مفهوم الصحَّة والطُّب في الكتاب المقدَّس
في عالمٍ مثالي، قد نكون جميعُنا في صحَّةٍ نفسيَّة وعقليَّة وجسديَّة كامِلة، حيثُ لا ألَم أو تعَب أو مرَض على الإطلاق. هذه الحالة المِثاليّة تُشبهُ تلكَ الحالة الكامِلة في السَّماء حيثُ لا دُموع ولا أحزان ولا أمراض.
حتى الموت، ألا وهو النتيجة الحتميَّة للمرَض والخطيَّة (تكوين 17:2؛ 2صموئيل 14:2-15)، لن يكونَ فيما بعدْ. لكن في العالَم الحاضِر غير المُكتملِ أخلاقيًّا ومعنويًّا وجسديًّا يُوجَد المرَض والموت، لكنَّ الله في حكمتهِ الأزليَّة في الخَلق والإبداع وضعَ عددًا مِن الأُطرِ والأنظِمَة التي تُؤمِّن الشِّفاء والعلاج الجسدي والحِماية مِن الأمراض والتي تُساعد الإنسان بأن يتمتَّعَ بحياةٍ صحيَّة مُتكامِلة لسنين مديدة.
مفهوم الصحَّة والطُّب في الكتاب المقدَّس
أبدأ هذه الدِّراسة بإثارة عددٍ مِن الأسئلة التي يُدركُها عقلُ الإنسان والتي ذهبَ يُفتِّشُ عن إجاباتٍ وافيةٍ لها. لماذا أهتمُّ إذًا بالحِفاظ على الصحَّة الجسديَّة العامَّة؟ وما هو مدى ارتباط هذا الأمر بقُدرة الإنسان على ديمومة الضمَان الصحِّي في حياته؟ يقول الكتاب: "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ." (1كورنثوس 19:6-20)
أرى إذًا أنَّ السببَ الرئيس الذي يدعونا للحِفاظ على الصحَّة والاهتمام بها هو أنَّ الجَسَد، الذي نقوتُهُ ونُرَبِّيه ونعتني به، هو هيكلٌ لروح الله القُدُّوس: "فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ." (أفسس 29:5) فنحنُ مُؤتمنون وأوصياء على هذه العطيَّة وينبغي أن نتعاملَ معها كأنها ليست مُلكًا لنا بل لله. هذا يقود الإنسان لأن يتساءل عن ماهية مقاصِد الله بالنسبة لنا ولحياتنا ولصحتنا الجسديَّة والنفسيَّة والروحيَّة. يتكلَّم الرسول يوحنا عن النجاح في شتَّى الميادين، ومِن بينها النجاح الصحّي، وأرى بذلك أنَّ الاكتفاء الروحي والكمَال الجسدي في إطار تمجيد الله هما مِن ركائز الحياة الناجِحة والكامِلة: "أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ." (3يوحنا 2).
أودُّ أن أشير إلى بعض المعايير والأطُر التي وضعَها الله لإتمام الوعد بخُلوّ الحياة مِن الأمراض والتي تُراعي المبادئ العامة في الحفاظ على صحَّة الإنسان وديمومتها.
أولًا: خلقَ الله جسم الإنسان مُتكاملًا بحيث أنه أعطاهُ ميزة وجود الجهاز المنَاعيّ الذي يحمي الجسم ويُساعدُه على الإصلاح والشِّفاء. وكوني باحثٌ وأخصَّائي جامعي في جهاز المناعة الفيزيولوجي وأسلوبِ عملهِ، أعرفُ تمامًا دقَّةَ هذا الجهاز وفعاليَّته في الحماية مِن الأمراض المختلفة والمنتشرة في أيَّامنا هذه. لذلك ينبغي الحِفاظ على فعَاليَّة وقُدرة هذا الجِهاز بالسلوك اليومي المعتدل والغذاء الصحيّ المتوازن. بحسَب موسوعة الويكيبيديا أونلاين:
"الجهاز المناعي، أو ما يُعرف بجهاز المناعة، هو منظومة مِن العمليات والتفاعلات الحيوية التي تقوم بها أعضاء وخلايا وجُسيمات داخل أجسام الكائنات الحيّة بهدف حمايتها من الأمراض والسموم والخلايا السرطانية والأجسام الغريبة. هذه المنظومة الحيوية تقوم بالتعرُّف على مسبِّبات المرض، مثل الميكروبات أو الفيروسات، وبالتالي تحييدها أو إبادتها. يُميِّز جهاز المناعة السليم خلايا الجسم السليمة وأنسجته الحيويّة وبين كائنات غريبة عنه تُسبِّب المرض."
ثانيًا: أعطانا الله الحكمة للبقاء أصحَّاء جسديًا وذلك مِن خلال إطاعة القوانين الإلهيِّة المتعلِّقة بشؤون الصحَّة والنَّظافة العامَّة وكيفيَّة الحفاظ عليها (لاويين 16:15-24؛ تثنية 10:23؛ نحميا 23:4).
ثالثًا: لقد استجاب الله بطُرقٍ مُتنوِّعة لصَلوات القدِّيسين الذين طالبوا بعمَل الشِّفاء، وأعطى أيضًا الحكمة للأطبَّاء في مُزاولة مهنتهم باحترافيَّةٍ وإنسانيَّة كامِلة (2أخبار 12:16). وهو الذي أعطى العقل لاجتراح المعجزات العلميَّة والطبيَّة وذلك لخير الإنسان الجسدي والرُّوحي أيضًا.
رابعًا: لقد خلق الله الكثير مِن النَّباتات الطبيعيِّة ذات الخَواص الطبيَّة الشافية لكثير مِن الأمراض التي تستهدف الإنسان. حتى في السَّماء يُذكر ورقُ الشَّجر لشِفاء الأمم: "فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ تَصْنَعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ." (رؤيا 2:22)
خامسًا: أعطى الله كنيستهُ سُلطان الشِّفاء باسم الرب يسوع المسيح، الذي وهو في أيام تجسُّدهِ جالَ يُبشِّرُ ويصنعُ خيرًا ويشفي جميع المتسلِّط عليهم إبليس. "فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلًا رُسُلًا، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ." (1كورنثوس 28:12)
فلماذا نُولي موضوع الصحَّة والطُّب أهميةً خاصَّة إلا للتأكيد على أنَّ الإنسان أُعطيَ نعمة التمتُّع بحياةٍ كامِلة خالية مِن الشوائب تُمجِّد الله وتولِّد الراحة والطُمأنينة. فما أجمَل مِن أن نعيشَ حياةً رائعة تسُودُها البَرَكة والصحَّة والرضَى الإلهي ونختبرَ أيامًا صالِحة نرى فيها خيرًا ونعمةً كثيرة نقضيها في خَوف الرب وإنذارِه!
يتبع في العدد القادم