كتب ريتشارد باكستر في كتاب من كتبه الخالدة يقول: إن طريق جهنم مرصوفة بالرغبات الصالحة." ومعنى هذا أن أولئك الذين سيذهبون إلى جهنم لن يذهبوا لأنهم يرغبون في الذهاب، وإنما سيذهبون إلى طريق مرصوفة بالرغبات الصالحة التي لم تتم في حياتهم على الأرض؟
لقد كانت لهم رغبة في التوبة، ورغبة في قبول المسيح، ورغبة في الحياة لله، ولكنهم أجّلوا تنفيذ هذه الرغبات حتى فاجأهم الموت، وذهبوا إلى مصير الهالكين. لكننا اليوم أمام شخص وضع تفكيره موضع التنفيذ، وأوضّح هذا في كلماته الجليلة: "تفكرت في طرقي ورددت قدمي إلى شهاداتك. أسرعت ولم أتوان لحفظ وصاياك." (مزمور 59:119-60) وأضع حديثي في هذه الكلمات:
أولاً: التفكير الضروري
تفكرت في طرقي
والتفكير هو الذي يميز الإنسان عن الحيوان. إن الإنسان مخلوق مفكر، وأول ما يجب أن يفكر فيه هو الطرق التي يسير فيها. كثيرون من الناس يفكرون في همومهم، وفي مستقبلهم بعد التقاعد، يفكرون في المشاكل الخاصة بتعليم وزواج أولادهم وبناتهم.
لكننا هنا نرى شخصًا يفكر في طرقه لأنه "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت." (أمثال 12:14) إنه يفكر في الطريق الذي هو سائر فيها.
فقد يكون سائرًا في طريق الناموس. وكلمة الله تقول: "الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس." (غلاطية 16:2)
وقد يكون سائرًا في طريق الطقوس، والطقوس لا تخلص الإنسان.
وقد يكون معتمدًا على أعماله الصالحة، وكلمة الله تقول: "قد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة كل أمال برنا." (إشعياء 6:64)
إن كل طريق آخر غير المسيح يؤدي إلى الهلاك كما يقول الرب نفسه "ادخلوا من الباب الضيق. لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك. وكثيرون هم الذي يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة. وقليلون هم الذي يجدونه." (متى 13:7-14) والطريق الأوحد للحصول على الحياة الأبدية هو المسيح المصلوب الذي قال، وهو الصادق الأمين: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي." (يوحنا 6:14)
فكر في طرقك
هل تحيا حياة النجاسة، والخلاعة، والشر، والتدهور، والانحلال، والسكر؟ أم تحيا لذاك الذي مات لأجلك على الصليب؟
كانت الخطوة الأولى في رجوع الابن الضال في الكلمات: "فرجع إلى نفسه وقال: كم من أجير لأبي يفضل عنهم الخبز وأنا أهلك جوعًا؟ أقوم وأذهب إلى أبي." (لوقا 17:15-18)
أجل، لقد فكّر الابن الضال في طرقه. فكّر فيما عملته الخطية فيه. والرب يقودك لتفكّر!
لما كان شاول في طريقه للقبض على المسيحيين في دمشق قابله الرب قائلاً: "شاول، شاول! لماذا تضطهدني؟" (أعمال 4:9)
أجل، لماذا ترفض قبول المسيح؟ لماذا تضطهد المسيح؟ هل جلست جلسة هادئة لتفكّر في طرقك؟ إن الشيطان يحاول اليوم أن يشغل كل دقيقة من دقائق الإنسان حتى لا يخلو للتفكير. فهو إما أن يشغلك في عملك، أو في التلفزيون، أو في زيارات الناس، أو في هموم الحياة، وغرور الغنى حتى لا تفكّر في طرقك.
ثانيًا: الرجوع الضروري
"ورددت قدميّ إلى شهاداتك."
إذا توقفت عند مجرد التفكير فهذا سيقودك إلى الجحيم.
لم يتوقف الابن الضال عند حدّ القول: "أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك. ولست مستحقًا بعد أن أُدعى لك ابنًا. اجعلني كأحد أجراك." بل نقرأ عنه "فقام وجاء إلى أبيه." (لوقا 20:15) وهذا ما يجب أن تفعله: "رددت قدميّ إلى شهاداتك."
هل تعرفون ما هي أجمل الحروف في هذه الآية؟ إنها الياء وبالأخصّ الشدة والفتحة عليها. لأنها ترينا أن صاحب الكلام رد كلتا قدميه، لم يرد قدمًا واحدًا، بل قدميه. "رددت قدميّ." وأخطر ما يتعرّض له المرء أن يضع قدمًا في العالم وأخرى مع المسيح فيعرج بين الفرقتين. لقد قال إيليا للشعب في القديم: "حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟ إن كان الرب هو الله فاتبعوه وإن كان البعل فاتبعوه." (1ملوك 21:18)
كانت الغلطة الكبرى التي وقع فيها بطرس أنه تبع الرب من بعيد، إذ نقرأ عنه: "وأما بطرس فتبعه من بعيد." (لوقا 54:22) وقاده هذا الموقف إلى إنكار الرب، فالتفت الرب ونظر إلى بطرس، أجل، نظر إليه نظرة موبّخة، وبّخه فيها على إنكاره الأثيم، ونظر إليه نظرة مذكرة، كأنه يقول له: ألا تذكر مواقفك القديمة معي في بيتك لما شفيت حماتك؟ وفي البحر لما كدت تغرق؟ وفي حجرة ابنة يايرس؟ وفوق جبل التجلي؟! ونظر إليه نظرة محرّكة كأنه يقول له: "اخرج بسرعة من هنا فليس هذا مكانك." وخرج بطرس إلى خارج وبكى بكاء مرًّا.
رددت قدميّ إلى شهاداتك، بعد الانحراف، وبعد السير في الطريق غير المستقيم، وبعد الالتواء، وبعد الإهمال في حياتي المسيحية... رددت قدميّ إلى شهاداتك.
فليتك يا قارئي العزيز تعزم اليوم، وتفعل؟
ثالثًا: الإسراع الضروري
"أسرعت ولم أتوانَ لحفظ وصاياك."
إن حيلة الشيطان الكبرى لإهلاكك هو أن يدفعك للتأجيل. هل أتاك خبر مؤتمر الشياطين الكبير، حين اجتمع إبليس مع جنوده ليدبروا طريقة لإهلاك الناس. فوقف أحد الشياطين وقال: أقترح أن نقول للناس إن الكتاب المقدس خرافة، وأن الأمور الروحية أساطير لا يجب أن يصدقوها أو يؤمنوا بها.
قال إبليس: هذا الاقتراح يفيد في قليل من الحالات، ولكنه فاشل، لأن الإنسان حين يبحث عن أصل الكتاب المقدس ومصدره يتأكد من صدقه بأدلة علمية ثابتة، وحين يخلو إلى نفسه يرى حاجاته الروحية ولذا فهذا الاقتراح لا يقوم.
ثم وقف شيطان ثانٍ وقال: أقترح أن نلفت أنظار الناس إلى الحياة الشخصية لمعظم المسيحيين، فمعظم المسيحيين اليوم يعيشون حياة شريرة؛ يسرقون، ويكذبون، ويرتشون، ويزنون. فلما نفتح عيون الناس على حياة المسيحيين الشريرة نجعلهم يكرهون المسيحية ويهلكون.
قال إبليس: هذا الاقتراح لا ينفع مع الجميع، فهناك من يدرسون الأمور بطريقة موضوعية، وبهذا يسقط هذا الاقتراح.
وساد صمت عميق قطعه أصغر شيطان بالقول: عندي اقتراح بأن نقول للناس إن الكتاب المقدس صادق، ويوجد فرق جوهريٌ بين المسيحية الحقيقية والمسيحية الزائفة، وأن الله موجود، وأنه هناك سماء وجحيم، لكننا نهمس في أذن من يريد أن يتوب ويؤمن بالمسيح مخلصًا بالكلمات: "ليس الآن." ثم صفق الشياطين...
أجل، إن أعظم وسيلة لهلاك الملايين في هاتين الكلمتين: "ليس الآن." مع أن الله يقول: "هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص." (2كورنثوس 2:6) "اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم." (عبرانيين 7:4) فليتك تسرع ولا تتوانى.
لما جاء حنانيا إلى بولس بعد مقابلته للرب في طريق دمشق قال له: "والآن لماذا تتوانى؟ قم واعتمد واغسل خطاياك داعيًا باسم الرب." (أعمال 16:22)
أجل! لا تتوان عن طاعة الرب. لا تتوان عن التوبة والإيمان بالمسيح. لا تتوان عن أن تعتمد بالماء بعد إيمانك الشخصي بالرب. وليكن شعارك: "أسرعت ولم أتوان لحفظ وصاياك."