"فرأى سفينتيْن واقفتيْن عنْد الْبحيْرة، والصّيّادون قدْ خرجوا منْهما وغسلوا الشّباك." (لوقا 3:5)
جاء الرب يسوع – له كل المجد- حاملاً علم المحبة والرأفة ليرفرف به على قلوب البؤساء من كل الفئات والجنسيات أفرادًا وجماعات. ولكي يحقق هذا جال من مدينة إلى مدينة ومن مجمع إلى مجمع، ومن قرية إلى قرية ومن بيت إلى بيت. وحيثما وُجد يسوع يلتف حوله جمهور كبير يأتون من كل حدب وصوب. وكان الرب ينتهز فرصة وجود الجماهير ويقدم لهم رسائل ترشدهم إلى خلاص نفوسهم وشبع قلوبهم.
في الجزء الكتابي الذي اخترت منه الآية التي سيدور حولها حديثي، نجد يسوع عند بحيرة جنيسارت والجموع تزدحم عليه لتسمع كلامه. فاختار سفينة واتخذها منبرًا ليقدم منها كرازته للجمهور. ولما فرغ من الكلام قال لبطرس: ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد. قال له بطرس: يا معلّم، قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئًا، ولكن على كلمتك نلقي الشبكة. ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكًا كثيرًا جدًا حتى صارت شبكتهم تتخرّق. لقد شرّف الرب يسوع المكان الذي استخدمه شرفًا عظيمًا... بجوار الشرف الكبير الذي ناله كل الموجودين حدث أمران هامان:
أولاً: قدم كرازة غاية في الأهمية
ألقى الرب يسوع رسالة وافية كافية شافية سددت وغطت كل الاحتياجات: المحتاجون إلى الخلاص عرفوا الطريق الصحيح والمختصر للحصول عليه، والضعفاء عرفوا الطريق للقوة، والمجربون والمتألمون والحزانى وجدوا عزاءً.
عندما كان المسيح يكرز كان الجميع يندهشون ويتساءلون: من أين لهذا هذه الحكمة، فإنه كان يعلِّم كمن له سلطان وليس كالكتبة. إنه الكارز العظيم، والعالم العليم، والبصير الحكيم، الذي يقدم كرازة في الصميم. كرازة عندما تصل إلى الآذان ترهفها، وإلى القلوب تلهبها – إنه يعرف من أين يبدأ وإلى أين ينتهي. يعرف متى يتحدث ولمن وبأي أسلوب. إنه الكارز الذي يجب أن يتتلمذ عند قدميه كل الكارزين، ويحتذون به، ويتخذونه قدوتهم.
ثانيا: حلّ مشكلة بطريقة معجزية
قضى بطرس ومن معه ليلة كاملة يرمون شباكهم ويسحبونها فارغة. وأخيرًا، خرجوا من السفينتين وغسلوا الشباك استعدادًا للعودة إلى منازلهم؛ كل منهم خالي الوفاض. علم الرب يسوع بلاهوته الفشل الذي واجه سمعان بطرس والصيادين رفاقه، فذهب إليهم. وبعد أن تمم هدفه وكرز للجميع، اتجه إلى بطرس ووجه إليه حديثًا خاصًا به وبالصيادين الذين معه.
قال الرب يسوع: ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد. ويجب أن نلاحظ أن خبراء البحر لا يقبلون نصحًا من خبراء البرّ. فخبراء البحر يعرفون أين تتجمّع الأسماك، ويعرفون بخبرتهم أن النهار ليس هو الوقت المناسب للصيد لأن الأسماك ستبتعد عن الشباك. ويعرفون أنهم لو ألقوا في وقت النهار للصيد سيكونون موضع تهكم وسخرية الآخرين.
سمع بطرس كلمات الرب يسوع وقال له: يا معلّم، قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئًا، ولكن على كلمتك ألقي الشبكة. ويجب أن نلاحظ أن الرب قال: "ألقوا شباككم" (بصيغة الجمع)، ولكن بطرس قال: "على كلمتك ألقي الشبكة" (بصيغة المفرد). ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكًا كثيرًا جدًا حتى صارت شبكتهم تتخرّق لأن الأسماك التي كان يجب أن تدخل عدة شباك دخلت كلها في شبكة واحدة ملأوا بها السفينتين حتى أخذتا في الغرق. يا لها من معجزة! البعض يظنون أن عصر المعجزات قد ولّى ومضى دون رجعة، ولكن أقول إن المعجزات باقية لأن الذي عملها يقول عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد." قوته لا تتغيّر ولا يستحيل عليه أمر ما – ما أعظم أن يدخل الرب يسوع – تبارك اسمه – إلى سفينة حياتنا، وأن يدخل إلى بيوتنا وكنائسنا ليشرّف حياتنا وبيوتنا وكنائسنا شرفًا عظيمًا.
أختم بهذه القصة:
سيدة مؤمنة تقية كان لا يفوتها اجتماع واحد من اجتماعات الكنيسة – هذه السيدة أُصيبت بمرض شديد نتج عنه فقدان حاسة السمع والقدرة على الكلام. كان الجميع يظنون أنها سوف لا تحضر الكنيسة مرة أخرى. ولما استطاعت السير على قدميها ذهبت إلى الكنيسة وجلست في نفس المكان الذي تعوّدت على الجلوس فيه.
تجرّأت سيدة وكتبت لها سؤالاً قالت فيه: إن كنتِ قد فقدت حاسة السمع والمقدرة على الكلام فلماذا حضرتِ إلى الكنيسة؟
فكتبت إجابة رائعة قالت فيها:
ألم يقل المسيح: حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم؟ يكفي أن يسوع موجود في المكان ويكفيني شرفًا أن أكون في المكان الذي يوجد فيه يسوع.