Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور صموئيل عبدالشهيدلا بدّ لي قبل أن أدخل في صلب هذه المقالة أن ألقي بعض الأضواء على خلفية الدروس البليغة التي يمكننا أن نتلقّنها من موقف أبطال هذه الحدث الذي سجله لنا الوحي الإلهي في سفر الملوك الثاني، الأصحاحين السادس والسابع.

ففي هذه الخلفية تتضح لنا الصورة الحيّة التي يجب أن تتّسم بها مواقف المؤمنين العملية مهما كانت الظروف التي نمرّ بها مريعة أو عسيرة.
يحدثنا هذا الأصحاح عن قصة حصار الأراميين لمدينة السامرة في عهد الملك يهورام. ومن الجلي أن هذا الحصار قد أسفر عن فواجع رهيبة أهمها الجوع حتى بلغ ثمن "رأس الحمار ثمانين من الفضة." (25:6) بل تفاقم الأمر إلى حدٍّ أن الأم أكلت طفلها (28:6-29). وعندما علم الملك بهذه المأساة "مزّق ثيابه وهو مجتاز على السور." (ع 30) فالحالة كانت مزرية تدعو إلى اليأس.
غير أنه في خضمّ هذا الوضع المرعب القانط كان في المدينة رجل واحد لم تفزعه هذه الأحداث على الرغم من علمه أن ما نزل في مدينة السامرة من ويلات كان جزءًا من دينونة الله عليها لشرّها وعبادتها للأصنام. كان هذا الرجل هو أليشع النبي. ويجدر بي هنا أن أقتبس ما ورد في هذا الأصحاح من نبوءة عما سيحدث في اليوم التالي. قال أليشع للشيوخ الذين كانوا معه في منزله: "«اسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ. هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: فِي مِثْلِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا تَكُونُ كَيْلَةُ الدَّقِيقِ بِشَاقِل، وَكَيْلَتَا الشَّعِيرِ بِشَاقِل فِي بَابِ السَّامِرَةِ.» وَإِنَّ جُنْدِيًّا لِلْمَلِكِ كَانَ يَسْتَنِدُ عَلَى يَدِهِ أَجَابَ رَجُلَ اللهِ وَقَالَ: «هُوَذَا الرَّبُّ يَصْنَعُ كُوًى فِي السَّمَاءِ! هَلْ يَكُونُ هذَا الأَمْرُ؟» فَقَالَ: «إِنَّكَ تَرَى بِعَيْنَيْكَ، وَلكِنْ لاَ تَأْكُلُ مِنْهُ.» (1:7-2)
هذه هي الخلفية العامة لهذا الحدث الفاجع الذي ألمّ بمدينة السامرة. كان ظل الدمار والموت يخيّم عليها، والجوع يتأكّلها، والرعب يجوس في طرقاتها، ولكن صوتًا واحدًا ارتفع في ظلمات الهلاك يحمل وعدًا بالخلاص.
وهنا أنتقل بكم إلى ساحة المعركة التي كانت تحمل في مصطرعها مصير السامرة.
ففي ذلك اليوم، كما يبدو، أسمَعَ الرب جيش الأراميين "صوت مركبات وصوت خيل، صوت جيش عظيم. فقالوا الواحد لأخيه: [هوذا ملك إسرائيل قد استأجر ضدّنا ملوك الحثّيّين وملوك المصريين ليأتوا علينا.] فقاموا وهربوا في العشاء، وتركوا خيامهم، وخيلهم، وحميرهم، المحلة كما هي، وهربوا لأجل نجاة أنفسهم."
غير أن الوحي الإلهي لم يتوقّف عند هذا الفصل الأخير من هذه المعركة، لأنه كانت هناك فصول أخرى لا بدّ أن تسجّل، هي في رأيي، أهم بكثير من خاتمة المعركة، وهو ما حدث في مخيّم البُرص الذين كانوا منبوذين خارج المدينة.
كانوا أربعة رجال برص، انقطع عنهم المأكل والمشرب، فهم لا يستطيعون الدخول إلى المدينة، ولا يستطيع أحد أن يخرج إليهم من جراء الحصار، فاستقرّ رأيهم على المجازفة والانسلال إلى محلة الأراميين، ولو كلفهم ذلك حياتهم، فهم على كلا الحالتين مائتون. وهنا تحدث المفاجأة التي لم يتوقّعوها. فعندما أقبلوا إلى معسكر الأراميين وجدوه خاليًا ومهجورًا. لا ريب أن الدهشة قد استولت عليهم في بادئ الأمر، ولكن كما يقول الكتاب: "وجاء هؤلاء البرص إلى آخر المحلة ودخلوا خيمة واحدة، فأكلوا وشربوا وحملوا منها فضة وذهبًا وثيابًا ومضوا وطمروها." (ع 8) وكذلك فعلوا في الخيمة الثانية. وفجأة استيقظ ضميرهم، ثم قال بعضهم لبعض:
"لسنا عاملين حسنًا. هذا اليوم هو يوم بشارة ونحن ساكتون، فإن انتظرنا إلى ضوء الصباح يصادفنا شر. فهلم الآن ندخل ونخبر بيت الملك." (ع 9) وهنا علينا أن نتأمل بشيء من الإيجاز والعمق في موقف هؤلاء البرص الذين كانوا يعانون من قسوة الظروف المهينة.
فمنذ اللحظة التي استيقظ فيها ضميرهم الذي طغى عليه القنوط، اعتراهم تغيير مدهش دعاهم لاتّخاذ موقف جديدٍ في نظرتهم إلى الحياة وإلى الأحوال التعسة التي يعيشون فيها، لأن هذه اليقظة ولّدت فيهم:

أولاً، التحرّر من الأنانية
كان كل همهم في مستهل أمرهم أن يسددوا حاجاتهم الراهنة من مأكل ومشرب؛ وما أن حظوا بما يشتهون، انهمكوا في نهب الذهب والفضة مع أنهم لم يكن لهم بها حاجة. ولكن يقظة الضمير نخزتهم في قلوبهم وأدركوا أن ما أقدموا عليه هو بدافع الأنانية الذاتية إذ كانت مدينة السامرة قد أنهكها الجوع والعطش والخوف، وها هي الأطعمة والغنائم مكدّسة أمام أعينهم من غير أن يعلموا بها. وفي هذه المرّة توقَّف الرجال البرص عن النهب إذ أدركوا أن عليهم أن يتحرروا من أنانيتهم لأن في مدينة السامرة الأهل والأقرباء والأصدقاء، والأطفال والمدافعين عنها، يكادون أن يموتوا من الجوع والرعب. كفوا آنئذ عن النهب، وتنبّهت أرواحهم التي انتابتها الأنانية واعتراهم الشعور بالذنب والخوف من عقاب الله. عندئذ اتخذوا قرارًا جماعيًا في القضاء على الأنانية.

ثانيًا: حمل المسؤولية
وتلت عملية التحرر هذه خطوة تحمّل المسؤولية. لم يتوقفوا عن النهب فقط، فقد عزموا على تبليغ بشارة النجاة من حصار العدو، وإزجاء البشارة إلى الملك وأهل المدينة بهروب العدو - مع أن أسبابها كانت مجهولة لديهم – وتوافر الطعام والماء وأعتدة الحرب، ومركبات القتال والخيول والحمير، والذهب والفضة، وفي هذه جميعها بشارة مفرحة تنقذ المدينة من مصيرها المشؤوم المحتّم. لقد تخلّوا عن ذاتيتهم في تلك اللحظة، وتجرّدوا من كل أنانية، وعمدوا إلى إشاعة الخبر السار لتلك المدينة التي تكاد أن تصبح أنقاضًا. لم يدرٍ هؤلاء أن ما حدث للأراميين كان إتمامًا لنبوءة أليشع، وأن كل ما حدث كان من فعل الخطّة الإلهية. وعلى الرغم من جهلهم بما صنع الله، أسرعوا إلى المدينة ليزفّوا لها البشائر.

ثالثًا: تنفيذ المسؤولية
لم تكن المعرفة بما أصاب الأراميين كافية، لأن المعرفة التي لا تتحوّل إلى عملٍ لا تُجدي نفعًا. إن هؤلاء البرص، أدركوا أن السكوت عن زفّ البشارة هو خطيئة بل شر، فأسرعوا إلى المدينة ليطلعوا بيت الملك عما شاهدوه في محلة الأراميين، قائلين: "إننا دخلنا محلة الأراميين فلم يكن هناك أحد ولا صوت إنسان، ولكن خيل مربوطة وحمير مربوطة وخيام كما هي." (ع 10)
لقد تعذّر على الملك ورؤساء الجيش تصديق ما أخبر به هؤلاء البرص، وظنوا أن هناك مؤامرة حاكها الأراميون لكي يستدرجوا أهل المدينة والمدافعين عنها إلى خارج الأسوار ثم يهاجموهم فجأة ويقضوا عليهم. ولكن بعد أن تحققوا من صحة الخبر ورجع الرسل من تقصِّي أحوال الأراميين "فخرج الشعب ونهبوا محلة الأراميين. فكانت كيلة الدقيق بشاقل، وكيلتا الشعير بشاقل حسب كلام الرب." (ع 15)
يا له من درس بليغ نتعلمه من هؤلاء البرص الذين اتخذوا مثل هذا الموقف المجيد على الرغم مما قاسوه وعانوه من أحوالٍ تمزّق القلب. ولكنهم إذ تحرّروا من أنانيتهم، وهذا ما يفعله فداء المسيح في نفوسهم، وَعُوا حقيقة مسؤوليتهم، وابتدأوا على التوِّ يكرزون ببشارة الخلاص من قبضة العدو، على الرغم من أنهم من المنبوذين والمشرّدين. وهكذا يحدث لنا عندما تغمرنا محبة المسيح، وتنبض قلوبنا بالشكر والولاء له، فإننا نسرع لربح النفوس وإنقاذها من الحصار الروحي، والجوع النفسي، والعذاب الأبدي إذ كيف يسمعون بلا كارز!
أجل، لقد هرب العدو بفعل إلهي، ونكص على عقبيه، ونجا سكان مدينة السامرة. أليس من الجدير بنا نحن الذين اختبرنا نعمة المسيح أن نجاهد بقوة الروح القدس لكي نوصّل بشارة الفداء إلى نفوس المضلَّلين المحكوم عليهم بالدينونة الإلهية العادلة؟

المجموعة: آب (أغسطس) 2018

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

439 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577466