قد تكون أنت في هذه القصة! وقد تكون أنت صاحب هذا الحفل البهيج! لقد أغدق الله عليك من عطاياه، أعطاك مركزًا اجتماعيًا مرموقًا، وأعطاك مالاً وفيرًا، وأعطاك أصدقاء من طبقة رفيعة عالية، فإذا بك تنسى يد الرب وتمتلئ غرورًا وكبرياء، وتجعل من بيتك الذي يريد الله أن يقدسه لسكناه بيتًا لحفلات الكوكتيل والرقص والحديث الشرير البذيء!
هكذا فعل قبلك بيلشاصر الملك فأصغِ إلى قصته بانتباه:
لقد تعظم الرجل على ربّ السماء وأقام وليمة عظيمة لعظمائه الألف وشرب خمرًا قدام الألف. و"الخمر مستهزئة. المسكر عجاج، ومن يترنّح بهما فليس بحكيم." ولذلك نصحت أم لموئيل ملك مسا ابنها بهذه النصيحة الغالية: "ليس للملوك يا لموئيل، ليس للملوك أن يشربوا خمرًا، ولا للعظماء المسكر." (أمثال 5:31) وقال حكيم الملوك سليمان: "لمن الويل؟ لمن الشقاوة؟ لمن المخاصمات؟ لمن الكرب؟ لمن الجروح بلا سبب؟ لمن ازمهرار العينين؟ للذين يدمنون الخمر، الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج." ثم قدّم هذه النصيحة الغالية: "لا تنظر إلى الخمر إذا احمرّت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقرقة. في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان." واسمعه يتكلم عن نتائج شرب الخمر قائلاً: "عَيْنَاكَ تَنْظُرَانِ الأَجْنَبِيَّاتِ، وَقَلْبُكَ يَنْطِقُ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ. وَتَكُونُ كَمُضْطَجعٍ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ، أَوْ كَمُضْطَجعٍ عَلَى رَأْسِ سَارِيَةٍ. يَقُولُ: ‘ضَرَبُونِي وَلَمْ أَتَوَجَّعْ! لَقَدْ لَكَأُونِي وَلَمْ أَعْرِفْ! مَتَى أَسْتَيْقِظُ؟ أَعُودُ أَطْلُبُهَا بَعْدُ!’" (أمثال 29:23-35)
ولقد انطبقت هذه الحالة تمامًا على بيلشاصر، فإذ كان يشرب الخمر أمر بإحضار آنية الذهب والفضة التي نهبها نبوخذنصر أبوه من الهيكل الذي في أورشليم، ليشرب بها الخمر هو وعظماؤه وزوجاته وسراريه... أراد أن يستعمل الآنية المقدسة في شرب الخمر والنجاسة.
أنتم هيكل الله
بدأت حفلة الكوكتيل بالشراب في أوانٍ عادية ثم تطوّرت إلى تدنيس آنية بيت الله... وجسدك هو هيكل الله كما يقول بولس الرسول: "فإنكم أنتم هيكل الله الحي." (2كورنثوس 16:6) وهذا الهيكل ليس ملكك حتى تتصرّف فيه كيفما تشاء. "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم. لأنكم قد اشتُريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله." (1كورنثوس 19:6-20)
وهناك خطر كبير أسفر عن إفساد هذا الهيكل بالخمر والتدخين والنجاسة إذ يقول الرسول: "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ." إذن، فلا بد من أن نعطي للجسد البشري كرامته، ونحذّر من أن نستخدم هذا الإناء في الشر والسكر والرذيلة.
دينونة الله تتعقّبك
كان بيلشاصر في أبهج ساعات الحفل، دارت كؤوس الكوكتيل على الحاضرين، وكانت زوجات الملك وسراريه في ملابس خليعة لا حياء فيها، وكانت عيون السكرى تلتهم في نهم بغيض هذه الأجساد شبه العارية الملوّثة بميكروبات الإثم... وهنا انقلب الحفل إلى ميدان للاستهزاء بخالق السماء، وتسبيح آلهة الذهب، وآلهة الحجر، وآلهة المال والممتلكات، وآلهة القوة الممثلة في الحديد... ما زالت تسبَّح ويُنشد لها أعظم الأناشيد تحت سلطان العقول المخمورة. لكن دينونة الله لا بد أن تنصب صرفًا على كل من لا يعمل لله حسابًا، ففي اللحظة التي وصلت فيها الوليمة إلى أوج فتنتها وفجورها "في تلك الساعة ظهرت أصابع يد إنسان، وكتبت بإزاء النبراس على مكلّس حائط قصر الملك، والملك ينظر طرف اليد الكاتبة." (دانيآل 5:5)
ماذا كتبت اليد المجهولة؟
لكن، ماذا كتبت اليد المجهولة؟ لقد كتبت قضاءها العادل على الملك الخليع، ولم يستطع أحد أن يقرأ الكتابة، وحتى الملك فارقه السرور، وتغيّرت هيئته وأفزعته أفكاره، وانحلّت خرز حقويه، واصطكّت ركبتاه، ولما جاء السحرة والكلدانيون والمنجمون عجزوا عن قراءة هذه الكتابة العجيبة. لقد كانت مكتوبة بيد الله، ولذا، لم يقدر أتباع الشيطان أن يقرأوها. وهكذا كلمة الله لا يعرفها أحد على حقيقتها إلا الذين يسكن فيهم روح الله.
عرف خط أبيه!
وأخيرًا جاء دانيآل، الرجل المحبوب القريب من السماء، ومن أول نظرة عرف خط أبيه السماوي، ولم يخضع لإغراءات ملكٍ أوشك عرشه على الانهيار.
القضاء الإلهي
وقبل أن يقرأ دانيآل الكتابة العجيبة، أعطى للملك درسًا، فقال له: "أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَاللهُ الْعَلِيُّ أَعْطَى أَبَاكَ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلَكُوتًا وَعَظَمَةً وَجَلاَلاً وَبَهَاءً. وَلِلْعَظَمَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا كَانَتْ تَرْتَعِدُ وَتَفْزَعُ قُدَّامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ... فَلَمَّا ارْتَفَعَ قَلْبُهُ وَقَسَتْ رُوحُهُ تَجَبُّرًا، انْحَطَّ عَنْ كُرْسِيِّ مُلْكِهِ، وَنَزَعُوا عَنْهُ جَلاَلَهُ، وَطُرِدَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَتَسَاوَى قَلْبُهُ بِالْحَيَوَانِ، وَكَانَتْ سُكْنَاهُ مَعَ الْحَمِيرِ الْوَحْشِيَّةِ، فَأَطْعَمُوهُ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، وَابْتَلَّ جِسْمُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ، حَتَّى عَلِمَ أَنَّ اللهَ الْعَلِيَّ سُلْطَانٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ، وَأَنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهَا مَنْ يَشَاءُ... وَأَنْتَ يَا بَيْلْشَاصَّرُ ابْنَهُ لَمْ تَضَعْ قَلْبَكَ، مَعَ أَنَّكَ عَرَفْتَ كُلَّ هذَا، بَلْ تَعَظَّمْتَ عَلَى رَبِّ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرُوا قُدَّامَكَ آنِيَةَ بَيْتِهِ... وسبّحت آلهة الفضة والذهب... أَمَّا اللهُ الَّذِي بِيَدِهِ نَسَمَتُكَ، وَلَهُ كُلُّ طُرُقِكَ فَلَمْ تُمَجِّدْهُ. حِينَئِذٍ أُرْسِلَ مِنْ قِبَلِهِ طَرَفُ الْيَدِ، فَكُتِبَتْ هذِهِ الْكِتَابَةُ. وَهذِهِ هِيَ الْكِتَابَةُ الَّتِي سُطِّرَتْ: مَنَا مَنَا تَقَيْلُ وَفَرْسِينُ. وَهذَا تَفْسِيرُ الْكَلاَمِ: مَنَا، أَحْصَى اللهُ مَلَكُوتَكَ وَأَنْهَاهُ. تَقَيْلُ، وُزِنْتَ بِالْمَوَازِينِ فَوُجِدْتَ نَاقِصًًا. فَرْسِ، قُُسِمَتْ مَمْلَكَتُكَ وَأُعْطِيَتْ لِمَادِي وَفَارِسَ." (دانيآل 18:5-28)
ماذا ينتفع الإنسان؟
كان القضاء الإلهي صريحًا وواضحًا، وقضاء الله إذا جاء عليك فلن يردّه أحد... فاسمع هذه الكلمات الجليلة: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟" (متى 26:16)
ماذا تنتفع لو ربحت العالم وأُصبت بسرطان الكبد؟
ماذا تنتفع لو ربحت العالم وأُصبت بقرحة في المعدة؟
ماذا تنتفع لو كان بيتك مكانًا لحفلات الكوكتيل ثم فقدت صحتك الغالية، وسعادة نفسك؟!
خاتمة حفلة الكوكتيل
"فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قُتِلَ بَيْلْشَاصَّرُ مَلِكُ الْكَلْدَانِيِّينَ." لقد جاء القضاء سريعًا وعاجلاً! وكلمة إلهنا تثبت إلى الأبد، وهكذا انتهت الحفلة الماجنة وانتهى معها ذلك الملك.
إن الله ما زال يعطيك فرصة للتوبة، والرب يسوع المسيح ما زال يناديك بصوته الحنون: "من يُقبل إليّ لا أخرجه خارجًا." فتب عن شرك... تب عن سكرك... تب عن تدنيس هيكل جسدك... وتعال إليه كما أنت ليُسمعك صوته العذب الجميل على أساس عمل الصليب قائلاً: "مغفورة لك خطاياك!"