"توكّلوا عليه في كل حين يا قوم. اسكبوا قدامه قلوبكم." (مزمور 8:62)
ما أقوى هذا التعبير الذي يشير إلى عمق روح الصلاة والشركة مع الله! إنه يفتح آفاقًا جديدة، ويحمل لنا معاني جديدة مباركة للصلاة.
فعندما يدخل المؤمن إلى عرش النعمة وقلبه ممتلئ من العواطف والآمال، ومن الشكر والطلبات، هناك ينفتح القلب وتنسكب هذه كلها في حضرة الله.
ينسكب الشكر والحمد لإلهنا كناردين خالص يملأ الجو برائحته الجميلة وعبيره العطر، إذ يتغنّى المؤمن بجميل إلهه ويذكر حسناته، فيقول مع المرنم:
"فاض قلبي بكلام صالح. متكلم أنا بإنشائي للملك. لساني قلم كاتب ماهر." (مزمور 1:45) أو يردد مع من أنشد:
"باركي يا نفسي الرب، وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس." (مزمور 1:103)
بل قد ندخل إلى حضرة إلهنا والقلب مثقّل بالهموم، وممتلئ بالمخاوف والمشغوليات، وهناك نسكب همومنا وارتباكاتنا ومشغوليتنا أمام الرب، كما فعلت حنة أم صموئيل. عندئذ نخرج من حضرته ولا يعود الوجه مكمدًّا فيما بعد، بل تنفرج الأسارير، وترتسم البسمة على الشفتين، ويحلّ الفرح محلّ الهم، إذ نطرح على الرب الهمّ، ونستريح على شخصه كمن يحمل حملنا ويهتم بأمورنا لأنه وعد أن يفعل ذلك.
وقد ندخل أحيانًا إلى المقادس والقلب ممتلئ من الخطايا والضعفات وعدم التدقيق في الحياة، وما أشدّ ما يكون القلب مثقلاً بالكآبة في هذه الحالة! ولكن حالما نسكب اعترافاتنا عند قدمي الفادي، ونحدّث السيد بصراحة كاملة فلا نخفي عنه شيئًا، ونشكو له ضعف طبيعتنا البشرية، ومحاربات العالم والشيطان، ونضع القلب الملوّث المنجس تحت تأثير الدم حتى يتطهّر، ونصلي ونسكب قلوبنا قدامه، كي يتغاضى عن عيوبنا وينقي القلب والحياة؛ عندئذ يتنازل إلينا مخلصنا ويسامحنا، ولا يعود يذكر خطايانا وتعدياتنا فيما بعد.
بل إننا قد ندخل إلى حضرة الرب وقلوبنا مفعمة بعواطف والحنين والأشواق المقدسة إلى شخصه. فالقلب المتعب من العالم، ومن البشر، ومن أنفسنا يحنّ إلى ذاك الذي فيه راحتنا وسلامنا وسرورنا. هناك نسكب قلوبنا قدامه، نسكب هذا الحنين، ونحدثه عن مقدار اشتياقنا إليه الذي يشبه اشتياق الإيل إلى جداول المياه. وقد يكون هذا السكيب في أنات متصلة تتصاعد من الروح القدس الذي يصلي فينا، أو قد يكون من خلال دموع تنحدر من مآقينا، أو على هيئة هتاف وتمجيد يتصاعد كبخور طيب أمام فادينا.
آه! ما أحلى أن ينسكب القلب أمام الله!
هل اختبرت هذه الحالة أيها المؤمن؟