من بين الأسئلة التي تتردّد كثيرًا، هذا السؤال المتعلّق بالشر. ويتساءل الكثيرون: لماذا يسمح إله الصلاح بوجود الشر؟ ولماذا لا يفعل شيئًا بالنسبة لهذا الأمر؟ ويتمادى البعض فيفترض أن وجود الشر ينفي وجود الله!
وأحيانًا تأتي مشكلة الشر أمام المؤمن في شكل سؤال معقّد فيتساءل: إن كان الله صالحًا حقًا فهو إذًا ليس مقتدرًا بالدرجة الكافية ليتعامل مع كل أنواع الشر والظلم في العالم! إن كانت لديه القدرة على أن يوقف الشر ولا يفعل شيئًا، فهو إذا ليس إلهًا صالحًا! إذًا أين توجد الحقيقة؟ هل هو إله شرير؟ أم أنه إله ليس كلي القدرة؟
حتى من بين كتّاب الكتب المقدسة، نجد من تذمّروا من الألم ومن الشر. فداود النبي مثلًا كتب يقول: "لأن شرورًا لا تُحصى قد اكتنفتني." (مزمور 12:40) وكتب إرميا: "لماذا كان وجعي دائمًا وجرحي عديم الشفاء، يأبى أن يُشفى؟" (إرميا 18:15) أما الرسول بولس فيقول: "فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخّض معًا إلى الآن." (رومية 22:8)
وهكذا لا بدّ لنا أن نسلّم بأن الشرّ مشكلة، ونسلّم أيضًا بأنه إن كان الله قد خلق العالم بالحالة التي هو عليها الآن فلا يمكن أن يكون إله محبة بل إله شرّ!
لكن الكتاب المقدس يوضّح تمامًا هذا الأمر، ويرينا أن الله لم يخلقْ العالم في الحالة التي هو عليها الآن، بل إن الشر الذي حلّ في العالم كان نتيجة لأنانية الإنسان. يرينا الكتاب المقدس أن الله هو إله محبّ، وقد خلق الإنسان أو الجنس البشري لكي يكون قادرًا بدوره أن يحب الله - ذلك الحب الحقيقي الخالي من التزيُّف والرياء - وهذا الحب لا يمكن أن يكون إلا إذا أعطاه الإنسان باختياره وإرادته الحرة. وهكذا أعطى الله الإنسان الحرية في أن يقبل محبة الله أو يرفضها. وهذه الحرية جعلت وجود الشر ممكنًا، فحينما وقع آدم وحواء في خطية العصيان فإنهما لم يخترا شيئًا خلقه الله، ولكن باختيارهما الشخصي جلبا الشر إلى العالم.
وبسبب السقوط أصبح العالم الآن في غير حالته الطبيعية. أصبح الإنسان في حالة انفصال عن الله، ولم تعد الطبيعة كريمة معه كما كانت، وصار عالم الحيوان عدوًا له، وقام الصراع بين الإنسان وأخيه الإنسان، ولم تكن أية حالة من هذه الحالات موجودة قبل السقوط.
لقد أصبح الشر حقيقة واقعة، لكن وجوده في العالم وجود مؤقت، وسوف يأتي اليوم الذي يقضي فيه على الشر. هذا هو رجاء المؤمن. هناك عالم جديد ينتظره المؤمن، حيث لا وجع ولا دموع، بل سيكون كل شيء جديدًا (رؤيا 5:21). سيعود الفردوس المفقود... سوف يصحح الرب كل خطأ، ويزيل كل شر مرة وإلى الأبد.
والمؤمنون مُحِقُّون في محاربة الشرور والفجور والفساد - لم يكن في قصد الله وجود الشر في العالم - والمؤمن له الحق في محاربة العلل الاجتماعية، وعليه ألّا يتغاضى عن الشر أو يفترض أن كل ما يحدث هو من الله. الله لا يرضى بالشر، ولا يمكن أن يتغاضى عنه. إنه يكره الشر. والمؤمن أيضًا، ليس عليه أن يكره الشر فقط، بل أن يحاربه أيضًا.
يستطيع المؤمن، بالاتحاد مع المسيح، أن يقول عن الشر إنه شرّ، وأن يعبّر عن رأيه بكل صراحة وبلا خوف أو تردّد. فالكوارث الطبيعية، أو الجريمة، أو التخلّف العقلي، يجب أن لا تُقبل على أنها أمور طبيعية، ذلك لأنها لم تكن في خطة الله على الإطلاق، ولن تكون أيضًا في ملكوته الأبدي.
ومع ذلك، نجد بعض الناس في حالة قلق وانزعاج من جهة سماح الله بوجود الشر في العالم، ويضعون علامة استفهام كبيرة أمام حكمته في إعطاء الإنسان حرية القرار.
لقد وضعت "دوروثي سايرز" مشكلة الشر في إطارها الصحيح حينما كتبت تقول: مهما كان السبب الذي جعل الله يعمل الإنسان هكذا كما هو محدودًا ومعرّضًا للألم، وخاضعًا للحزن والموت، إلا أنه قد أعدّ له العلاج والدواء الشافي. ومهما كانت علاقته بخليقته فقد حافظ على مبادئه وعدله، وهو لا يطلب شيئًا من الإنسان لم يطلبه هو لنفسه. لقد مرّ هو نفسه في كل اختبارات الحياة الإنسانية بكل ما فيها من تجاربٍ وأوجاعٍ وآلام. حينما كان إنسانًا قام بدور الإنسان، ووُلد فقيرًا، ومات موت الخزي والعار.
يعلمنا الكتاب المقدس أن خطة الله قد تكون بعيدة عن أفهامنا: "لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لأنه كما علت السماوات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم." (إشعياء 8:55-9) وفي نفس المعنى كتب بولس إلى الكنيسة في رومية: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء." (رومية 33:11)
ومع أن الكتاب المقدس قد كشف لنا عن كيفية إتيان الشر إلى العالم وسببه، إلا أنه لم يكشف لنا عن لماذا سمح الله بذلك أن يحدث، ومع ذلك فإننا نعلم يقينًا أن الله كلي الحكمة وكلي المعرفة، وأن لديه من الأسباب ما يجعله يسمح لهذه الأشياء أن تحدث، وهي أسباب قد تكون بعيدة عن فهمنا وإدراكنا.