"وَبَيْنَ الْمَعَابِرِ الَّتِي الْتَمَسَ يُونَاثَانُ أَنْ يَعْبُرَهَا إِلَى حَفَظَةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سِنُّ صَخْرَةٍ مِنْ هذِهِ الْجِهَةِ وَسِنُّ صَخْرَةٍ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَاسْمُ الْوَاحِدَةِ «بُوصَيْصُ» وَاسْمُ الأُخْرَى «سَنَهُ»." (1صموئيل 4:14)
مقدمة: اتصف يوناثان بن شاول بصفات عظيمة مثل: المحبة، الغيرة، الشجاعة، المثابرة في الجهاد، والاستعداد للتضحية بحياته وغيرها... وظهرت هذه الصفات في قول يوناثان لحامل سلاحه: "تعال نعبر إلى حفظة الفلسطينيين الذين في ذلِكَ الْعَبْرِ." وكان على يوناثان وحامل سلاحه أن يعبرا ممرًا ضيقًا جدًا وخطيرًا، لأن الممرّ بين صخرتين مسنونتين اسم الواحدة "بوصَيْص" واسم الأخرى "سَنَه". و"بوصَيص" تعني أنوار، و"سَنَه" تعني أشواك. وهذا ما أريد أن أحدّث القرّاء الأفاضل عنه في هذه الرسالة في ثلاثة كلمات:
أولاً: أشواك أليمة
وما أكثرها في هذه البرية التي نحن فيها سائرون!
1- أشواك الظروف الفجائية: بينما نحن نسير في هذا العالم تفاجئنا ظروف صعبة... خرج الشعب من أرض مصر وهو يثق بأن الظروف الصعبة قد انتهت، ولكن فجأة ظهرت ظروف صعبة! فالبحر أمامهم، والمصريون وراءهم... ولما انتهت هذه المشكلة بشق البحر وعبورهم ظنوا أن هذه آخر الظروف الصعبة، ولكن بعد عبورهم فاجأتهم مشكلة نقص المياه. وبعد مسيرة طويلة وجدوا مياهًا ففرحوا ولكن عندما ذاقوها وجدوها مُرَّة! ولكن الرب أمر موسى بطرح شجرة فصارت المياه عذبة. وعن الظروف الفجائية نقرأ أن الجوع كان شديدًا في الأرض فقال أليشع لغلامه: ضع القدر الكبيرة واسلق سليقة لبني الأنبياء. وخرج واحد إلى الحقل ليلتقط بقولاً فوجد يقطينًا بريًا فالتقط منه قثاء بريًا ملء ثوبه، وقطّعه ووضعه في القدر، وصبّوا للقوم. وفيما هم يأكلون صرخوا قائلين: في القدر موت يا رجل الله. فوضع دقيقًا فصار الطعام صالحًا للاستخدام البشري.
وفي العهد الجديد فاجأت التلاميذ رياح عاصفة شديدة، ولكن الرب يسوع أنهى هذه المشكلة فهدأ البحر وسكنت الرياح.
وفاجأت السفينة التي كان فيها بولس ورفاقه في طريقهم إلى القيصر ريح زوبعية يُقال لها [أوروكليدون]. وبعد محاولات كثيرة خرجوا منها بعد أن تحطّمت.
2- أشواك الأدواء الجسدية: ضُرب أيوب بقرح رديء من هامة رأسه إلى أخمص قدمه... أُصيب حزقيا الملك بمرض عضال كاد أن ينهي حياته... أُعطي بولس شوكة في الجسد... مرض أبفرودتس مرضًا أشرف به على الموت... ترك بولس تروفيموس مريضًا في ميليتس... تعرّض تيموثاوس الشاب لأمراض وأسقام كثيرة... الأمراض المؤلمة تعترض أجسادنا فتصبح أجسادنا ضعيفة واهية.
3- أشواك التجارب الزمنية: يقول الكتاب عن الإنسان:
"اَلإِنْسَانُ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ، قَلِيلُ الأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَبًا." (أيوب 1:14)
"وَلكِنَّ الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لارْتِفَاعِ الْجَنَاحِ." (أيوب 7:5)
يصف الكتاب الحياة التي نحياها أننا نعيشها في أرض معيية... وأيضًا يصفها بوادي البكاء... "في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم." (يوحنا 33:16) "ويكون لكم ضيق عشرة أيام. كن أمينًا..." (رؤيا 10:2)
4- أشواك المقاومات الشيطانية: الشيطان لا يتركنا لحال سبيلنا، ولكنه يشتكي ويقوم ويحارب... حارب يهوشع الكاهن وهو في حضرة الله... وكاد الشيطان ينجح في هزيمة يهوشع الكاهن لولا أن الرب قال له: "لينتهرك الرب يا شيطان!" الشيطان يسلّط علينا جنوده ليضطهدونا... ونقرأ في التاريخ عن اضطهادات كثيرة واجهت المؤمنين.
والسؤال الذي يفرض نفسه علينا: لماذا يسمح الرب لنا بهذه الأشواك؟
والإجابة عن هذا السؤال في الكلمة الثانية:
ثانيًا: أهداف حكيمة
1- منعًا للكبرياء والأنانية: يقول الرسول بولس موضحًا هذا في كلماته المباركة: "وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ." (2كورنثوس 7:12) وفي العهد القديم يقول أليهو بن برخئيل البوزي: "حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ، لِيُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ، وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ." (أيوب 16:33)
2- لتكثر الأمجاد السماوية: لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا." (2كورنثوس 17:4) ويقول الوحي المقدس أيضًا بلسان بولس: "فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا." (رومية 18:8) نتألم معه لنتمجد معه أيضًا.
3- ليدربنا على المشاركة الوجدانية: يسمح الرب لنا بالأشواك حتى نشعر بآلام الآخرين وهم يئنون من الأشواك المؤلمة التي تواجههم. "أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ."
ثالثًا: أنوار عظيمة
قلنا إن [بوصَيص] تعني نور. لا تعترض حياتنا الأشواك فقط، لكن هناك أنوار عظيمة!
1- نور المعجزات الإلهية: الرب إله المعجزات الذي عمل معجزات كثيرة لو دُوّنت واحدة فواحدة لضاق العالم عن اتساع الكتب بمعجزات الرب يسوع الذي أقام الموتى، وطهَّر البرص، وشفى المرضى، وفتح عيون العميان، وأشبع الآلاف الكثيرة من خمسة أرغفة وسمكتين. شقّ البحر أمام شعبه، وحوّل الماء المرّ إلى ماء حلو، وأخرج ماء من الصخرة... أليس بقاؤنا إلى الآن معجزة ومعجزة كبرى؟!
2- نور الكلمة القدسية: كلمة الله هي نور. "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي." "الوصية مصباح والشريعة نور." وتأثير ذلك النور على الإنسان هو: "أمر الرب طاهر ينير العينين." لولا وجود كلمة الله لتخبّط البشر وتعثّروا أثناء سيرهم في دياجير الظلمة.
3- نور الشركة الروحية: شركتنا بالرب... "أما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح." (1يوحنا 3:1) وشركتنا بعضنا مع بعض "إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض."
4- نور الرفقة اليقينية: قال الرب يسوع تبارك اسمه: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر."
اندهشت كثيرًا عندما قرأت عن التلاميذ أنهم بعد صعود المسيح رجعوا إلى أورشليم بفرح! كيف يفرحون وسيدهم صعد ولم يعد معهم؟ ولكن زالت دهشتي عندما تذكرت وعد المسيح: "وها أنا معكم كل الأيام." وفهمت من هذا الوعد أن الصعود هو صعود شكلي فقط!
يقول داود أيضًا: "إذا سرت في وادي ظلّ الموت لا أخاف شرًّا لأنك أنت معي."
5- نور المواعيد الكتابية: هذه المواعيد الكتابية كثيرة جدًا وقد وُصفت بأنها عُظمى وثمينة. عُظمى لأنها من الله العظيم، وثمينة لأنها تناسب حاجتنا.
عزيزي القارئ، لا تنظر كثيرًا إلى الأشواك، لكن انظر إلى الأنوار، عندئذ تهتف قائلاً:
"مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟"
(رومية 35:8)