في خروج بني إسرائيل من مصر وإلى دخولهم أرض كنعان توجد أربعة رموز لموت المسيح:
أولاً: خروف الفصح (سفر الخروج 12)
كان الرب مزمعًا أن يوقع العقاب على مصر وعلى رئيسها فرعون وينقذ شعبه إسرائيل. فقال لموسى: "فَإِنِّي أَجْتَازُ فِي أَرْضِ مِصْرَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، وَأَضْرِبُ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ." (خروج 12:12) وقال الرب لموسى وهرون أن يكلما كل جماعة إسرائيل ليأخذوا كل بيت شاةً صحيحةً ذكرًا صحيحًا ابن سنة. وكان شرطًا أساسيًا أن يكون بلا عيب. وهذا يؤكده الوحي المقدس مرارًا بخصوص الذبيحة، فيقول في لاويين 21:22 "تكون صحيحة للرضا It must be perfect to be accepted كل عيب لا يكون فيها." ويبقى هذا الحمل ثلاثة أيام تحت الحِفظ. هذه الثلاثة أيام هي للتأكّد من أنه لا عيب فيه. وهي تقابل الثلاثة سنين التي خدم فيها المسيح إذ جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلّط عليهم إبليس، وأمكنه أن يقول لقادة اليهود: "من منكم يبكّتني على خطية؟" (يوحنا 46:8) لقد شهد الوحي المقدس له أنه "لم يعرفْ خطية" (2كورنثوس 21:5)، وأنه "لم يفعل خطية" (1بطرس 22:2)، "وليس فيه خطية" (1يوحنا 5:3). لكن كان لا بدَّ أن يذبح البريء ويوضع دمه على القائمتين والعتبة العليا للبيت. قال الرب: "أرى الدم وأعبر عنكم." إن كلمة "فصح" تعني العبور. هذا الحمل البريء هو رمز لربنا يسوع المسيح الذي إذ رآه يوحنا المعمدان قال: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم." (يوحنا 29:1) في تلك الليلة التي ذُبح فيها خروف الفصح قتَلَ ملاك الرب كلَّ بكرٍ في مصر ما عدا الذين احتموا في دم الحمل. في هذا الرمز الواضح المعنى نرى أن موت المسيح هو السبيل الوحيد للنجاة من الهلاك الأبدي بسبب خطايانا. فلتكن ثقتنا دائمًا في عمل الرب يسوع المسيح "الذي أُسلم (للموت) لأجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا." كما قال أيضًا في رسالة بطرس الأولى 18:1-19 "عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب... بل بدمٍ كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح."
ثانيًا: عبور البحر الأحمر (خروج 14، 15)
لم يكن هدف الرب أن ينقذ الشعب من العقاب الإلهي فقط، أي من الهلاك بسبب خطاياهم. فهم كانوا خطاة كالمصريين وعبدوا آلهة المصريين، بل كان هدفه أن ينقذهم من عبوديتهم لفرعون بإخراجهم من مصر، ليرثوا أرضًا تفيض لبنًا وعسلاً، أرض كنعان التي وعد الله إبراهيم أن يعطيها لنسله، وكرر الوعد لإسحاق (تكوين 3:26)، ثم ليعقوب (تكوين 4:28). ورأى الله في حكمته أن لا يذهبوا عن طريق أرض فلسطين، بل أن يعبروا البحر الأحمر. فلما رأى بنو إسرائيل جيوش المصريين قادمة نحوهم عند شاطئ البحر خافوا وصرخوا "وقالوا لموسى: هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية حتى أخرجتنا من مصر؟" (خروج 11:14) "فقال موسى للشعب: لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم... الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون." (خروج 13:14-14) لقد ذكرنا أن مصر رمز للعالم، وفرعون رمز لرئيس هذا العالم، أي إبليس. فالرب يسوع بذل نفسه لينقذنا من هذا العالم الحاضر الشرير (غلاطية 4:1). لما صرخ بنو إسرائيل قال الرب لموسى: "ارفع أنت عصاك ومدّ يدك على البحر وشقّه فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة." في عبرانيين 29:11 نقرأ هذه العبارة الجليلة: "بالإيمان اجتازوا في البحر الأحمر كما في اليابسة، الأمر الذي لما شرع فيه المصريون غرقوا." "حينئذ رنم موسى وبنو إسرائيل وقالوا: أرنم للرب لأنه قد تعظّم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر." (خروج 1:15) ليتك أيها القارئ العزيز تتأمل في ترنيمتهم المذكورة في خروج 15. حقًا إن الرب يسوع أباد بموته ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس (عبرانيين 14:2).
ثالثًا: الحية النحاسية (العدد 4:21-9) بعد أن عبر بنو إسرائيل البحر الأحمر ساروا في البرية 40 سنة، وكان الرب يعتني بهم بطرق معجزية فيعطيهم ماء من الصخرة كما أعطاهم طعامًا من السماء. قال لهم الرب على لسان موسى قرب نهاية رحلتهم: "فقد سرت بكم أربعين سنة في البرية. لم تَبْلَ ثيابكم عليكم، ونعلكم لم تبلَ على رجلك." (التثنية 5:29) وهزم الرب كل أعدائهم، ولكنهم تذمروا كثيرًا. "أسرعوا فنسوا أعماله." (مزمور 13:106) وهذا ما نراه في سفر العدد 5:21-8 "وتكلم الشعب على الله وعلى موسى لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرية... فأرسل الرب على الشعب الحيات المحرقة فلدغت الشعب فمات قوم كثيرون من إسرائيل. فأتى الشعب إلى موسى وقالوا: قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك، فصلّ إلى الرب ليرفع عنّا الحيات. فصلّى موسى لأجل الشعب. فقال الرب لموسى: اصنع لك حية محرقة وضعها على راية، فكل من لُدِغ ونظر إليها فيحيا."
تُذكر الحية لأول مرة في الكتاب المقدس في تكوين 1:3-15، وهي التي بواسطتها دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية جاء الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع. في إنجيل يوحنا 14:3-15 نستمع إلى كلام الرب إذ قال: "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان (أي الرب يسوع نفسه) لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية." وعبارة "يُرفع ابن الإنسان" تعني أن يُعلّق المسيح على الصليب كما جاء في قول الرب: "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع. قال هذا مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يموت (أي الموت على الصليب)." (يوحنا 32:12-33) وكذلك في قوله: "متى رفعتم ابن الإنسان" في يوحنا 28:8. فبموته على الصليب أصبحت الحية المحرقة التي تسبّب الموت حية نحاسية ليس لها قوة على كل من ينظر بالإيمان لصليب المسيح أو بالأحرى للمسيح الذي مات مصلوبًا. وبالصليب "إذ جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه." (كولوسي 15:2) أي نزع منهم قوتهم بالنسبة لمن يحتمي بالرب يسوع المسيح الذي أُسلم للموت "لأجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا." (انظر رومية 25:4-1:5) المسيح بموته على الصليب أنقذنا من سلطان الخطية، فقد سحق رأس الحية فأصبحت حية نحاسية بالنسبة لكل من التجأ إلى الصليب، أو بالأحرى إلى المسيح الذي مات لأجله على الصليب. فلسنا بعد عبيدًا للخطية بل للبرّ (راجع رومية 6).
رابعًا: عبور نهر الأردن
بعد أن سار بنو إسرائيل في البرية 40 سنة اقتربوا إلى أرض كنعان وكان لا بد لهم أن يعبروا نهر الأردن ليدخلوا أرض كنعان. ليست كنعان رمزًا للسماء كما يظن الكثيرون، لأن السماء لن تكون فيها حروب، ولكنها رمز للسماويات التي لنا فيها حروب روحية مع أجناد الشر (أفسس 12:6). ونهر الأردن لا يشير إلى الموت الجسدي بل إلى موتنا مع المسيح ثم قيامتنا معه. وهذا ما تعَبِّر عنه المعمودية المسيحية (رومية 4:6).
في سفر يشوع 3-4 نجد ثلاثة حقائق مهمة:
1- إن تابوت العهد الذي يرمز إلى المسيح دخل الأردن أولاً فأصبح الطريق مفتوحًا ليعبر الشعب.
2- كان عليهم أن يضعوا اثني عشر حجرًا في الأردن.
3- أن يأخذوا اثني عشر حجرًا من الأردن إلى أرض كنعان. فالحجارة التي وُضعت في النهر بعد جفافه تشير إلى موتنا مع المسيح، والحجارة التي أخذوها من النهر إلى أرض كنعان تشير إلى قيامتنا معه.
تعليق: المؤمن هو في مصر والبرية وأرض كنعان في نفس الوقت:
في مصر لأنه في العالم، ولكنه ليس من العالم (يوحنا 14:17).
في البرية لأن هذا العالم هو برية مقفرة، أرض حيات وعقارب ورمال وصخور.
وهو في كنعان لأنه قد أُجلس في السماويات في المسيح يسوع (أفسس 6:2).
ليتنا نتأمل في هذه الحقائق فتفيض قلوبنا بالفرح وبالشكر للرب يسوع المسيح الذي أحبنا وأسلم نفسه للموت لأجلنا.