Voice of Preaching the Gospel

vopg

القس يعقوب عماريما أكثر الأوهام التي تتسلل إلى أفكار الناس وتعشش في صدورهم فيتناقلها الناس فيما بينهم لتصبح من كثرة تداولها وتكرارها وكأنها حقيقة!
وهنا أقول إن طبيعة حياتنا الاجتماعية في بلدان الشرق مع كل ما فيها من إيجابيات كالطيب، والتآلف، والنخوة، وعزة النفس، وحسن الضيافة، والكرم.

إنما موضوع انتشار الأوهام والشائعات المغرضة واستقبالها وتصديقها على علاّتها دون فحص، فهذه عملية تستولي على قطاعات كبيرة في مجتمعاتنا. وكثيرًا ما يتجنّد البعض منا لترويج الشائعة بحماس شديد. صحيح أن الناس في الشرق والغرب متساوون متشابهون في العديد من نواحي الحياة، ولكن في هذا البند بالذات فأهل الغرب أكثر اعتدالًا منا، فهم إن لم يقتنعوا بالشيء بأسلوب علمي محقق لا يتداولونه إلى أن تثبت صحته. وحتى لو ثبتت الشائعة لا يتحمّس الكثيرون لنقلها أو التحدّث عنها فهم عادة يتحاشون التدخّل في شؤون الآخرين.
أما نحن فنسمع الشائعة ونروّجها بحماس وكأنها حقيقة ولا ننسى أن نضيف عليها بعض الاجتهادات، وهذه ما نسميها شعبيًا "تَمْليحَة" فتصبح الشائعة مع التمليحة في ذهن من يسمعها حقيقة مؤكدة يقوم هو الآخر بترويجها كما يشاء.
وكلما مرت الشائعة وتمليحتها على مجموعة من الناس تمدّدت واتّسعت سيما عندما يتلقفها انتهازيون مغرضون يرون في التشويش وسيلة لخدمة مصالحهم.
أذكر أني كنت يومًا في بلد عربي معين حين انتشرت شائعة بين المواطنين مفادها أن اثنين من موظفي المؤسسة التلفزيونية هربا بسبب ارتباطهما بعلاقة مشبوهة مع دولة معادية وحصل حينها أنهما كانا خارج البلاد في مهمة رسمية، الشيء الذي أكد المقولة وأيدها فشاع الخبر في كل مكان حتى أني شخصيًا تأثرت بالشائعة وصدقتها - فأنا شرقيّ أيضًا - والشائعة تجد أحيانًا عندي مكانًا. وما هي إلا أيام حتى عاد الرجـلان مـن المهمة الرسمية التـي قامـا بها فأستأنف كل منهما عمله الإذاعي في البرامج التلفزيونية كالمعتاد فسقطت الشائعة دون جهدٍ أو إعلانٍ من أحد.
لاحظت اليوم وأنا أتفكر في موضوع الإشاعات المغرضة آية في سفر الأمثال الأصحاح العاشر تقول: "من يُخفي البغضة فشفتاه كاذبتان ومشيع المذمة هو جاهل." ثم تليها آية تقول: "كثرة الكلام لا تخلو من معصية، أما الضابط شفتيه فعاقل. شفتا الصديق تهديان كثيرين أما الأغبياء فيموتون من نقص الفهم."
هذا الحديث، لم يأتِ من فراغ. فقبل شهرين من الزمن وصلتني رسالة كان لها طابعٌ خاص مليء بالمغالطات والأوهام، وتتحدث عن المسيحية وعقائدها بطريقةٍ مزرية، وكأن كاتب الرسالة كان يعيش في مغارة معتمة لا يدخلها النور، تتراءى له أشباح في الظلام وتوحي له بأمور غريبة لا وجود لها في المسيحية إلا في مخيلة الشيطان والأبالسة - أو كان كاتب الرسالة يعيش في كوكب آخر - فبسبب بعده الشاسع عنها يتخيل فيها ما يتخيله الناس في قصص الصحون الطائرة وما يلفُّ بها من غموض وإبهام.
كتبت لي إحدى الأخوات المستمعات لبرنامج إذاعي أذيعه رسالة غاضبة قالت فيها:
"إن أعصابي لا تتحملني وأنا أستمع لكم. لا أعرف من هو هذا الراهب يعقوب عماري أهو شيطان أم ماذا؟ أما أنا فابتسمت لهذين الوسامين الجديدين "راهب وشيطان" - الراهب لا يتزوج أما أنا فمتزوج بامرأة واحدة ولي ثلاثة أولاد. ثم قالت الأخت من بين ما قالته: أستغرب أنك تنطق العربية بهذه الفصاحة الفذة ولست مسلمًا! فابتسمت ثانية لهذين الوسامين الحقيقيين وأنا أعتز بهما فأنا أولًا عربي أعتز بعروبتي ثم أنا مسيحي أعتز بمسيحيتي والحمد لله. ثم قرأت رسالتها للمرة الثانية فثار الدم في عروقي وقلت: طاب الموت يا عرب، وشمرت عن ساعدي وجلست على طاولتي وأمسكت قلمي وكتبت لها رسالة بسبع صفحات، علمت بعدها أنها وصلتها، ولاحظت في ردها التالي أن شدة الحدة قد خفَّت، أتمنى أن تعود للمراسلة بحوار هادئ ولها مني كل الاحترام والتقدير.
سألني أحدهم يومًا: هل أنت مسيحي؟
قلت: نعم والحمد لله.
قال: أراك تتحدث العربية بطلاقة، فهل ولدت في بلدٍ عربي؟
قلت: وماذا تعني؟ فأنا عربي.
قال: عوذة! أعربي مسيحي؟
قلت: ولما لا يا هذا؟
قال: كيف يكون هذا؟ المسيحيون ليسوا عربًا!
فقلت: خدعوك فقالوا!
قال: ماذا تعني؟
فقلت: أما قرأت التاريخ يا صاحبي؟ أما سمعت عن عنترة ابن شداد أنه مسيحي، وعن حاتم الطائي وعن امرئ القيس وعن الأخطل؟ وهل سمعت بالأعشى شاعر بني تغلب، وبزهير ابن أبي سلمى أحد شعراء أصحاب المعلقات، وكليب ابن أبي ربيعة والمهلهل؟ فكل هؤلاء مسيحيون عرب. ثم أما سمعت بمشاهير الشعراء والأدباء السوريين واللبنانيين الذين أثروا تاريخ الأدب العربي الحديث، فشكلوا الرابعة القلمية في بلاد المهجر ومنهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي وخليل مطران وغيرهم. وهناك أيضًا مي زيادة وجورج زيدان فكل هؤلاء شعراء وأدباء مسيحيون عرب أخلصوا لأوطانهم وعروبتهم واعتزوا بمسيحيتهم.
في الوطن العربي اليوم، يا صديقي، أكثر من عشرين مليون مسيحي عربي، مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات كغيرهم ويعيشون في بلدانٍ عرفت كيف تعيش مبدأ التعددية والحرية الدينية وهؤلاء أثروا أوطانهم بإخلاصهم وبعلمهم وثقافتهم ومواهبهم وحسن انتمائهم لعروبتهم وأوطانهم، فالدين لله والوطن للجميع.
وهنا غادر صديقي دون أن يطرح السلام وبقيت الحيرة تلفُّ وجهه، ولكن قبل أن يبتعد وقف والتفت إلى الوراء وقال بحدَّة:
"اعذرني طال عمرك! هذه معلومة لا أدري عنها. لكن ليه هم يخفون عنا كل هذا؟" وكنا حينها نقف بسياراتنا في محطة للبنزين في البرية، فقلت له ثانية: "خدعوك فقالوا!"
فهز رأسه بالإيجاب وركب سيارته ومضى.
هذه صورة من صور التعتيم تُستغبى في ظلالها عقول الناس وتُشيع بينهم المعلومة الخاطئة كي يبقوا تحت مستوى خط الجاهلية القديمة بدرجات. وفي أجواء كهذه تروج الشائعات عن مبادئ ومعتقدات الغير بصور بشعة لا تستند إلى الحقيقة بشيء ولا يسمح للرد عليها إعلاميًا لأن التعتيم هادف ومخطط له، وينسى من هم وراءه أن العالم صغيرٌ اليوم أمام وسائل الإعلام التي تشقّ طريقها بيسرٍ لتكشف الحقائق وتناقش عقول الناس وضمائرهم، فمن شاء عرف الحق والحق يحرر. وبالحق تستنير القلوب، وتستريح النفوس، وتعود البسمة ترتسم على الوجوه الكئيبة التي تشعر بالضياع.

المجموعة: آب (أغسطس) 2018

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

182 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10627267