن تكون خنزيرًا في حظيرة هيرودس من أن تكون ابنًا في قصره. وهذا خير ما يصوّر وحشية هذا الرجل وطبيعته القاسية، وبذلك نستطيع أن ندرك ما يشعر به عند ميلاد يسوع الملك، فلا عجب إن كان قد اضطرب.
ويتخذ كثيرون هذا الموقف العدائي من يسوع لأنهم يرونه يتدخّل في شؤون حياتهم، فهم يريدون أن يعيشوا على هواهم ويشعرون أن يسوع يقف معترضًا طريقهم لذلك يريدون التخلص منه. وهذا شأن كل إنسان يريد أن يعيش حياته وفق أهوائه.
أما المسيحي فإنه يحيا في المسيح؛ لأنه كرس حياته وأخضع إرادته له.
2- موقف عدم المبالاة
ونرى هذا الموقف متمثلاً في رؤساء الكهنة والكتبة. كانوا فقهاء الكتب المقدسة والشريعة ويمثلون العلماء والعائلات الأرستقراطية التي كانت وظيفة رئيس الكهنة محصورة بينهم – دعا هيرودس العلماء والفهماء لكي يسألهم عن المكان الذي وُلد فيه المسيح كما تنص الكتب المقدسة، وقد أجاب الكهنة بالصواب قائلين: إن المسيح يولد في بيت لحم بعد أن اقتبسوا نبوءة ميخا 2:5.
ولكنهم ظلوا منشغلين في عبادتهم الطقسية في الهيكل، وفي مناقشاتهم الرسمية والناموسية ولم يعطوا يسوع أي اهتمام.
هؤلاء هم رؤساء الكهنة، مع أنهم كانوا يقرأون عن المسيا كثيرًا، وكان المفروض أن ينتظروه بشوق، إلا أنهم لما سمعوا به لم يبالوا، ولم تتحرك مشاعرهم لكي يبحثوا عنه، وبذلك انطبق عليهم النداء القديم: "أما إليكم يا جميع عابري الطريق؟" (مراثي 12:1)
أرجو ألا يكون هذا موقفنا اليوم إزاء المسيح.
3- موقف الإكرام
ونراه متمثّلاً في جماعة المجوس الذين ووضعوا عند أقدام المسيح أثمن هداياهم. لقد وجدوا طريقهم وراء النجم إلى بيت لحم.
ولقد تعددت الروايات عن المجوس. هناك من يقول إن النجم الذي أرشد المجوس هو الذي سقط في بئر بيت لحم ولا يراه إلا أنقياء القلب. وقد حاول البعض معرفة عدد المجوس. فمن قائل اثني عشر مجوسًا. إلا أن معظم الآراء تقول إنهم ثلاثة استنادًا إلى الهدايا الثلاثة التي قدموها: ذهبًا ولبانًا ومرًا. وفي هدايا المجوس رموزًا لعمل المسيح.
الذهب هدية للمسيح الملك. فالذهب هو ملك المعادن وهو الهدية المناسبة للملوك وقد وُلد يسوع ليكون ملكًا. "أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي."
هو ملك يملك بالحب وليس بالسلاح، وهو ملك يملك على قلوب الناس، علينا أن نتذكر أن يسوع ملك فنجيء إليه علامة على الطاعة والخضوع.
واللبان هدية للمسيح الكاهن. فقد كان الكهنة يستخدمون اللبان في البخور. ووظيفة الكاهن هي إعداد طريق الناس إلى الله. وكلمة كاهن في اللغة اللاتينية هي Ponti peax ومعناها "باني القنطرة". ويسوع هو الكاهن الذي يبني القنطرة بين الله والناس. فقد انشق حجاب الهيكل وأصبح لنا الدخول به إلى قدس الأقداس إلى ما داخل الحجاب.
والمرّ هو هدية المسيح النبي، وهو هدية رمزية لإنسان مصيره الموت ويُستخدم لتحنيط أجساد الموتى.
رسم الرسام الشهير هولمان هنت Holman Hunt صورة ليسوع، ظهر فيها صبيًا يقف أمام حانوت النجار في الناصرة، وكانت الشمس تميل إلى الغروب. وقد وقف يسوع يتطلع إلى الشمس الغاربة، وهو يمد يديه وإذا بظله يقع على الحائط الخلفي على شكل صليب. ومن بعيد تتطلع السيدة العذراء إلى هذا المنظر وتجذع؛ وترى ظل الصليب وتتذكّر كلمات سمعان الشيخ: "وأنتِ أيضًا يجوز في نفسِك سيف." وكأن مريم كانت ترى المأساة المقبلة في الصليب.
والآن، ما هو موقفك من ولادة المسيح؟ هل تقف موقف العداء مع هيرودس الملك الطاغية؟
أم تقف موقف عدم المبالاة مع الكتبة ورؤساء الكهنة الذين لم يعيروا ولادته أي اهتمام؟ أم تأتِ إليه الآن مع المجوس في موقف الإكرام وتقدم له هداياك.