هذا الوصف الرائع لفيزيولوجيا الجسم البشري كما رأينا كان له الحيّز الأوفر في الكلمة الإلهية التي وصفت جسم الإنسان وأعضائه بدقّةٍ متناهية في رؤيا النبي حزقيال. يقول الكتاب:
"كَانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ، فَأَخْرَجَني بِرُوحِ الرَّبِّ وَأَنْزَلَنِي فِي وَسْطِ الْبُقْعَةِ وَهِيَ مَلآنَةٌ عِظَامًا، وَأَمَرَّنِي عَلَيْهَا مِنْ حَوْلِهَا وَإِذَا هِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا عَلَى وَجْهِ الْبُقْعَةِ، وَإِذَا هِيَ يَابِسَةٌ جِدًّا. فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ آدَمَ، أَتَحْيَا هذِهِ الْعِظَامُ؟ فَقُلْتُ: يَا سَيِّدُ الرَّبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ. فَقَالَ لِي: تَنَبَّأْ عَلَى هذِهِ الْعِظَامِ وَقُلْ لَهَا: أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْيَابِسَةُ، اسْمَعِي كَلِمَةَ الرَّبِّ: هكذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِهذِهِ الْعِظَامِ: هأَنَذَا أُدْخِلُ فِيكُمْ رُوحًا فَتَحْيَوْنَ. وَأَضَعُ عَلَيْكُمْ عَصَبًا وأَكْسِيكُمْ لَحْمًا وَأَبْسُطُ عَلَيْكُمْ جِلْدًا وَأَجْعَلُ فِيكُمْ رُوحًا، فَتَحْيَوْنَ وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. فَتَنَبَّأْتُ كمَا أُمِرتُ. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتنَبَّأُ كَانَ صَوْتٌ، وَإِذَا رَعْشٌ، فَتَقَارَبَتِ الْعِظَامُ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى عَظْمِهِ. ونَظَرْتُ وَإِذَا بِالْعَصَبِ وَاللَّحْمِ كَسَاهَا، وبُسِطَ الْجِلْدُ علَيْهَا مِنْ فَوْقُ، وَلَيْسَ فِيهَا رُوحٌ." (حزقيال 8-1:37)
نرى في الفيزيولوجيا البشريّة حكمة الله في تكوين الإنسان وذلك في صلاة المرنّم في سفر المزامير حيث يتكلّم عن الكِلى والعظام وسائر الأعضاء التي هي في عِلم الله وقصده. "لِأَنَّكَ أَنْتَ ٱقْتَنَيْتَ كُلْيَتَيَّ. نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ ٱمْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذَلِكَ يَقِينًا لَمْ تَخْتَفِ عَنْكَ عِظَامِي حِينَمَا صُنِعْتُ فِي ٱلْخَفَاءِ، وَرُقِمْتُ فِي أَعْمَاقِ ٱلْأَرْضِ. رَأَتْ عَيْنَاكَ أَعْضَائِي، وَفِي سِفْرِكَ كُلُّهَا كُتِبَتْ يَوْمَ تَصَوَّرَتْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهَا." (مزمور 16-13:139) يتحدّث داود بلغة شعرية عن جنين ينمو بحسب تعليماتٍ كأنّها مكتوبة مُسبقًا في "سفر"، أي في كتابٍ أو مخطَّط. ومن المدهش أنّ كلماته هذه دُوِّنت منذ حوالي 3000 سنة! كما أنّ الكتاب يتحدّث عن تكوين جسم الإنسان وكيفية الولادة الطبيعيّة: "قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيًّا لِلشُّعُوبِ." (إرميا 5:1)
بالرغم من هذه الاكتشافات المذهلة والحقائق العلمية الرائدة، إلا أنّ المبادئ الأساسية لعِلم الوراثة الهام لم تُكتشف حتى سنة 1860 تقريبًا بفضل جهود عالِمِ النبات النمساوي غريغوري ماندل (Gregory Mendel). ومؤخرًا في نيسان 2003، توصَّل الباحثون أخيرًا إلى اكتشاف تسلسل الجينوم البشري، الذي يتضمّن كل المعلومات الوراثية اللازمة لتكوين جسم الإنسان. ويشبِّه العلماء هذه الشيفرة الوراثية الكيميائية بقاموس مليء بكلماتٍ تتألّف من أحرفٍ أبجدية معيّنة! وهذه الكلمات تُشكِّل التعليمات الوراثية، وعلى أساسها تنمو أعضاء الجنين، كالدماغ والقلب والرئتين والأطراف، بالترتيب الدقيق والتوقيت الصحيح. لذا صدق العلماء حين وصفوا الجينوم بأنه "كتاب الحياة". فكيف استطاع الملك داود، مثلًا، أن يكون دقيقًا إلى هذا الحدّ في كلامه منذ أيام القِدَم (مزمور 139)؟
من منظور آخر للجسم البشري، حتى شعور رؤوسنا مُحصاة وهي في عِلم الله كما يُعلِّم الكتاب:
"وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحَتَّى شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ." (متى 30:10) "وَلكِنَّ شَعْرَةً مِنْ رُؤُوسِكُمْ لاَ تَهْلِكُ." (لوقا 18:21) في سفر اللاويين يُحدّثنا الكتاب أيضًا عن الدم والدورة الدمويّة، أي منذ حوالي 3000 سنة قبل أن يكتشفها العِلم الحديث. من الثابت والمعروف علميًّا أنّ الدم يحمِل الماء والغذاء إلى كل خليّة، ويُحافظ على درجة حرارة الجسم، ويزيل النفايات والسموم من خلايا الجسم، كما يحمل الأوكسجين من الرئتين إلى جميع أنحاء الجسم وأعضائه. في عام 1616، اكتشف العالِم وليام هارفي (William Harvey) أنّ الدورة الدمويّة هي العامل الرئيسي في تأكيد واستمرارية وجود الحياة الماديّة، الأمر الذي عرّف عنه الكتاب منذ القِدم: "لأَنَّ نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ." (لاويين 11:17)
بالإضافة إلى فكر القدماء من الأنبياء في عِلم الفيزيولوجيا وتكوين الجسم، نرى بحثًا مطوّلًا لحكيم الكتاب المقدّس يصِف فيه الشيخوخة التي طالما يحاول العِلم الحديث أن يجد أجوبةً لأسبابها وكيفية تأخير حدوثها. أما الكتاب فيتكلّم عن التقدُّم بالسنّ بإسهابٍ رائع واضعًا الأسس التي من خلالها يؤدي الجسم وظائفه بتقنيةٍ وكفاءة حتى الرمق الأخير. يستخدم سليمان التصوير البيانيّ المعبّر عن التقدُّم في السنّ، بإدماج عناصر مأخوذة من بيتٍ متهدّم، ومن الطبيعة، ومن موكبٍ جنائزيّ، وذلك لكي يضاعف التشديد على طبيعة الانحلال الجسمانيّ الطبيعيّ (جامعة 1:12-8). نموذجيًا، الشبابُ هو زمن إشراق النور، أما الشيخوخة فزمان عتمة الغروب. أما اليدان والذّراعان التي تحمي الجسم، كما يحمي الحرّاس قصرًا، فترتجف في زمن الشيخوخة. والرِّجلان الشّبيهتان بعمودين داعمين، تضعفان، وكذلك الأسنان والعينان. وعندما يتكلّم عن الشفتين، يشير إلى قلّة الكلام وقلّة الأكل، حين يكون صوت المضغ منخفضًا. ويقلُّ النوم ويخفُّ السمع ويبدأ الشيبُ بالظهور، ويخفُّ عمل الجهاز العصبيّ وقدرة الدّماغ وضخُّ القلب للدّماء. جميع هذه الأفعال تصوّر الموت بوصفه مأساويًا وغير قابلٍ للإبطال والنتيجة الحتمية لنهاية الحياة بعد الشيخوخة.