هل يمكن لله أن يجعل نفسه منظورًا من البشر؟ إن الذي خلق النور صار نورًا وحجب ستار الجسد بهاء نوره. "فيه يحلّ كل ملء اللاهوت جسديًّا." وأعلن الطريق والحق والحياة في كلمته: "عظيم هو سرّ التقوى: الله ظهر في الجسد." متى تم ذلك الإعلان؟
وكيف يكون المسيح إلهًا وإنسانًا معًا؟ "في ملء الزمان أرسل الله ابنه." ثم كيف يتجسّد الله في المسيح؟ من كان في السماء؟ "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء." إن عبارة "في ملء الزمان" تعني في اكتمال الوقت، أو في اللحظة الحاسمة، أو التدبير الصحيح. أما اكتمال الوقت بالنسبة إلى عجز الناموس، وتدهور العالم، وفساد الإنسان، وخراب العلاقات، وقلة المبادئ، وكثرة الدمار، وازدياد الجهل، ومحبة الله الفائقة. الله إذن في ملء الزمان:
أولاً: أرسل ابنه
لنبدأ القصة من أولها، فإن "الله، بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا، بأنواع وطرق كثيرة، كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه." هذه الحقيقة التاريخية لا تنكرها الأديان السماوية "كان إنسان رب بيت غرس كرمًا... ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذ أثماره. فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضًا وقتلوا بعضًا ورجموا بعضًا... فأخيرًا أرسل إليهم ابنه قائلًا: يهابون ابني! ... فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه." (متى 34:21-37) ولكن لماذا وكيف يرجع بنا إلى القول الإلهي: "أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية؟ من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا." إن المسيحية أولا وقبل كل شيء هي رسالة الله، "رسالة الفداء والخلاص"، فهي لذلك إنجيل الإخوة، ومحبة القريب، والقانون الروحي الذهبي، وليست قوة فلسفية، أو برنامج عمران اجتماعي، أو أمورًا خيالية. إنها رسالة إله حي أبدي غير محدود صار في حالة محدودة بطريقة لم يحدث لها مثيل في التاريخ. لقد جاء مرة من أجل الجميع وعاش حياة طبيعية على هذه الأرض بذاته بظهور عجيب "الله ظهر في الجسد."
ثانياً: أرسل كلمته
دعونا نقتبس بعض أوصاف تلك الكلمة. إنها كلمة إلهنا (إشعياء 8:4)، والكلمة النبوية (2بطرس 19:1)، وكلمة الإنجيل (أعمال 7:15)، وكلمة قدسه (مزمور 42:105)، وكلمة الملك (جامعة 4:8)، وكلمة الإيمان (رومية 8:10)، وكلمة المصالحة (2كورنثوس 9:5)، وكلمة الحق (أفسس 13:1) وكلمة نعمته، (أعمال 32:20)، وكلمة حق الإنجيل (كولوسي 5:1)، وكلمة الحياة (1يوحنا 1:1)، وكلمة الشهادة (رؤيا 12:11)، وكلمة القسم (عبرانيين 28:7)، وكلمة الوعظ (عبرانيين 22:13)، والكلمة الطيبة (أمثال 25:12)، والكلمة الصالحة (إرميا 33:14). هذه هي الكلمة التي ينبغي على كل إنسان أن "يسمع الكلمة وحالًا يقبلها. أما من ازدرى بالكلمة - فهو يتحمّل". إن الله أظهر كلمته "والكلمة صار جسدًا" و"أظهر كلمته في أوقاتها." (2تيموثاوس 1:3) لذلك قال الله: "الذي معه كلمتي فليتكلم بكلمتي بالحق. "أرسل كلمته فشفاهم." (إرميا 28:23 ومزمور 20:107) سأل شاب أحدهم: هل تقدر أن تفسر لماذا دُعي المسيح "الكلمة"؟ فأجابه: أعتقد أن الكلام هو واسطة التفاهم بين البشر، وقد استخدم الوحي هذا التعبير "الكلمة" في 1تيموثاوس 5:2 "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح."
ثالثاً: أرسل روحه
يعتبر البعض معمودية الروح القدس قد تمت في يوم الخمسين، ويتكرر ملء الروح بتكرار الحاجة إليه. كما أصرّ آخرون على أن معمودية الروح القدس قد تمت فقط في يوم الخمسين، لكن هناك حقيقة مشتركة بأن الفريقين يعترفان بالروح القدس أو الامتلاء بالروح القدس، والتشديد على التحكّم في ذواتنا، والصلب مع المسيح، والطاعة، وإظهار ثمر الروح ومواهبه في الحياة العملية. "وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكّركم بكل ما قلته لكم." إنه من الواضح كتابيًا أن التجديد شيء، والامتلاء بالروح شيء آخر، وقد يحدث بعد التجديد مباشرة أو بعده بأيام قليلة كبولس، وتشارلز فني، أو بعد التجديد بمدة مما يجعل فرصة البرية في حياة المؤمن طويلة كشعب الله قديمًا الذي كان يمكنه الوصول إلى كنعان عقب خروجه من مصر. ولكن لعصيانه وجسدانيته قضى في اجتياز هذه المسافة أربعين عامًا. بالاختصار، توجد ثلاثة أوجه للامتلاء: الأول حالة اعتماد الشخص بالروح عند الملء، "امتلأوا" (أع 2:4). والثاني يفيد الاستمرار في الملء بصفة يومية "امتلئوا بالروح." (أفسس 25:5)، والثالث يؤكد ضرورة الامتلاء المتكرر لظروف خاصة (أعمال 4:2 و4:8 و31). إن الصلاة تكون عادة "إملأني وارفعني"، ويأتي الجواب السماوي: تفرّغ وامتلئ وعندئذ تمتلئ وترتفع. نعم! لقد "أرسل الله روح ابنه".
رابعاً: أرسل تلاميذه
"كما أرسلني الآب أرسلكم أنا." (يوحنا 21:20) هذا ما قاله المسيح لتلاميذه، وكأنه يذكرنا بما جاء في إشعياء 16:8 "صرّ الشهادة. اختِمِ الشريعة بتلاميذي." أرسلهم مؤيدًا إياهم بآيات وعجائب (مرقس 16:16-20). هنا نتعجب: كيف عالج الله موضوع الخطية والفداء؟ إن التاريخ مليء بغموض الفكر الإلهي، والأهداف الظاهرة في الكون، والحدود الكونية، والمقاصد العليا. ويعتبر الفداء بالتجسّد من امرأة تحت الناموس "ليفتدي الذين هم تحت الناموس" أي شعب الله القديم- وينال الأمم نعمة التبني. "من امرأة" لأنها أخطأت أولًا، وفي ضعفها "نسل المرأة يسحق رأس الحية." (غلاطية 4 و5) لقد ملأ أحشاء أمه وهو ما يزال في حضن أبيه، وخرج من أمه ليسكن بيننا حتى إذا ذهب إلى أبيه يعدّ لنا مكانًا لنسكن فيه، مولودًا "تحت الناموس" أي يحفظ الوصايا العشر ويتمّمها ليفتدي ويعتق الرازحين تحتها، ثم لنصبح أبناءً لله وندعوه "يا أبي، يا بابا". لذلك لسنا بعد "تحت مؤدِّب." إن كلمة "عبدًا" و "ابنًا" في غلاطية 7:4 تأتي بالمفرد لأنه اختبار شخصي به تَحرَّر المؤمن من سلطة الناموس إلى حرية الإيمان في المسيح (مرقس 5:1). إنها المعجزة العظمى بعد معجزة التجسد (غلاطية 4:4-5).
خامساً: كشف سره
في سفر دانيآل 4:12 نقرأ: "أما أنت يا دانيآل فأخفِ الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية. كثيرون يتصفّحونه والمعرفة تزداد." وفي سفر الرؤيا 10:22 "وقال لي: لا تختم على أقوال نبوة هذا الكتاب، لأن الوقت قريب." كيف نعرف إذن ما يخبّئه لنا الغد؟ قال الرب يسوع المسيح: "ها أنا قد سبقت وأخبرتكم... متى رأيتم هذا كله فاعلموا أن الوقت قريب." (متى 25:24-33) ما هي أغراض التجسد؟ أولاً: إن المسيح أتى ليعلن الآب، وليكون لنا مثالًا، وليخلّص ما قد هلك، وليرفع الخطية عن البشر، ولكي ينقض أعمال إبليس، ويؤسس بمجيئه الثاني ملكوت الله على الأرض، ثم ليدين المسكونة بالعدل. في التجسد كشف الله سبحانه وتعالى أنه يمكن معرفته، وليوبّخ كبرياء البشر، ولكي يعيد صورة الله في الإنسان. هنا ظهرت كمالات الله، وقدرته، وحكمته، وعدله، ورحمته، ومحبته، وعنايته، وذلك في صَلبه، واتّحاد لاهوته بناسوته، وكشف الأشياء غير المنظورة بالأشياء المحسوسة، وتفسير الأشياء الإلهية بواسطة الأشياء البشرية.
لماذا لا نتغير من مجد إلى مجد بينما قد انشقّ الحجاب، وقد رُشّ الدم، وأُعطي الروح القدس؟ السبب لأننا مشغولون بأنفسنا، وليس بيسوع وحده. لذلك دعنا نتطلع أكثر إلى ذلك الوجه المكشوف والذي يشرق منه نور معرفة الله (2كورنثوس 18:3). إن مكثنا هناك، فكل شيء آخر سيتضاءل ويتلاشى. لقد صرح الرب بأن الخراف هي في يده وفي يد أبيه فلا يستطيع أحد أن يختطفها، لكن لنعلم أن هذا الضمان يتضمن: أن تسمع صوته، وأن تتبعه، وأن تحذر الغريب وتميز صوته فتهرب منه إلى راعيها الحقيقي وتظل معه حتى النهاية. إننا نحتاج إلى المسيح ليرينا الآب، ونحتاج إلى كلمة الله لترينا الابن، ونحتاج إلى الروح القدس ليرينا كلمة الله.