مؤلف كتاب سياحة المسيحي، يوحنا بنيان، قال: "يوجد رجاء لأعظم خاطئ يقرأ الكتاب المقدس، ويوجد خطر لأعظم قديس يهمل قراءة الكتاب المقدس."
وقد تبرهن صحة هذا القول من تاريخ الكنيسة على مرِّ العصور، خاصة في العصور الوسطى المظلمة. عندما أغلقت الكنيسة الكتاب المقدس في وجه الشعب، وجعلت قراءته قاصرة على رجال الدين فقط. وفي هذه الفترة من التاريخ سادت الفوضى، والفساد، والحروب الطاحنة، والمطامع المادية، وانحطت الأخلاق، وتحوّل الدين إلى تجارة داخل الكنيسة وخارجها. كما أن دخول السماء أصبح في يد رجال الدين، وبمال يُدفع ثمنًا نظير الحصول على ما يُسمّى صكوك الغفران التي تسمح للمرء بدخول السماء. هكذا عندما نهمل قراءة ودراسة كلمة الله الحية فإننا نتعرّض لأخطار كثيرة أذكر بعضًا منها هنا:
1 – الضلالات الفكرية
جاء جماعة الصدوقيين (وهم طائفة لا تؤمن بالقيامة) إلى الرب يسوع يسألونه عن قضية القيامة ليجربوه وسألوه: "يَا مُعَلِّمُ، قَالَ مُوسَى: إِنْ مَاتَ أَحَدٌ وَلَيْسَ لَهُ أَوْلاَدٌ، يَتَزَوَّجْ أَخُوهُ بِامْرَأَتِهِ وَيُقِمْ نَسْلًا لأَخِيهِ. فَكَانَ عِنْدَنَا سَبْعَةُ إِخْوَةٍ، وَتَزَوَّجَ الأَوَّلُ وَمَاتَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسْلٌ تَرَكَ امْرَأَتَهُ لأَخِيهِ. وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ إِلَى السَّبْعَةِ. وَآخِرَ الْكُلِّ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ أَيْضًا. فَفِي الْقِيَامَةِ لِمَنْ مِنَ السَّبْعَةِ تَكُونُ زَوْجَةً؟ فَإِنَّهَا كَانَتْ لِلْجَمِيعِ!» فَأَجَابَ يَسُوعُ وقال لهم: «تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللَّهِ. لأَنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ، أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ القائل: أَنَا إِلَهُ إِبْراهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ اللَّهُ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ." (متى 24:22–32)
لنلاحظ العبارة "تضلّون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله." فالجهل بكلمة الله يقود إلى الضلالات، والانحرافات، والخرافات، والتطرّف، وأعمال السحر، والشعوذة حيث لا يكون هناك أساس قائم على كلمة الله لصدّ مثل هذه الضلالات فيعيش الإنسان في وهمِ معرفة الحق وهو يضلّ نفسه ويخدعها. "من ازدرى بالكلمة يخرب نفسه، ومن خشي الوصية يكافأ." (أمثال 13:13)
2 – الحياة الضبابية
نقرأ في إشعياء 20:8 هذه الكلمات "إلى الشريعة والشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر!" أي لا يطلع لهم نهار. وكما نعلم أن الفجر نوره غير واضح، فيقع الفجر بين ظلمة الليل ونور النهار. هكذا كل من يهمل دراسة كلمة الله يعيش الحياة الرمادية، لا هو نور ولا هو ظلام، وحياته غير واضحة. فكلمة الله هي نور: "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي." (مزمور 105:119) وكذلك "الوصية مصباح، والشريعة نور." (أمثال 23:6) فكلمة الله تنير القلب، وتجدّد الذهن، وتصحّح المسار الخطأ في حياتنا. وأيضًا تجعل حياتنا شفّافة وواضحة لأنها نور كما قال الرب يسوع المسيح: "فليضئ نوركم هكذا قدّام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات." (متى 16:5)
3 – السبي والعبودية
"لذلك سُبِيَ شعبي لعدم المعرفة، وتصير شرفاؤه رجال جوعٍ، وعامّته يابسين من العطش." (إشعياء 13:5) من يهمل دراسة كلمة الله يقع في مصيدة إبليس بسهولة، لأن ليس له أسلحة دفاعية مثل "سيف الروح الذي هو كلمة الله"، التي استخدمها المسيح في صدّه للشيطان في تجربته على الجبل. عندما نهمل كلمة الله ونستخفّ بها نتعرّض للوقوع في سبى الخطية، والشهوات، ومحبة المال، والمشغولية. المحامي البارع هو الذي يدرس القانون جيّدًا لكي يدافع عن القضايا ويكسبها، وهكذا الذي يدرس كلمة الله، ويحفظها، وبها يصد إبليس المشتكي علينا ويهزمه.
4 – المشاكل العائلية
ذكر الرب يسوع المسيح في ختام الموعظة على الجبل تشبيهين عن البيت الذي يصمد أمام عواصف الزمن والبيت الذي ينهار ويسقط:
"فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هَذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هَذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُلٍ جَاهِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذَلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا!" (متى 24:7–27)
فالبيت الذي يهمل الكتاب المقدس وتوجد فيه كلمة الله مختومة ومهملة، بيت هشّ معرّض للسقوط والانهيار، وتكثر فيه المشاكل والمشاجرات بين الأزواج والوالدين والأبناء، وقد يخرب البيت بالطلاق، فيتشرّد الأولاد ويضيعون في متاهات العالم. أما كلمة الله المقروءة تحفظ البيت من السقوط وتبنيه على المحبة، والتسامح، والخضوع، والطاعة، وتحفظه متماسكًا حتى في أحلك الظروف.
5- الارتباكات الحياتية
استقبلت مرثا الرب يسوع في بيتها، لكنها ارتبكت بأعمال كثيرة، بينما جلست أختها مريم عند قدمي يسوع لتسمع كلامه. ثم جاءت مرثا وهي متعبة ومرتبكة إلى الرب يسوع تلومه وتنتقد أختها: "وَأَمَّا مَرْثَا فَكَانَتْ مُرْتَبِكَةً فِي خِدْمَةٍ كَثِيرَةٍ. فَوَقَفَتْ وَقَالَتْ: «يَا رَبُّ، أَمَا تُبَالِي بِأَنَّ أُخْتِي قَدْ تَرَكَتْنِي أَخْدِمُ وَحْدِي؟ فَقُلْ لَهَا أَنْ تُعِينَنِي!» فَأَجَابَ يَسُوعُ وقال لها: «مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلَكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا." (لوقا 40:10–42) وكأن يسوع يقول لها: يا مرثا، كان يجب أن تأتي وتجلسي مع أختكِ لتسمعي كلامي أولًا. فهذا كان يحفظك من الاضطراب والارتباك بهذا الشكل. إن إهمال الجلوس عند قدمَي الرب مع الكتاب المقدس لنسمع كلامه يوميًّا يجعلنا بلا سندٍ وبلا وسادات نضع عليها رؤوسنا فنطمئن ولا نرتبك ولا ننزعج لأننا نستند على كلمة الله ومواعيده الصادقة التي تملأنا بالثقة والرجاء وتخرجنا من أزماتنا. لكن إهمال الخلوة ودراسة الكلمة تزيد الضغوط، والاضطراب، والقلق، والتوتر، والارتباك، والتعب النفسي في حياتنا بالإضافة إلى زيادة سوء العلاقات مع الآخرين.
يحذر الرب شعبه من إهمال كلامه فيقول: "لِذَلِكَ كَمَا يَأْكُلُ لَهِيبُ النَّارِ الْقَشَّ، وَيَهْبِطُ الْحَشِيشُ الْمُلْتَهِبُ، يَكُونُ أَصْلُهُمْ كَالْعُفُونَةِ، وَيَصْعَدُ زَهْرُهُمْ كَالْغُبَارِ، لأَنَّهُمْ رَذَلُوا شَرِيعَةَ رَبِّ الْجُنُودِ، وَاسْتَهَانُوا بِكَلاَمِ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، وَمَدَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ، حَتَّى ارْتَعَدَتِ الْجِبَالُ وَصَارَتْ جُثَثُهُمْ كَالزِّبْلِ فِي الأَزِقَّةِ. مَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ." (إشعياء 24:5-25)
وفي إرميا يقول: "اِسْمَعِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ: هَئَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى هَذَا الشَّعْبِ ثَمَرَ أَفْكَارِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَصْغَوْا لِكَلاَمِي، وَشَرِيعَتِي رفضوها." (إرميا 19:6)
ويضيف في هوشع قائلًا: "قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لاَ تَكْهَنَ لِي. وَلأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ أَنْسَى أَنَا أَيْضًا بَنِيكَ." (هوشع 6:4)
عزيزي القارئ، لنرجع إلى الشريعة والشهادة وندرس كلمة الله يوميًا لأنها خبز الحياة التي نحيا بها.
أختم كلامي بما بدأته بقول يوحنا بنيان: "يوجد رجاء لأعظم خاطئ يقرأ الكتاب المقدس، ويوجد خطر لأعظم قديس يهمل قراءة الكتاب المقدس."
لذلك افتحْ كتابك المقدس وصلِّ قارئًا، واقرأ مصلّيًا، وخبّئ كلام الله في قلبك حافظًا وعاملًا.