لقد مضى على هذا اليوم أكثر من ألفَي عام، لكن ذكرياته وحوادثه باقية إلى الأبد لن تمحوها الأيام. في هذا اليوم تمت كل النبوات المتعلّقة بموت المسيح الكفاري، وظهرت خيانة يهوذا، وحسد رؤساء الكهنة، وجبن بيلاطس، وغباوة اليهود وجهلهم، وقسوة الجنود الرومان، وفظاعة اللص غير التائب.
لقد خان يهوذا سيده وباعه بقليل من الفضة وتمت النبوّة: "أيضًا رجل سلامتي الذي وثقت به. آكل خبزي رفع عليّ عقبه." (مزمور 9:41) وهذا ما يحدث معنا عندما نفضّل الأمور الدنيوية بدلاً من أن نتبع المسيح. لقد جبن بيلاطس أمام اليهود خوفًا على مركزه من الضياع فأسلم لهم يسوع. وهكذا، في مرات كثيرة، يكون الجبن سببًا في هلاك الكثيرين. فكم من أناس فقدوا الحياة الأبدية لأنهم تمسكوا بمراكزهم العالمية.
لقد تجلت غباوة اليهود حين اصغوا لتحريضات رؤساء الكهنة والشيوخ لكي يطلبوا "باراباس ويهلكوا يسوع،" وهم يصرخون: "دمه علينا وعلى أولادنا." يا للجهل والغباوة! "لو عرفوا لما صلبوا رب المجد." والأكثر غباوة هو أن يستمر الإنسان في خطيته وهو يعلم أن المسيح قد صُلب من أجل خطاياه.
أظهر الجنود الرومان قسوةً حين أخذوا يمزحون تحت الصليب ويلقون قرعة على ثياب المسيح، بينما ابن الله القدوس يعاني أهوالاً وآلامًا لن يدركها إنسان في أي زمان ومكان.
بل أكثر من هذا، أخذ اللص غير التائب - وهو في الهزيع الأخير من حياته - يجدّف على المسيح، رغم أن اللص الآخر انتهره ووبّخه على ذلك. نعم، قد تصل القساوة لدرجة أن الإنسان وهو على فراش الموت يجدّف على الرب، بينما كان الأجدر به أن يغتنم آخر فرصة له ويصرخ تائبًا: "اذكرني يا رب، متى جئت في ملكوتك."
في ذلك اليوم حدثت ظلمة على الأرض كلها. وهي رمز لمصارعة يسوع مع قوات الظلمة، وهي إنذار وتوبيخ للمجدفين، وهي إعلان لاحتجاب وجه الآب عن المسيح الذي كان نائبًا عنا. كما إنها إشارة إلى اشتراك عالم الطبيعة مع المسيح في آلامه. يا للعجب! لم تحتمل الطبيعة موت المسيح، بينما البشرية كلها لا تبالي به!
أيضًا نقرأ هذه العبارة: "وإذا حجاب الهيكل قد انشقّ إلى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت. والقبور تفتّحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين." (متى 15:27-52)
في ذلك اليوم نرى الندم بعد فوات الأوان: "وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذ المنظر، لما أبصروا ما كان رجعوا وهم يقرعون على صدورهم." (لوقا 48:23) أيضًا نقرأ بأن قائد المئة والجنود "خافوا جدًا وقالوا: حقًا كان هذا ابن الله." (متى 54:27)
آه، ليتنا نذكر يوم الفداء ونتأمل في آلام الفادي. لنحيا له ومن أجله.
