Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخت أدما حبيبيشبابٌ يُقتلون، وآخرون من أجل فديةٍ ماليةٍ يُخطفون ويُعذّبون. وتُزهق أرواحٌ، وأطفالٌ يُشرّدون وكبارٌ يلجأون عساهم يجدونَ مأوىً أو ملجأ يحميهم من هذا الواقع المجنونْ. تقع القذائف على المباني والسطوح فيدفع الثمنَ الأهلون العُزّل، ويَلقى المواطنون حتفهم، ويزداد المنتحِبون.

وتدوي صرخةٌ في الحي، هي صرخةُ أمٍ ثكلى لتزفَّ ابنها العريس لكن دون عروس، لأنَّ عرسه سيكون بين القبور. فقد انضم الابن الشهيد المسكين إلى زوجها وأولادها السابقين، وهي لا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين!
والذين يموتون هم أكثر من الذين يعيشون. لأنَّ الذين يعيشون يموتون هم أيضًا موتًا بطيئًا لكثرة ما يخافون ويقلقون ويرتعبون. وفي خضمّ الحروب والويلات والمآسي البشرية المتكررة في كل يوم في ما يُقال عنها "الأوطان"، لم يبقَ في الظاهر إلا هؤلاء ذوو القلوب السوداء التي كشفتها الظروف على حقيقتها. أجل، لم يظلّ سواها تلك التي استغلَّت، واستفادت، وارتفعت، وعلت إلى فوق على حساب الضعفاء. تلك النفوس المريضة التي راقت لها الظروف وحالة الفوضى وانتفاء قانون، فدعستْ على كل مَن وقف في طريقها لتصلَ إلى أعلى القمم. نعم، القلوب السوداء كُشفت على حقيقتها بكل وضوح وجلاء. ولم تعد تهتم بالآخر فهو إن عاش أو مات على حدٍّ سواء! هؤلاء هم أثرياء الحروب وتجار السلاح. هؤلاء هم المستفيدون والأنانيون.
وماذا نقول عن عالم الصغار في هذه الأجواء الحامية؟ الذي صار عالمًا مشرّدًا ضاعوا فيه عن عالم الكبار! وبات الأولاد الصغار يلتقون فيه معًا عند حاويات القُمامة، علّهم يجدون ما يسدّون به رمقهم في أيام ظالمة قاتمة حرمتْهم من لقمة العيش وكسرة الخبز النادرة. ماذا نقول عن أطفال أصبحوا أيتامًا فقدوا أباهم وأمهم إما بقذيفة عشواء، أو بانهيار مسكنهم الآمن فوق رؤوسهم، فهرعوا من الخوف والذعر وطافوا بالشوارع حُفاةً عراة، يفتشون عن سبل العيش المرّة في ظروف أكثر مرارة. وماذا عن أطفال آخرين ضاعوا عن والديهم، وصارت صورهم معروضةً على صفحات التواصل الاجتماعي عسى أن يتعرَّف عليهم أحدٌ من ذويهم؟ أو فلان من الناس في هذا الوطن أو تلك الأوطان!
نعم، هذه هي مآسي الحروب في ما يسمّى بالوطن والأوطان. هذا الوطن الذي يجب أن يكون أول صفاته تأمين السلم والأمان لمواطنيه. لقد خان الوطنُ مواطنيه وأهلَه الذين صاروا كلُعبة يعبث بها القريب والغريب، تمامًا كما خان الجار جاره، والقريب قريبه، ويا أسفي على الإنسان الذي يعيش في هكذا أوطان، لأنه فقد فيها قيمته، وحقَّه في الحياة الحرّة الكريمة، وأضحى ضحيةً بين أيدي الكبار يتاجرون به وبمصيره على مرأىً من العالم، والعالم كلُّه يتفرج ويصمت!
تلتفت المرأةُ الشابة إلى طفلها فتجده أصفر اللون شاحبَ الوجه، بسبب نقص الغذاء وندرةِ الدواء. ليس هذا فحسب، بل الوطن الذي تعيش في كنفه وتحت ظلِّه، لم يقدر أن يردَّ لها زوجها المفقود الذي لم تعرف عنه شيئًا. أهو في عِداد الموتى؟ أم في عِداد الأحياء، لم تعدْ تدري؟ وماذا عن النساء اللاتي بِعنَ أنفسهن حتى يجلبن الحليب لأطفالهن والطعام لأولادهن! أما أخريات من الفتيات الشابات فقد قُدِّمنَ هدايا لأمراءَ هنا ورجال أعمال هناك مقابل مبالغ طائلة من المال، عسى الحياة تستمر عند باقي أفراد العائلة. وماذا نقول عن الدمار والخراب الذي لم يوفر منزلًا أو بناء أو شارعًا أو مدينة! فأسلحة الدمار طالت الإنسان المواطن أينما كان وحيثما حلّ وكيفما تحرّك. حتى قضت على وجوده وبيته ومكان رزقه.
نعم هذه هي الحروب، وتلك هي مآسي البشر فيها، وويلاتها وصرخاتها الموجعة وآلامها المريرة نراها ونسمعها في كل يوم سواءً في عيون المواطنين، الكبير منهم كما الصغير، المرأة وكذا الرجل. نشاهدها أيضًا ممثَّلةً في مسلسلاتٍ يومية عرضَها التلفاز في أيام رمضان المنصرم. نعم، هذه كلُّها مشاهد حياتية حية لأنها مأخوذة من أرض الواقع قُدِّمت على شاشات التلفزيون وعرضَتها القنوات المختلفة. منها ما انتقى لمسلسل الرعب والخوف والقتل والدمار الذي عنوانه "فوضى" ومنها ما اختار أسماء أخرى تعبّر عن شخصياتٍ قاسية عنيدة، كقساوة الظروف الحالية. لا عجبَ فهي انعكاسٌ لواقع قاسٍ يسود فيه الموت. هذه الشخصيات فقدتِ الحسَّ والمشاعر الإنسانية، لأنها وليدةُ الحرب الشعواء. شخصيات تظهر بمظهر القوة والجبروت والسلطان والسيطرة.
أجل، وهناك أيضًا واقعٌ مريرٌ آخَر يعيشه مواطنون آخرون يُعتَبرون من الدرجة الثانية في وطنهم الأم الذي احتُلّ، مشابهٌ لواقع الحروب في أوطان أخرى - لكنَّه مستمرٌ ودائم - لما يجري فيه من ألم وقساوة وعذاب يومي. لا يستحي فيه الجندي المدجّجُ بالسلاح أن يعتدي على ولدٍ أعزل أمام عدسات المصورين، لماذا؟ لأنَّ الولد تظاهر ضد الظلم، وليعبِّرَ عن حقه المسلوب والمفقود في العيش الكريم. عن حقه في العيش خارجَ سجن مدينته المحاصرة. قام هذا الجندي بخنقِه بيديه القذِرتين وبقي مُصرًّا على إماتتِه وإسكاتِ صوته إلى الأبد. والناس يتفرجون والعالم ينظر بعينٍ واحدة لأنَّه يعيش ازدواجيةً لا مثيل لها. وعلى الرغم من انتشار الفيديو المسجّل للحدث على صفحات التواصل إلاَّ أنَّه لم يحرِّك ساكنًا لا عند دول العالم ولا حتى عند الرؤساء على طاولات الأمم المتحدة التي تنادي أو "تدّعي" بالحفاظ على حقوق البشر.
نعم، نعيش في عالم مخيف حقًّا، يسيطر عليه الحقد والكراهية والعنف والصراع، ويتألم الإنسان ويعيش معاناةً حقيقية تبدو وكأنها لن تنتهى. تُرى، هل من أملٍ في عالم البشر؟ هل من خلاص وإنقاذ من هذه الحالات الكارثية والمأساوية المتكررة في كل يوم؟ الصراع بين الناس والبشر ليس جديدًا يا قارئي، فإذا كانت الشهوة وحب الامتلاك، والمطامع والمصالح هذه كلُّها تؤدي إلى الخصومات على الصعيد الشخصي والعلاقات، فكم بالحري إذا ما سادت بين الدول؟ "من أين الحروب والخصومات بينكم؟ أليست من هنا: من لذاتكم المحاربة في أعضائكم؟ تشتهون ولستم تمتلكون. تقتلون وتحسدون ولستم تقدرون أن تنالوا..." (يعقوب 1:4) إن روحَ الحرب مذمومةٌ في الإنجيل حين قال الرب يسوع للذي استلَّ سيفه وقطعَ به أذن عبد قائد المئة: "ردَّ سيفك إلى مكانه. لأنَّ كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون!" (متى 52:26)
لقد يئس المواطن من وعود الكبار، ورأى بأمِّ عينه ما آلت إليه الأوطان. لذا يعلِّمنا الكتاب المقدس ويقول: "الاحتماءُ بالرب خيرٌ من التوكل على إنسان." (مزمور 8:118) لأنه هو الأعلى فوقَ كلِّ عالٍ ومتسلط. هو الملجأ والقوة وعنده يجد الإنسان راحته وحمايته: "الله لنا ملجأ وقوة. عونًا في الضيقات وُجد شديدًا. لذلك لا نخشى..." (مزمور 1:46-2) عنده يجد الإنسان راحته الحقة واطمئنانه وأمنَه وأمانَه الذي يتوق إليه.
ولكي يتمتَّع المواطن منا بالحياة حقًا، يدعوه الرب يسوع المسيح في الإنجيل بحسب يوحنا ويقول: "سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب." (27:14) هو الوحيد الذي يمكنه أن يمنح الإنسان سلامًا واطمئنانًا أولًا بيننا وبين الله الآب، لأنه هو سلامنا، وثانيًا بيننا وبين أنفسنا، وثالثًا بيننا وبين الناس، لأنه وحده ربُّ السلام ورئيسه: "ورب السلام نفسه يعطيكم السلام دائمًا." (2تسالونيكي 16:3) "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا... ويدعى اسمُه عجيبًا، مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًا، رئيسَ السلام." (إشعياء 6:9) هذا السلام الذي تحنُّ إليه الروحُ والنفس والأحشاء. هو وحده معطيه، ووحده صانعه، ووحده منشئه. هذا السلام الذي يصفه الرسول بولس بأنه يفوق كلَّ عقل: "وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع." (فيلبي 7:4)
فهل لا زلتَ، يا قارئي، تأملُ بالأمن والأمان، في عالم الإنسان؟ مهما تغيّرت الأوضاع التي يعيشها المواطن على هذه الأرض ومهما تحسَّنت، فسيبقى يبحث عن سلام حقيقي روحي يملأ كيانه الداخلي ويهدّئ من روع نفسه، منبعه ومصدره هو رب السلام ومانحه. دعانا الرب يسوع إليه وقال كلمات مطمئنة مشجعة في خضم عالم متقلب ومتغير: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم." (متى 28:11) فهل ترانا نلبي هذه الدعوة ونثق بوعده المقدس؟ عندها لا نعود نخشى ولو تزحزحت الأرض، أو انقلبت الأنظمة، وحتى لو خاننا الوطن، أو بيعَ الإنسان، لأنَّ حمايتنا هي في إلهنا الحي الذي به وحده نحيا ونتحرك ونوجد.

المجموعة: آب (أغسطس) 2018

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

217 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10625135