هل نحن كنيسة مصلية؟ هل سبق لك وأن فكّرت في مكانة الصلاة في حياتك وقيمتها؟ هل امتحنت نفسك وتمنيت لو أن علاقتك بالله، واتصالك اليومي به في الصلاة يتقوى أكثر فأكثر؟!
أم هل أنت إنسان صلاة، ولكنك تشعر أن صلواتك لا تتجاوز سقف الغرفة التي تصلي فيها، ثم ترتدّ هذه الصلوات إليك بعد اصطدامها بهذا السقف. هل سبق وأن فكرت حقًا أو آمنت فعلًا أنه توجد قوة حقيقية في صلواتك إلى الله؟
توجد لدينا مئات الكتب والمقالات التي يمكن أن تساعدنا في إقامة علاقة قوية مع الله بالصلاة. ومع ذلك فإن أفضل معلم ومرشد للصلاة يبقى ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح الذي صرف أطول وأهم وأنجح وقت في صلاة فعالة مع الآب. وعلينا أن نصغي إليه وهو يعلمنا أهم مبادئ الصلاة في الحياة المسيحية المثمرة.
نقرأ في لوقا 1:11 أنه كانت هنالك رغبة حقيقية لدى التلاميذ أن يتعلموا الصلاة، وبالتأكيد صلّى التلاميذ قبل هذا الوقت، ولكنهم لاحظوا وجود أمر مختلف في صلاة الرّب يسوع، فأرادوا أن يصلوا مثله.
في جواب الرّب يسوع لهم لم يعطهم وصفة مقدسة يجب تكرارها باستمرار، ولكنه قدّم نموذجًا واضحًا للصلاة. فالرّب يسوع كان مثالهم. واليوم في الكنيسة نحن نتعلم الصلاة من خلال الكتاب المقدس ومن بعضنا البعض، ولكن يبقى نموذج الرّب يسوع للصلاة أروع نموذج لنا على الإطلاق.
قال الرّب يسوع لتلاميذه: "مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا." قبل هذه المناسبة كان الرّب يسوع يقول: الآب، أو أبي، أو أباكم. وأما الآن فعلمهم أن يقولوا أبانا. فالمسيح بصفته ابن الله خاطب الأقنوم الأول بقوله "أبي"، أما التلاميذ فبصفتهم أبناء الله بالتبني بالإيمان بيسوع المسيح، فقد اكتسبوا هذا الحق المقدس في مخاطبة الله قائلين: أبانا. وهذه الكلمة وحّدتهم كإخوة في المسيح في روح صلاة ذات نموذج واحد، وذلك بمخاطبة الله بكلمة: "أبانا".
إذا نظرنا إلى الصلاة التي علّمها الرّب يسوع للتلاميذ، فإننا نجد فيها المبادئ التالية:
1- علينا أن نقترب إلى الله بمهابةٍ وخشوع: نتعلّم من عبارة "الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" بأننا لا نتقدم إلى أب أرضي محدود القدرات أو الوجود، بل نحن نتقدم إلى خالق كل ما في الوجود. نحن نتقدم إلى الله الذي خلقنا على صورته (تكوين 26:1). لذلك علينا أن ندرك دائمًا بأننا عندما نصلي، فإنما نحن نقف أمام رب كل الوجود، وبأن علينا أن نتقدم خاشعين له ونعطيه كل المهابة والمجد اللّائق به وحده.
2- علينا أن نتقدم إلى الله بوقار: إن عبارة "لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ" فريدة وخاصّة بشخص الله، ولا يمكن إطلاقها لغير الله. صحيح أن الله قدسنا وفرزنا عن العالم ودعانا لخدمته، ولكن في الصلاة نتذكر أن الله وحده القدوس الخالي من أي عيب أو نقص أو خطية. الله منفصل بالكامل عن الشر، ويريد أن نتقدّس بقداسته بتوبتنا وحياتنا المكرّسة له.
3- علينا أن نتقدم إلى الله باحترام: تذكرنا عبارة: "لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ" بأن نكون صادقين في صلواتنا وأن نبتعد عن الرياء. فهل يمكن لنا أن نطلب مجيء ملكوت الله من غير أن لا نعمل أيَّ شيء لخدمة الملكوت؟ بل نعيق تقدُّم الملكوت في العالم بسبب كسلنا وخطايانا!
4- علينا أن نتقدّم إلى الله بتفانٍ: في طلبنا قائلين: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ"، نحتاج أن نتذكّر بأن مشيئة الله ستتم سواء صلّينا وطلبنا ذلك من الله أو لم نطلبه. وللأسف الشّديد، نجد في الحياة العمليّة بأنه ليس جميع المؤمنين يعيشون بحسب مشيئة الله... علينا أن ندرك بأننا لن نرى إتمام مشيئة الله في حياتنا إن لم يملك الله علينا كل يوم. يجب أن يكون الله الرّب والسيد على حياتنا، وعلينا أن نخدم ملكوت الله، ونخضع إرادتنا بالكامل وبحرية لإرادة الله ومشيئته.
5- علينا أن نتقدم إلى الله بتواضع: لاحظنا أن الصلاة حتى الآن تتعلق بموقف القلب الداخلي من الله، وتوقير الله. أما الآن فيبتدئ الجزء من الصلاة المختص بعلاقتنا الشخصية بالصلاة. في قولنا: "خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ"، علينا أن نتذكر بأن الله لا يريد للمؤمنين به أن يكونوا فقراء أو معوزين. ولكي نكون مستحقين أن نطلب حاجاتنا الشخصية واليومية من الله، علينا أوّلًا أن نخضع مشيئتنا وإرادتنا لله.
نقرأ في سفر 2أخبار 7:1 أن الله تراءى لسليمان وقال له: "اسْأَلْ مَاذَا أُعْطِيكَ." أي أنّ الله أعطى الملك سليمان الحق والحرية أن يطلب أي شيء. وكان بمقدور سليمان أن يطلب المجد، والأراضي، والقصور، والمال، والجمال، وازدياد اتساع رقعة مملكته. أي كان بمقدوره طلب حاجات شخصية كثيرة ومتنوّعة، ولكنه لم يطلب سوى إرادة الله عن طريق الحكمة في إدارة مصالح شعب الله. فقد طلب قائلًا: "فَأَعْطِنِي الآنَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً لأَخْرُجَ أَمَامَ هَذَا الشَّعْبِ وَأَدْخُلَ." لقد أراد الحكمة في قيادة الناس حسب مشيئة الله، وبسبب ذلك باركه الله بكل الأمور الأخرى كما نقرأ في الآيتين 12،11 "مِنْ أَجْلِ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي قَلْبِكَ وَلَمْ تَسْأَلْ غِنىً وَلاَ أَمْوَالًا وَلاَ كَرَامَةً... بَلْ إِنَّمَا سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً تَحْكُمُ بِهِمَا عَلَى شَعْبِي الَّذِي مَلَّكْتُكَ عَلَيْهِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً وَأُعْطِيكَ غِنىً وَأَمْوَالًا وَكَرَامَةً لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا..."
6- علينا أن نتقدم إلى الله بالشّكر: في عبارة "وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا." علينا أن نتذكر أن الخطيّة عبء ثقيل وحمل مرهق، وبالتالي إن لم نتعامل مع هذا الحمل ونتخلص منه، فلن يكون بمقدورنا أن نصبح مسيحيين فعّالين في حياتنا الروحية وفي خدمتنا لله. ويجب أن يدفعنا التخلص من عبء الخطيّة إلى شكر الله على الخلاص والغفران. كذلك يجب أن يدفعنا الحصول على الراحة والغفران إلى مسامحة من يسيء إلينا.
علّمنا الرّب يسوع في لوقا 28:6 قائلًا: "صَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ." فهؤلاء الذين يسيئون إلينا ويذنبون بحقنا بحاجة إلى أن نرفعهم لله في صلواتنا، مسامحين إياهم من كل قلوبنا على كل ألم تسببوا به، وطالبين من الله أن يقودهم في دروب الخلاص.
7- علينا أن نتقدّم إلى الله بروح طلب الغفران: لا يمكن لله أن يدفع بأي إنسان إلى الخطيّة، بل الذي يغوينا ويجعلنا نخطئ هو الشيطان. لذلك عندما نصلي قائلين "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ" يجب أن نتابع ولا ننسى بقية هذا الطلب "لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ." التجربة تؤدي في الغالب إلى السّقوط في الخطيّة، والسّقوط يحتاج إلى غفران. التجربة غالبًا تقضي إلى امتحان إيماننا، فهل أثبت أمام إغراءات الخطيّة المختلفة أم لا؟ هل أرتكب خطية بسبب حاجة جسدية معيّنة تلحّ عليّ؟ نقرأ في رسالة يعقوب 13:1 "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، لأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا." فالمُجَرِّب الحقيقي هو الشيطان، والتجربة عادة تحمل بصمات إنسانية تبيّن ضعف الجنس البشري كما نقرأ في 1كورنثوس 13:10 "وَلَكِنَّ اللهَ أَمِينٌ الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا."
8- علينا أن نتقدم إلى الله بوعي وإدراك: نعود إلى عبارة "لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ"، لكي نتذكّر دائمًا بأن الشرير، أي إبليس أو الشّيطان هو عدونا الأول والأخير والوحيد. وعلينا أن نصلي بحرارة وبوعي لهذه الحقيقة لئلا نصبح عبيد أفكارٍ ومواقف خاطئة في حياتنا. والواقع أن الشّرّير هو مصدر كل شر في العالم مثل الحروب، والفقر، والألم، والمرض، والموت. بدون العلاقة الصحيحة مع الله في الصلاة فإننا لن ندرك مقدار الشر الكامن في الخطيّة. فالخطيّة شر من الشرير.
9- علينا أن نتقدّم إلى الله بإقرار العاجز المحتاج: نطق الرّب يسوع في متى 13:6 بعبارة تتوّج وتنهي الصلاة الرّبانية، وهي غير مذكورة في بشارة لوقا. وهذه العبارة المشجّعة لنا تقول: "لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ." يستحق الله أن نقدّم له ما يليق به. فنحن البشر الضعفاء والمحدودين علينا أن نعترف بأننا مساكين وعاجزين، وأن الأمر كله يتعلّق بالله رب الخليقة كلها. فالله بقوته يعطينا كل ما هو ضروري لحياتنا. وهو وحده يستحق كل المجد، وهو الذي يعطينا السلام والأمان.
10- علينا أن نتقدم إلى الله صادقين: اسأل نفسك لماذا تصلي إلى الله؟ فنحن كبشر نخطئ دائمًا لأننا نصلي إلى الله بدافع أناني وهو الحصول على احتياجاتنا الشخصية. فنحن لا نقول إن الله سدد حاجاتي، أو أن الله سيّر أموري. وكثيرًا ما ننسى أن الله، خالق ورب السماء والأرض، يتوقّع منّا عمل الكثير: فهو يريد أن يعرف بأننا نحبه. ويريد أن نخدمه بصدق. الله يريد أن يباركنا، ولكنه يتوقّع منّا في المقابل أن نطيعه ونخدمه عاملين مشيئته. نحتاج في الصلاة أن نستمع إلى ما يريد الله أن يقوله لنا، لا أن نتكلم دون أن نتيح الفرصة لله أن يكلمنا.
يريد الله منّا أن يكون لدينا الموقف القلبي الصحيح في الصلاة والإقرار بسلطانه ومجده وقدرته وملكوته. وهذا الإقرار في النهاية هو لخيرنا لأن الله يحبنا ويريد لنا الأفضل.
علينا أن نصلي لله بقوة وحرارة متذكّرين أن نتقدّم إلى الله بمهابة، وخشوع، ورقّة، ووقار، واحترام، وتفان، وبتواضع، وبالشكر، وبروح الغفران، وبوعي وإدراك، وإقرار العاجز المحتاج وبصدق وأصالة. فهل نصلي يوميًا؟ هل نقيم علاقة صداقةٍ حميمية مع أروع صديق في الوجود، ربنا يسوع المسيح له المجد؟