يستهل كاتب العبرانيين رسالته ليبرهن كون المسيح ابن الله "أعظم من الملائكة" مستشهدًا بما جاء في نصوص العهد القديم والكتب النبوية. "وأما عن الابن: كرسيك يا الله" ليصل إلى موضوع النبوءات الكامل الذي يتمركز في شخصه العجيب وتتم فيه.
ثم يناقش أفضلية الابن "بمقدار ما ورث اسمًا أفضل منهم"، والعلاقة بين البنوّة والملك وطبيعة التجسد. إذًا "ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من هو؟ والجواب: "ابن داود." ثم قال يسوع: "فكيف يدعوه داود بالروح ربًّا؟" ولم يجد منهم جوابًا (مزمور 1:110؛ ومتى 41:22-44؛ وأعمال 33:2-36)، ومن يستطيع أن يحلّ هذا اللغز سواه "إلهًا وإنسانًا معًا، وربّ داود وابن داود، وملكًا وكاهنًا معًا؟ "حقًا ليس يمسك الملائكة، بل يمسك نسل إبراهيم." (عبرانيين 16:2) بالنسبة للتجسد، لم يُغِثْ أو يخلّص الملائكة الساقطين، ولم يأخذ صورة ملاكٍ، لكنه تجسّد من نسل إبراهيم. فما هو دور الملائكة في ميلاد المسيح؟
1- تقدّم التسبيح (لوقا 2)
"فها أنا أبشّركم بفرح عظيم..." لأن الخبر الطيب يبهج القلب ويظهر على البشرة. كذلك الإنجيل هو البشارة أو الفرح العظيم. "فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره؟" "المجد لله في الأعالي." هذا المجد يعبّر عن وجه الله كتابيًا، وذات الله فلسفيًّا، ويظهر المسيح من خلال حياته وخدمته ممجدًا في الأعالي، ومحقّقًا السلام على الأرض، ومانحًا السرور للناس العاملين مشيئته ويقبلونه. لم يدرك الشعب القديم أن "مجده ملء كل الأرض." (إشعياء 3:6) لكن في يوحنا 14:1 "رأينا مجده" في النور الساطع الذي يرافق استعلان الله وحضوره. في دخوله إلى أورشليم رنّموا له نفس ترنيمة الملائكة "قائلين: مبارك الملك الآتي باسم الرب! سلام في السماء ومجد في الأعالي!" (لوقا 38:19) في ولادته كان إعلان التجسد، وفي دخوله المنتصر وهب سلامًا مع الله، وسلامًا لأرضٍ تحت لعنة قايين، وسلام الفداء العتيد، وبالناس الذين لهم الإرادة الصالحة المسرّة.
يوجد في كوبنهاجن تمثال للمسيح في إحدى الكنائس لا يمكنك التمتع بجماله إلا إن ركعت أمامه. ألا يجب أن نجثو بتواضع أمام الرب لنراه ونتمتع بجماله؟
2- تؤكد النبوات (متى 1)
أراد يوسف تخلية العذراء مريم سرًا، فظهر له ملاك ليبيّن أنها حبلى من الروح القدس وأن المولود ابنًا اسمه يسوع "الله المخلص" و"عمانوئيل الله معنا." إن الأديان الأخرى تعترف بالعذراوية، لكنها تشكك الناس في مساواة المسيح بالله. كذلك كاتب سفر العبرانيين يناقش هذا في ثلاثة أبحاث عن المسيح ليحقق العلاقة بين النبوّة والملك (مزمور 1)، ويعلن اسمه السباعي الكامل "ابن العليّ يُدعى." (إشعياء 6:9 ولوقا 32:1) وفي مزمور 26:102-27 أيضًا "وأنت يا رب (إلوهيم في مزمور 45) في البدء أسست الأرض والسماوات. هي تبيد ولكن أنت (عن الابن) تبقى وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغيّر." إن كلمتَي "أسست الأرض... وتطويها" تعبّران عن عملية الخلق. "أسست الأرض والسماوات" وعملية الحفظ والتغيير "تبيد... تبلى... تطويها" - بحسب الترجمة السبعينية - يؤكدان على أن الكون وكل ما فيه بنظامه ونواميسه ومخلوقاته خاضع له. كلمة "في البدء" (مزمور 12:102) هنا في العبرية "بفانيم" وليست "براشيت" كما في تكوين 1:1. لأنه سابق ومتقدّم، قبل الخليقة ومنظِّمًا لها ورب الخليقة. ثم في مزمور 45 "مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك". ملوك بيت داود، أو أنبياء، أو من شاركوه في خدمة ملكوته."
3- ترسم الطريق (متى 2)
هل تؤمن بالإرشاد الإلهي؟ كان هيرودس الكبير من سلالة عيسو، ولذلك كان عدوًّا تقليديًا لليهود. عندما جاء المجوس إليه بقيادة نجم من المشرق ثار حقده. ربما اطَّلع المجوس على نبوءة بلعام "يبرز كوكب من يعقوب،" (عدد 17:24) ونبوءة السبعين أسبوعًا، أو بطريقة خارقة للطبيعة بأنه نتج عن اقتران مجموعة من الأجرام السماوية. سار النجم أمام المجوس هاديًا حيث يقيم يسوع، وهذه معجزة أخرى (ميخا 2:5). ثم أوحي إلى المجوس في حلم تحذيري من الله ألا يرجعوا إلى هيرودس فعادوا إلى ديارهم في طريق آخر. ثم ظهر ملاك الرب في حلم ليوسف ليهرب إلى مصر ثم يعود إلى إسرائيل لاحقًا. إن الله قد أرشد كرنيليوس للخلاص، وقد خلّص بولس، وهو يهدي شعبه، ويعلن بشائر الفرح، و"بلا رؤية يجمح الشعب." (أمثال 18:29) المهم اسأل نفسك: هل هذه الرؤيا من الله؟ هل هي تناسب حياتي؟ هل تتعارض مع المكتوب؟ هل اقترنت بروح الصلاة؟ هل تؤول لمجد الله ولخلاص النفوس؟ إن التمادي في الاعتقاد بالملائكة قد يعطي مجالًا للإيمان بتوسّطهم بين الله والناس ويمنع العلاقة المباشرة مع الله (كولوسي 18:2).
4- تصف المولود (لوقا 1)
خاطب الملاك مريم "المنعم عليها والممتلئة نعمة"، أما أليصابات فدعتها "أم ربي" لأن المسيح هو ربها ومخلصها، وكان في إعلان الملاك لزكريا الكاهن متضمنًا دور يوحنا بوصفه سابقًا للمسيح "ليردّ كثيرين". جاء المسيح رحمة إلى جيل الأجيال و"افتقد وصنع فداء لشعبه." وكأنه حدثٌ قد تمّ فعلاً. و"أقام الله قرن خلاص" إشارة للقرن المستخدم لزيت مسح الملوك. "عيني أبصرتا خلاصك." وقوله لمريم "وأنتِ يجوز في نفسك سيف" إشارة إلى موت الصليب لخلاصنا. هنا يواجهنا سؤال عويص: هل يخلي المسيح نفسه وينتهي لأنه "يجب أن يملك حتى يضع أعداءه موطئًا لقدميه؟ متى سلّم المُلك لله... فحينئذ الابن نفسه سيخضع للذي أخضع له الكل." (1كورنثوس 24:15-28) هذا يعني تسليم الابن الملك كفادي ووسيط بين الناس وبين الآب ليكون "إلوهيم إله الآباء والكنيسة" الكل في الكل، وليس وسيط آخر.
5- تمثل الله (لوقا 1)
بادر الملاك المطوّبة مريم بالقول: "قد وجدتِ نعمة عند الله." "أليس جميعهم أرواحًا خادمة للعتيدين أن يرثوا الخلاص؟" نعم، يمثلون الله في دائرة محدودة. لذلك علاقة المسيح بالله تختلف عنا. "أبي وأبوكم وإلهي وإلهكم." (يوحنا 17:20، وفي خروج 15:4-16) نرى ألوهية موسى كانت بقيامه بإعلان مشيئة الله للآخرين فقط. كان المسيح خادمًا (متى 28:20) وخادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي (عبرانيين 2:8) لأنه "أخلى نفسه." أما خدمة الملائكة فهي خدمة العبيد المأمورين. والملائكة هنا تمثل الله. إذن "بهاء مجد الله" (عب 6: 2) تعني أن كمالات الآب وجميع أمجاد الله الأدبية والروحية متوافرة فيه. "رسم جوهره"، أي يمثل الله تمامًا، بواسطة كلماته وطرقه الإلهية، وله طبيعة الله. "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين... وأنا أريحكم." فكيف نرى الله؟ الله نفسه يقول: "لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش." وكيف يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع؟ وكيف يستطيع الكهنة دخول بيت الرب وقد ملأه مجد الرب؟ هذا هو الله الذي "ظهر في الجسد". إن المرئيات يمكن أن تدركها العين، أما جوهرها فهو الحقيقة غير المنظورة ولا يمكن إدراكها.
6- تسجد للمسيح (مزمور 97)
"اسجدوا له يا كل الآلهة." إن الملائكة أو القضاة لو تسمّوا آلهة باعتبار أنهم يمثلون قوة الله وعدله، لا يجوز أن يخاطبوا بالقول: الله (مزمور 1:84 و6). كان الفريسيون يتطلعون إلى رجاء اليهود المنتظر بحسب سبعة نصوص مذكورة في عبرانيين 5:1-11، له يسجدون (تثنية 32:3)، ابنًا في صلبه وآلامه وربًا في قيامته وأمجاده. إن تسميته في البنوّة أو التاريخ ما هي إلا إعلان يوم القضاء بل ويوم التمليك حيث تعيّن ابن الله (تاريخيًا) بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات." وتم ذلك في يوم التتويج الفعلي "جلس في يمين العظمة في الأعالي." "أكون له أبًا" أي يجعله موضوع محبته الأبوية (مزمور 27:89). "يكون لي ابنًا في إتمام عملية الفداء والخلاص "لتسجد له كل ملائكة الله." متى أُدخل البكر إلى العالم؟ في ولادته أم عند قيامته؟ في يوم الخمسين أو عند رجوعه ليملك على الأرض؟ في الملك الألفي أو في يوم الدينونة؟ هنا ينتهي تدبير الناموس على يد ملائكة بواسطة موسى انتظارًا لمجيء المسيح. صدق أحدهم حين قال: إن أي شيء يحجب المسيح أو يضيّع الشهية لدرس الكتاب المقدس، أو يعيق الصلاة في حياتي، أو يجعل العمل المسيحي صعبًا، هو خطأ ينبغي تجنبه.
وكلما ذكرت كيف ربي قد بذل ابنه عن الخطاه
بموته أزال كل ذنبي وردني للسير في رضاه
نفسي تغني يا مخلصي
ما أعظمك! ما أعظمك!