Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور القس إبراهيم سعيدنكرة بين الأيام، أضحى نارًا على علم الزمان.
يوم خفي عن الناس اسمه وعلى ممرّ السنين أضحت تسير بسيرته الركبان؟

لسنا ندري أكان هو رأس الأسبوع، أم خاتمته، لكننا نعلم أنه أضحى الآن على رأس السنين، وصار مركز التاريخ فأمسى تاجًا دريًا على هامات القرون.
كأن العناية الربانية أخفت عن الناس اسمه، لئلا يحتكر عظمته يوم واحد. فجعلت عظمته ملكًا مشاعًا لجميع الأيام، وصار من حق كل يوم أن يقول على توالي السنين: "أنا كنت ذلك اليوم."
ما أشبهه بالجندي المجهول، بل ما أشبه الجندي المجهول به، فلا يعرف اسمه أحد. لكن عظماء الأرض وقادتها، وينحنون أمام عظمة ذكراه، وينثرون الزهور على ثراه.
مثلما تطلع الشمس فتشق كبد اليوم إلى ليل ونهار، كذلك طلعت شمس ذلك اليوم فشقت قلب التاريخ إلى قسمين متميّزين: "قبل الميلاد" و"بعد الميلاد."
هذا يوم التاريخ – هذا هو يوم ميلاد المسيح.

في قرية وضيعة اسمها "بيت لحم" وفي نزل حقير يقال له "الخان"، وفي مكان وضيع في ذلك الخان يدعى "المذود"، وُلد المسيح.
لكن تلك المدينة أو الضيعة قد محت بأمجادها ذكر روما، وذلك الخان الحقير صار أرفع مقامًا من قصر نيرون، وذلك المذود الوضيع صار أعزّ من عرش شارلمان.
ضيف وضيع ما ألطفه!
في ساعة مجيئه إلى أرضنا، كانت أورشليم عاصمة اليهودية، غارقة في أحلامها، ولم يشأ هو أن يزعجها من مرقدها، فدخل أرضنا من باب إحدى القرى.
كانت أبواب القصور موصدة دونه. لأن ساكنيها كانوا في لهو ومرح، ولم يرغب هو في تعكير صفائهم، فتحوّل عن القصور وعبر.
كانت منازل الأوساط مزدحمة بساكنيها فلم يشأ أن يزحمهم، وهو من طبعه محب للسلام مبغض للزحام – فجاء إلى أرضنا من ذلك الباب المفتوح على الدوام – باب الفقر، فوُلد مسكينًا وعاش مسكينًا ومات في زمرة المساكين.
مثل الندى هبط أرضنا في سكون الليل، فجاء إلينا مع نسيم السحر، ومثل الندى عاش على أرضنا هادئًا وهانئًا، فلم ينتقم من أحد ولم يثأر.
ومثل الندى فارق أرضنا بعد أن أتمّ رسالته فلم يره إلا جماعة قليلة من بني البشر.
دخل أرضنا من أبوابها السفلى، فقلب الدنيا رأسًا على عقب إذ وضع تاجًا على رؤوس رعاة الأغنام، وزحزح التاج عن مفرق هيرودس الجبار الجبان. فسكتت الأرض وهتف جند السماء: "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة."
عند ميلاده لم يوجد سقف طاهر في الأرض ليظلله، فوُلد في مذود في العراء، وظللته قبة السماء. كانت خمرة اللهو والمجون قد لعبت بعقول البشر فانعقدت أجفانهم وناموا، فسهرت على ميلاده النجوم، والنجوم هي عيون السماء.
وُلد المسيح في مذود ليقدّس الفقر، وليرسم هالة من الشرف على جبين المساكين، فلم يعد الفقر فيما بعد جريمة الفقراء، بل جريمة الأغنياء على الفقراء، وجريمة الأغنياء على أنفسهم.
وُلد طفلاً فقدّس الطفولة. ووُلد من عذراء فرفع مقام المرأة وقدّس الأمومة. فلا عجب إذا كانت المرأة آخر من وقف عند صليبه، وأول من رحب به بعد قيامته.
إن يوم الميلاد قد جاء في أنسب الأوقات، فلو لم يولد فيه المسيح لوجب أن يولد في مثله، لأن القوات الثلاث التي كانت مهيمنة على العالم وقتئذ كانت ممهدة السبيل لقدومه.
فالرومان بسطوتهم السياسية، كانوا قد ربطوا ممالك الأرض بخيط حريري واحد – كدت أقول بقيد حديدي واحد – فمهدوا الطريق لذاك الذي جاء برسالة السلام لأمم الأرض قاطبة.
واليونان بثقافتهم وفلسفتهم، كانوا قد غمروا المسكونة بسحر لغتهم البديعة، فقدموا بلغتهم أجمل قالب أُفرغت فيه رسالة الإنجيل.
واليهود بحرصهم على تقاليدهم ونبوءاتهم مهدوا القلوب وأعدّوا الأذهان لانتظار مسيح يكسر جناحَي النسر الروماني الذي كان محلّقًا فوق رؤوسهم.
وفوق ذلك، فقد وقع يوم ميلاده في أحوج الأوقات إليه. فالرومان في سطوتهم لم يعرفوا شيئًا غير سحر القوة، فكان من المحتّم أن يأتي المسيح ليُري العالم وإياهم أن الرحمة قوة مقنعة، وأن القوة ضعف مقنع، وأن سلطان الحنان يفوق سطوة السيف والصولجان.
واليونان في ثقافتهم عبدوا الجمال ولم يعرفوا شيئًا عداه، فذبحوا الفضيلة في هياكله، فكان من الضروري أن يجيء المسيح ليُري العالم وإياهم أن الجمال المجرّد عن الفضيلة إنما هو جمال قبيح!
وكان اليهود ينتظرون مسيحًا أرضيًا يكسر عنهم نير قيصر بيد من حديد، فكان ينبغي أن يأتي الناصري الوديع ليبين للعالم:
أن لا عبودية أمرّ من عبودية الخطية، ولا حرية أثمن من حرية الحق والبرّ، ولا سلطان أعزّ من سلطان المحبة، ولا قوة أفعل من قوة التضحية والبذل لأجل الآخرين.

في يوم الميلاد تحققت آمال قديمة، وصحت أحلام لذيذة.
قديمًا، حلم بوذا بفردوس أرضي. لكنه عجز عن أن يهتدي إلى البذور الصالحة لفردوسه. فنادى بانعدام الشخصية ليكون الإنسان روحيًا. فجاء المسيح محققًا حلم بوذا ومحتفظًا لكل إنسان بشخصيته المعنوية، فهتفت ملائكة السماء يوم ميلاده: "المجد لله في الأعالي... وبالناس المسرّة."
وتخيّل كونفوشيوس فردوسًا أرضيًا آخر، لكنه عزّ عليه أن يصل إلى أصوله، فجاء المسيح محققًا حلم كونفوشيوس وأسس ملكوته على الحق، والرحمة والحنان.
ورأى الرواقيون فردوسًا آخر، فنادوا بوجوب التمسّك بالفضيلة، لتكون الدنيا سماء على الأرض. فجاء المسيح محقّقًا رؤى الفلاسفة الرواقيين، مناديًا أن لا قيمة للفضيلة ما لم يرها الناس متمثّلة في ذات حيّ، فقال: "أنا هو الطريق، والحق والحياة." فألف في هذه العبارة الموجزة ما بين الشرق والغرب اللذين قال فيهما كبلنج: "الشرق شرق، والغرب غرب. ضدان لا يلتقيان."
فالشرق المتعبّد بطبيعته، يفتح عينيه ويمدّ يديه سائلاً: "أين الطريق؟"
والغرب المفكّر بذهنه يهيم في فيافي عقليته، باحثًا مستفهمًا: "أين الحق؟"
والشرق والغرب يسيران جنبًا إلى جنب، وهما يتناجيان قائلين: "ما هي الحياة؟" فجاء المسيح وقال لأولهما: "أنا هو الطريق،" ولثانيهما: "أنا هو الحق،" ولكليهما: "أنا هو الحياة."

في يوم الميلاد سمع رعاة الأغنام أنشودة السماء: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة."
هذه رسالة الميلاد التي ينبغي أن تسمعها الأرض من جديد، كلما أقبل عليها هذا العيد السعيد المجيد.
هذه رسالة السلام التي يجب أن يسمعها الجالسون حول مائدة السلام، وهم يتحدثون عن الصلح بلغة الحرب، والتسليح، والانتقام.
هذه رسالة السرور والبهجة للأغنياء الذين يشربون في العيد آخر قطرة من كأس الحبور، ناسين أو متناسين فقراء العيد.
هذه رسالة الفرج للعالم في قلب هذه الأزمة الجائحة التي أكلت الأخضر والهشيم.
هذه رسالة المسيح للذين رغبوا في أمجاد المسيحية، ورغبوا عن آلامها، ففازوا بالغنم من غير أن يتكلفوا شيئًا من الغرم. فلو جاءهم المسيح اليوم، لما قدَّموا له مكانًا أرفع من الذي قُدِّم له قديمًا في بيت لحم.
هذه رسالة للجميع تحمل بين ثناياها تهنئة بانفراط عام وإقبال عام.

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2018

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

327 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578721