عندما أقَدِّمُ بشارة الإنجيل للنفوس الهالكة، أوكّد دائمًا على أهمية قبول الرب يسوع المسيح مُخَلِّصًا شخصيًّا. ولكن، يا للأسف على من يرفض هذه الدعوة مُقدِّمًا أعذارًا واهية لا تزيد عن كونها رخصة يوقّعها السامع بنفسه لأجل الاستمرار في التلذُّذ بالخطيّة.
ولكي أوضِّح ما أقول، إليك بعض النماذج:
قال لي أحدهم: وجدتُ تناقضًا في عدد خيول سليمان بين سفرَي الملوك والأخبار!
يا للعجب! لقد قرأ الكتاب كلّه، وبقيت الخيول عقبة في طريقه! لكني قلتُ لذلك الشخص: إذا أجبتك من الكتاب وبرهنت لك أنه لا تناقض فيه إطلاقًا، هل ستقبل الرب يسوع مُخلِّصًا لحياتك؟ صمتَ ولم يُجب بشيء!
وقال آخر: فتاة عمياء، صمّاء وبكماء كيف ستسمع بشارة الإنجيل؟! عبارة ردّدها أحد الأشخاص كُلّما وُجِّهت إليه بشارة النعمة لقبول الرب يسوع. فكان أحد الإخوة الأفاضل يقول له: دعك من هذه الفتاة، الرب ينصفها، عليك بنفسك. ماذا ستفعل بخطاياك؟ فيا له من عذر كان يتمسّك به وكأنه مَهْرَبٌ من رسالة الخلاص.
إن جميع الأعذار لعدم قبول بشارة الإنجيل هي كحواجز يخترعها الإنسان الذي يريد أن يبقى في حدود كيانه (مدينة خطاياه)، ومن جهة أخرى هي كحجارة يرميها ليطرد يسوع الذي يريد أن يُخلّصه! وكأنّ لسان حاله يقول: ما لي ولك يا يسوع ابن الله العليِّ!
لقد أوضح الرب يسوع موضوع اختلاق الأعذار في مَثَلِ العشاء العظيم (لوقا 15:14-24)، فهناك نوعان من الأعذار اعتدَّ بها الناس الذين رفضوا دعوة العشاء.
الأعذار الظاهرية: هي المشغولية بأمور الحياة. بكلمات أخرى "ليس لديّ وقت!" وينطبق على أولئك مقولة جبران خليل جبران: "كل الأعذار كاذبة، من يريد يستطيع." حيث قال أحدهم: "اشتريت حقلًا وأنا مضطرّ أن أخرج وأنظره"! أليس صحيحًا أن ينظر الحقل أولًا ثم يشتريه ثانيًا؟ في أيامنا هذه، هل يُعقل أن يشتري أحد بيتًا ويدفع ثمنه ثم يذهب ليشاهده؟ أليس في هذا الكلام استغباء للنفس، أو كذب عليها؟!
والآخر الذي اشترى عشرة ثيران، حجّته أنه يريد أن يمتحنها. فهل من المعقول لرجل ذكي أن يشتري ثيرانًا ولا يعرف إذا كانت صالحة للعمل أم لا؟
شيء مُضحك جدًا، حتى أن الذي يشتري الدجاج المحلّي الحيّ في الشرق الأوسط، من أجل تربيته يأخذ معه حفنة من حبوب الحنطة أو الشعير ويضعها أمام الدجاجة، فإن أكلتها، فهي جيدة وليس فيها مرض... هل يُعقل أنه دفع ثمن عشرة ثيران ولا يعرف عنها شيئًا؟ يا لها من أعذار واهية كاذبة.
والأخير يقول إنه تزوّج، وكأنه تزوّج في ساعة الدعوة! أو أنه يتعلّل بآية من الكتاب المقدس تخصّ الزواج: "إذا اتّخذ رجل امرأة جديدة، فلا يخرج في الجند، ولا يُحمَل عليه أمرٌ ما. حُرًّا يكون في بيته سنة واحدة، ويَسُرّ امرأته التي أخذها." (تثنية 5:24)، ولكن هذه دعوة للفرح وليست دعوة للحرب!
العذر الكامن في القلب، هو إهانةٌ لصاحب الدعوة! فالقاسم المشترك في رافضي دعوة الفرح هو عدم محبتهم للشركة مع صاحب الدعوة، أي "يسوع"، لأنهم عرفوا بأنه يقبل خطاة ويأكل معهم (لوقا 1:15-2).
كما إنّ رفض الدعوة هو احتقار لصاحب العشاء، وصمت السامعين (لهذا المثل) دلالة على أنهم توبّخوا، لأنهم فهموا مغزى المثل، وكأنّ الرب شرح لهم معنى الآية المذكورة في إشعياء 2:65 "بسطتُ يديّ طول النهار إلى شعب متمرد." نعم، يا للمعاندين والمقاومين في هذه الأيام.
سؤالي لكل من لم يحصل على هبة الحياة الأبدية:
هل هناك عذر يمنعك من أن تأتي إلى الرب يسوع وتؤمن به إيمانًا قلبيًا لتنال الحياة الأبدية؟
إنّ تفاهة الأعذار تدلّ على وجود خطايا مُدلَّلة في القلب، لا يريد ذلك الإنسان أن يخسرها حتى ولو خسر حياته، ويعلم مصيره المحتوم الهلاك الأبدي.
أخي وأختي، صلاتي ألّا تختلق الأعذار الواهية لترفض دعوة الرب يسوع. إنها دعوة مجانية من قِبَلِهِ لأنه يُحبّك محبة أبدية، وبرهان محبته لك، أنه حمل خطاياك على الصليب، وسفك دمه الكريم لأجل تطهيرك من كل خطيّة، فلماذا لا تأتي إليه؟
محبته تُناديك... تعال إليه. روحه القدوس يُحاصرك ويقنعك، إنه وحده المُخلّص، وعمل المسيح فوق الصليب يجذبك، الله الآب يُرحب بك في ملكوته. كل شيء مُعدٌّ... قال يسوع على الصليب: "قد أُكمل." إنه يناديك: "ارجع إليّ... دعوتك باسمك، أنت لي..." فقط قل في قلبك: هأنذا يا ربي ومُخلصي. لا يطلب منك سوى قول الحكيم: يا ابني، أعطني قلبك. فافتح باب قلبك، لكي يخلق فيك قلبًا جديدًا ينبض بمحبة الله وسلامه، وتتدفق فيه الحياة الأبدية كينابيع ماء حيّ.
ربما ترى نفسك منبوذًا أو مهمّشًا... لكن هذه الدَّعوة هي لك. فجميعنا كالمساكين والمشوّهين والعرج والعمي، والذين ليس لهم شأن... يا لَفرحة أولئك الذين استجابوا للدعوة! لقد امتلأوا فرحًا بسماعهم للدعوة وابتهجوا بتلك الوليمة! حقًا، إن خلاصنا شبيه بوليمة فرح.
ها إنّ روح الله يحاصرك، ويلّح عليك، تعال إلى يسوع. لا تؤجل... إنه يريد أن يلزمك بالدخول، و "يوجد لك مكانًا" لفرح الخلاص والحياة الأبدية. لكن القرار لك؛ إما أن تقبل فتنعم بالفرح والحياة الأبدية، أو تختلق الأعذار من أجل متعة الخطايا الزمنية، لكن النهاية هي الهلاك الأبدي.
أتوسل إليك من أجل خلاص نفسك الثمينة بأن تُلبّي دعوة يسوع المسيح لك.