"تعرّفْ به واسْلمْ. بذلك يأْتيك خيْرٌ. اقْبل الشّريعة منْ فمه وضعْ كلامه في قلْبك. إنْ رجعْت إلى الْقدير تبْنى. إنْ أبْعدْت ظلْمًا منْ خيْمتك وألْقيْت التّبْر على التّراب وذهب أوفير بيْن حصا الأوْدية. يكون الْقدير تبْرك وفضّة أتْعابٍ لك. لأنّك حينئذٍ تتلذّذ بالْقدير وترْفع إلى الله وجْهك. تصلّي له فيسْتمع لك ونذورك توفيها. وتجْزم أمْرًا فيثبّت لك وعلى طرقك يضيء نورٌ. إذا وضعوا تقول: رفْعٌ. ويخلّص ا لْمنْخفض الْعيْنيْن. ينجّي غيْر الْبريء وينْجى بطهارة يديْك." (أيوب 21:22-30)
من حقائق الحياة التي يعرفها ويختبرها الجميع، أننا كثيرًا ما نفشل في ناحية أو أكثر من حياتنا، وغالبًا ما يكون السبب هو غياب الإرادة أو التصميم الكامل والأكيد على العمل والنجاح والإنجاز. فمثلًا يريد إنسان ما أن يبدأ مشروعًا جديدًا، ويكون لديه رغبة صادقة وأكيدة في المشروع، ولكنه لا يملك الرغبة للعمل ولا توجد لديه إرادة ثابتة، وبالتالي يبقى المشروع حلمًا أو حبرًا على الورق.
نقرأ في أيوب 28:22 أن المؤمن الذي يضع ثقته في الرب بشكل مطلق، دون أن يكون في قلبه ولو ذرة شك، هذا الإنسان المؤمن إذا صمم أو عزم أو أكد أو أجزم على أمرٍ ما، فإن هذا الأمر يتحقق ويثبت له، ويضيءُ نورٌ من الرب على طرقه. يعني هذا الكلام ببساطة أنه بدون إعلان حازم، أي بدون تصميم وتأكيد، لن يحصل أي شيء ولن يتم الشيء الذي يريده الإنسان.
نعلم من قراءة الكتاب المقدّس أن العالم كان في ظلمة تامة إلى أن أعلن الله إرادته وجزم قائلًا: "ليكن نور". وفعلًا خلق الله النور من لا شيء، وأصبح هنالك نور يضيء الكون. وبنفس المعنى، نقرأ في سفر أيوب وعدًا سماويًا رائعًا ومباركًا لكل مؤمن بشخص الرب يسوع: "وَتَجْزِمُ أَمْرًا فَيُثَبَّتُ لَكَ". أي أن كل واحد منا نحن الذين قبلنا الرب يسوع مخلصًا شخصيًا لحياتنا نستطيع اليوم أن نجزم أو نعلن عزمنا على تحقيق أمر ما، أو الحصول على استجابة من الرب، وعلينا أن نصدق ونقبل أن شيئًا ما سيتم في حياتنا، تمامًا كما نقرأ في مزمور 19:145 عن الله أنه "يَعْمَلُ رِضَى خَائِفِيهِ."
ما هو الجزم أو العزم أو التصميم؟
إنه ببساطة وصية رسمية، أو تأسيس شيء بَنّاء بطريقة أمر عسكري حازم أو إصدار أمر رسمي. نقرأ في متى 19:16 قول الرب يسوع "كُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ." فالجزم أو صدور الأمر هو قرار من قائد أو ملك أو رئيس أو من حكومة، أي إنه أمر خلفه قوة القانون. فالذي يصدر الأمر لديه قوة تدعمه لتنفيذ الأمر. فمثلًا عندما يصدر الحاكم أو المسؤول أمرًا، فإن جميع الناس ملزمة بتنفيذ هذا الأمر. فالإعلان أو الجزم هو تصميم لشخص لديه قوة. إنه إصرار على إتمام أمر ما. إنه الإقرار بما يجب أن يتم وأن يحصل. نقرأ في سفر الجامعة 4:8 "حيْث تكون كلمة الْملك فهناك سلْطانٌ. ومنْ يقول له: ماذا تفْعل؟". أي، إنه توجد قوة في كلمة الله لكي تتم أوامره بالضبط.
نقرأ في رؤيا 5:1-6 "ومنْ يسوع الْمسيح الشّاهد الأمين، الْبكْر من الأمْوات، ورئيس ملوك الأرْض. الّذي أحبّنا [الفعل اليوناني ἀγαπῶντι (أجابونتي) هو فعل مضارع ويعني "يحبنا" وليس بصيغة الماضي "أحبنا" كما هو في ترجمة البستاني وفان دايك.] وقدْ غسّلنا منْ خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكًا وكهنةً لله أبيه، له الْمجْد والسّلْطان إلى أبد الآبدين. آمين". فنحن جُعِلْنا من قبل الرب يسوع ملوكًا لله، وبالتالي نستطيع أن نجزم أمورًا بسلطان وبقوة. والشيء الرائع أن المُلك الذي حصلنا عليه لم يكن بانتخاب من الناس أو ورثناه عن أجدادنا أو حصلنا عليه بإجماع الناس، بل هو من الله. وبالتالي لا يمكن أن نخسر هذا المُلك. نحن ملوك بحق مكتسب من الله، وكملوك علينا أن نتصرف بقوة وبسلطان. وعندما نواجه إبليس، العدو الملعون، علينا ألّا نرجوه أن يتركنا أو أن يُرجِع إلينا ما سلبه منا، بل علينا أن نأمره بقوة وبسلطان. علينا ألّا نساوم وألا نكون متساهلين في صلواتنا وطلباتنا، فمثل تلك الصلوات لا تكون فعّالة، بل علينا أن نطلب بثقة وسلطان أولاد الله، فنحن ملوك ورئيسنا هو رئيس ملوك الأرض، الرب يسوع المسيح شخصيًا. قال الرب يسوع في متى 21:21-22 "إنْ كان لكمْ إيمانٌ ولا تشكّون... إنْ قلْتمْ أيْضًا لهذا الْجبل: انْتقلْ وانْطرحْ في الْبحْر فيكون. وكلّ ما تطْلبونه في الصّلاة مؤْمنين تنالونه."
يدعو الله كنيسته اليوم أن تصدر أمرًا ضد قوى وأرواح كثيرة، وعلى المؤمنين أن يثقوا بأن الله سيعمل الكثير في حياتنا في هذه الأيام. والسؤال الذي علينا أن نجيب عنه: ضدُّ من علينا أن نصدر أوامر أو نصمم أو نجزم أن يتم؟ والجواب هو: هناك أرواح كثيرة تهاجمنا كمؤمنين بشخص الرّب يسوع. فحربنا الحقيقية هي مع قوى الشر الروحية كما نقرأ في أفسس 12:6: "فإنّ مصارعتنا ليْستْ مع دمٍ ولحْمٍ، بلْ مع الرّؤساء، مع السّلاطين، مع ولاة الْعالم، على ظلْمة هذا الدّهْر، مع أجْناد الشّرّ الرّوحيّة في السّماويّات." وعلينا أن نصمم ونأمر هذه الأرواح أن تبتعد عن حياتنا لكي نتحرر ونتمتع بكل ما يريده الله لنا.
علينا أن نصدر أوامر ضد مجموعة من الأرواح:
1. روح قايين: حَسَدَ قايين أخاه هابيل لدرجة دفعته إلى قتله، وهذه كانت أول جريمة داخل أسرة واحدة في التاريخ. وبالتالي فروح قايين هي روح الشر داخل الأسرة التي تنوي القتل والدمار. إنّها روح الحسد الشريرة بين أفراد الأسرة الواحدة. وعلينا أن نصلي طالبين من الرب أن يحرر بيوتنا من أي روح حسد قاتل باسم الرب يسوع.
2. روح إسماعيل: نقرأ في تكوين 12:16 عن إسماعيل "وإنّه يكون إنْسانًا وحْشيًّا يده على كلّ واحدٍ ويد كلّ واحدٍ عليْه وأمام جميع إخْوته يسْكن". روح إسماعيل هي روح العنف وروح الأعداء المتوحشين. هي أيضًا روح الشعوذة والباطل وروح العداء للجميع، والواقع أن هذه الروح موجودة الآن في كل مكان، وتهاجم الكنيسة إما كأفراد منعزلين أو كجماعة من المؤمنين. إنها روح متوحشة وعنيدة وقد تهاجم أي واحدٍ منا، وخاصة في هذه الأيام. دعونا نصلي باسم الرب يسوع أن يهزم هذه الروح الشريرة في كل العالم. وأن يحرر البشرية من شرها باسم الرب يسوع.
3. روح الفِسجة: نقرأ في تثنية 1:34-5 أنّ موسى صعد "إِلى رَأْسِ الفِسْجَةِ الذِي قُبَالةَ أَرِيحَا فَأَرَاهُ الرَّبُّ جَمِيعَ الأَرْضِ... وَقَال لهُ الرَّبُّ: [... قَدْ أَرَيْتُكَ إِيَّاهَا بِعَيْنَيْكَ وَلكِنَّكَ إِلى هُنَاكَ لا تَعْبُرُ». فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى". بعد أربعين سنة من قيادة الشعب في الصحراء، وقبل دخول أرض الموعد بوقت قليل، ارتكب موسى خطية جعلت الرب يمنعه من دخول الأرض، حيث أصعده إلى رأس الفسجة ليرى الأرض بعينيه ولكن دون أن يدخلها. وفعلًا رأى موسى الأرض من رأس الفسجة، ومات هناك. أي، إن روح الفسجة هي روح الفشل وأنت على وشك النجاح، إنّها روح الموت قبل قطف ثمر النجاح. إنّها روح الاقتراب دون الوصول. لذلك دعونا نصلي باسم الرب يسوع قائلين: أنت يا من تقف أمام تحقيق نجاحي وأحلامي، أيها الشرير عدو النفوس، أنت مهزوم وميت باسم الرب يسوع. كل روح يقاوم تقدمي ونجاحي في أي مجال أو ناحية، أنا أحطم سلطانك وإكليلك باسم الرب يسوع. أنا أقيد روح الإعاقة وعدم تحقيق الهدف باسم الرب يسوع.
4. روح أبشالوم: نقرأ في صموئيل الثاني 14:15 "فقال داود لجميع عبيده الّذين معه في أورشليم: قوموا بنا نهْرب، لأنّه ليْس لنا نجاةٌ منْ وجْه أبْشالوم. أسْرعوا للذّهاب لئلاّ يبادر ويدْركنا وينْزل بنا الشّرّ ويضْرب الْمدينة بحدّ السّيْف." هذه الروح هي روح الأبناء المتمردين على عائلاتهم. فالشيطان في أماكن كثيرة في العالم يستخدم أبناء العائلة الواحدة في الهجوم عليها. ولذلك نجد الكثير من الشباب اليوم منغمسين في أنواع شتّى من الرذائل. علينا أن نصلي من أجل عائلاتنا وعائلات من نحبهم، وحتى من لا نعرفهم، حتّى يتحرروا من روح الأبناء المتمردين، أي من روح أبشالوم، باسم الرب يسوع.
البقية في العدد القادم