أينما تلفَّتَّ من حولك في تلك الجزيرة تؤخذُ بالطبيعة الساحرة والزاخرة بكل ما هو جميل وباهر. وكيفما تمشَّيتَ تجذبك مناظر أشجار النخيل الباسقة التي تتمايل بكل حسنها وقامتها الميساء.
وعلى بعدٍ بسيط ترى المحيط الواسع الأطراف يتلامسُ مع شطآن الرمل الناعمة بهدوء عبرَ موجاته التي تعانق الأرض بين مدٍّ وجزر. وبينما أنت تتأمَّل مأخوذًا ومندهشًا بجمال الطبيعة، يفيض قلبك بالشكر والحمد لربِّ الطبيعة وخالقها. وتسجد خشوعًا واعترافًا بقدرته الفائقة، وتصميمه الرائع الذي صنعه كلَّه لأجل الإنسان تاج الخليقة كلها.
والشيء المميّز الذي لفتَ نظري بينما كنا نتمشّى أنا وزوجي في تلك الشوارع المليئة بساحات واسعة من الأشجار المزروعة، هو نوعيّة هذه الأشجار التي لم نرَ مثلها قطّ. فمثلًا كانت الشجرة المزروعة في وسط باحة الأوتيل الذي أقمنا فيه، أثناء عطلتنا مؤخرًا في هاواي، قد زُرعت هناك خصيصًا كيما تجذبَ أنظار الزائرين والنزلاء حتى إنَّ النَّزلَ سُمِّي باسمها. فشجرة Moana Banyan "موانا بانيان" زُرعت في العام 1904، وقام بزراعتها جيراد سميث. أما أصولُ هذه الشجرة فترجع إلى الهند، حيث زُرعت أول مرة في جزيرة ماوي للاحتفال بخمسين عامًا على قدوم المرسَلين البروتستانت إليها. وهي الشجرةُ الأكثرُ اتساعًا وكبرًا في الجزيرة وتُعرف بتفرُّع جذورها الغريب. إذ تتفرَّع الجذور من الأغصان وتنزل إلى الأرض لتنمو كساقٍ جديدة للشجرة ذاتها. ممَّا يؤدي إلى وجود سيقان عديدة حول الساق الأصلية التي تحمل الشجرة كلَّها. ويقال إنَّها تنتمي إلى فصيلةِ شجرة التين. أليست هذه الخليقة عجيبةً حقًّا؟
نعم صديقي، دروبٌ من السِّحر الخلّاب أينما تلفّتَّ وكيفما تطلّعت. ولا يزالُ بعض الناس يعتقدون أنَّ كل ما نراه من حولنا هو صدفةٌ صدفة. وما انفكّوا ينسِبون إلى كلّ من يؤمن بوجود خالقٍ الجهل وعدم المعرفة. ولا يسعني إلا أن أقول في هذه المدوّنة بأنَّه يعوزني إيمانٌ، كيما أصدِّق بأنَّ كلَّ ما حولي هو محضُ الصدفة، أكبرُ بكثير من تصديقي بأنَّ الطبيعة وكلَّ ما يحيط بنا من روائع ومناظر هي من صنع صانعٍ ماهر وخالق مبدع، ومصمِّم بارع ليس له مثيل.
ألم يقلْ صاحب المزامير هذه الكلمات عن أن الطبيعة نفسها تشهد لعظمته ومجده؟
"السماوات تحدِّث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه. يومٌ إلى يومٍ يذيع كلامًا، وليلٌ إلى ليلٍ يبدي علمًا. لا قولَ ولا كلام. لا يُسمع صوتُهم. في كل الأرض خرج منطقهم، وإلى أقصى المسكونة كلماتهم. جعل للشمس مسكنًا فيها... من أقصى السماوات خروجُها، ومدارها إلى أقاصيها، ولا شيءَ يختفي من حرِّها." (مزمور 1:19-6)
لم يوحِ الروحُ القدس للنبي داود بأن يكتب هذه الكلمات فحسب، بل تكلم أيضًا على فم نبيِّه إشعياء عن هذا الإله القدير فقال: "لأنه هكذا قال الرب: [خالق السماوات هو الله. مصوِّر الأرضِ وصانعها. هو قرّرها. لم يخلقها باطلًا. للسكنِ صوّرها. أنا الرب وليس آخر... إلهٌ بارٌّ ومخلِّصٌ. ليس سواي. التفتوا إليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأني أنا الله وليس آخر." (إشعياء 18:45 و21-22) إذن هذا الإلهُ الخالق وحده وليس آخر، هو البار والمخلّص. لذا يقول التفتوا إليَّ واخلصوا. هو الخالق وهو المبادر إلى خلاصِ وإنقاذ كلِّ مَن يأتي إليه بالإيمان بالفادي الرب يسوع المسيح ابن الله الوحيد.
وأختم بذلك تأمُّلي هذا لأقول: تحتاج يا صديقي إلى إيمان أعظم بكثير لكي تصدّق أنَّ كل ما حولنا صدفة، وأننا نحن بالذات تطوَّرنا من قردة إلى أناس عاقلين خلَّاقين مع مرور أحقابٍ كبيرة من الزمن! فكرة جديرة بالتفكير...
