"إنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة. زرعٌ ليس له غلة لا يصنع دقيقًا." (هوشع 7:8)
ما أكثر الذين يضيّعون الجهد والوقت في زراعة بلا حصاد! فيتعبون بلا فائدة، ويشقون دون نتيجة، ويدورون في حلقة مفرغة، لا ينالون إلا الكدّ والتعب، وسوف يكتشفون إن عاجلاً أو آجلاً صدق هذا القول:
زارع الريح يحصد الزوبعة. وسيتحققون أيضًا قول الحكيم: "رأيت كل الأعمال التي عُملت تحت الشمس فإذا الكل باطل وقبض الريح." (جامعة 14:1)
مشغولون، مرهقون، يَصِلون الليل بالنهار والنهار بالليل، يعملون بلا هوادة، ويجرون هنا وهناك في تعب ومشقة. يقابلون هذا ويقابلون ذاك. يبيعون ويشترون. يقبضون المال ويصرفون المال. يسافرون في البر والبحر والجو. ولم يعد عندهم وقت لله، ولا للعبادة، ولا للكتاب المقدس. كل هذا حتى يغتنوا ويتعاظموا جسديًا، ويقرنوا البيوت بالبيوت، والحقول بالحقول، ونسوا قول الكتاب: "ويل للذين يصلون بيتًا ببيت، ويقرنون حقلاً بحقل." (إشعياء 8:5) وقوله: "فإن كان لنا قوت وكسوة، فلنكتفِ بهما." (1تيموثاوس 8:6) وأيضًا: "لا تتعب لكي تصير غنيًا." (أمثال 4:23)
هذا السعي الباطل، والغرق في المشغوليات الجسدية، يسبب الجفاف الروحي للمؤمنين. وما أكثر الذين لم يقدر الشيطان أن يصل إلى حياتهم عن طريق خطايا ظاهرة ولكنه وصل إليهم عن طريق كثرة المشغوليات والأعمال، التي ابتلعت أوقاتهم، وشغلت تفكيرهم، واستطاعت أن تأكل بركات الماضي، وسمحت للثعالب الصغار المفسدة للكروم أن تفسد كرم الحياة الروحية. ثم أعقب ذلك عدم الدقة في القول والعمل، وفي التعامل مع الله والناس. وما لم ينتبه المؤمن إلى هذا الخطر تضيع حياته الروحية بجملتها في بحر المشغوليات.
أنا لست من دعاة الكسل وعدم الطموح، لأن الكتاب يقول: "إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا." (2تسالونيكي 10:3) ولكن ما أعارضه هو أن يهمل المؤمن البركات الروحية لأجل المشغوليات المادية، فيبيع التبر بالتراب، ويحصّل لكيس مثقوب. والمتأمل في قصة الغني الغبي الذي تعاظمت ثروته، يجد أنه كان مفلسًا روحيًا، فاعتبره الرب غبيًا، وطلب نفسه في تلك الليلة التي فكر فيها لنفسه ودبّر لجسده.
أيها المتغافل، انتبه الآن، لأنك إذا لم تنتبه اليوم فسوف تستفيق يومًا ما فتجد أنك بعت سعادتك الأبدية، وضيعت لذّاتك الروحية وشبعك بسيدك، بما لا ينفع ولا يفيد. إنك تزرع الريح، فلا بد أن تحصد الزوبعة!