Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخ جوزيف عبدوفي رحلته التبشيرية الثانية، وقعت للرسول بولس مع رفيقه سيلا أحداث غاية في الصعوبة،

فلا يمكنهما تجاوزها بقوّتهما الذاتية، ولكن الروح القدس الذي كان يقودهما، استثمر هذه الأحداث وأبطل مرارتها إذ جعلهما يقطفان ثمار خدمتهما الشاقة تلك، نفوسًا ثمينة لمجد الرب يسوع المسيح. ففي مدينة فيلبي حيث مكثا أيامًا يعظان بكلمة الرب، اجتازا في محنة قاسية حيث تعرّضا لمقاومة الأعداء وظلم الحكّام، وظلام السجن الداخلي، وقسوة السجان الذي ربحاه أخيرًا للمسيح بقوة شهادتهما، وظهور المزايا الإيمانية الرائعة في سلوكهما بكل جلاء ووضوح.
فبعد أن أخرج بولس روحًا شريرًا من جارية عرّافة أي "منجّمة"، يقول كاتب سفر أعمال الرسل: "فَلَمَّا رَأَى مَوَالِيهَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ رَجَاءُ مَكْسَبِهِمْ، أَمْسَكُوا بُولُسَ وَسِيلاَ وَجَرُّوهُمَا إِلَى السُّوقِ إِلَى الْحُكَّامِ. وَإِذْ أَتَوْا بِهِمَا إِلَى الْوُلاَةِ، قَالُوا: «هذَانِ الرَّجُلاَنِ يُبَلْبِلاَنِ مَدِينَتَنَا، وَهُمَا يَهُودِيَّانِ، وَيُنَادِيَانِ بِعَوَائِدَ لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْبَلَهَا وَلاَ نَعْمَلَ بِهَا، إِذْ نَحْنُ رُومَانِيُّونَ». فَقَامَ الْجَمْعُ مَعًا عَلَيْهِمَا، وَمَزَّقَ الْوُلاَةُ ثِيَابَهُمَا وَأَمَرُوا أَنْ يُضْرَبَا بِالْعِصِيِّ. فَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً وَأَلْقُوهُمَا فِي السِّجْنِ، وَأَوْصَوْا حَافِظَ السِّجْنِ أَنْ يَحْرُسَهُمَا بِضَبْطٍ. وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هذِهِ، أَلْقَاهُمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ، وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي الْمِقْطَرَةِ." (أعمال 19:16-24)
لقد ظنّ المشتكون على بولس وسيلا أن مسعى هذين المبشرين الغريبين قد فشل فشلاً ذريعًا، ولكن بعد مرور سويعات قليلة تغيّر الوضع كليًّا، فزال المأزق الصعب، وانبلج نور الفرج من وجه الرب. وكان لمزايا إيمانهما الراسخ بالرب قوّتها وأثرها الفوري على ذلك الضابط الروماني:

أولاً: سلام المؤمن
"وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ، وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا." (عدد 25) وذلك بالرغم من الجراح النازفة، والعضلات المتورّمة، والعظام المرضوضة، والأدهى من ذلك كله، الشعور بالظلم والقسوة والبغي والإهانة! ولا شك أن هذه الأمور يصعب احتمالها على الإنسان العادي، ولكن ذلك السلام وروح الاطمئنان أدّيا بهما إلى الفرح والتسبيح والشكر، الأمور التي هي هبة من رئيس السلام الرب يسوع الذي وعد قائلاً: "سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب." (يوحنا 27:14) كان الوضع مؤلمًا وحرجًا ولكن ما أعظم تلك الثقة التي جعلت بولس وسيلا يتمتعان بكل ذلك الهدوء رغم أن آمالهما بالنجاة كانت ضئيلة جدًا في نظر البشر. فقد وثقا تمامًا بوعد الرب القائل: "في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم." (يوحنا 33:16)

ثانياً- عون المؤمن
"فحدثت بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أساسات السجن وانفتحت في الحال الأبواب كلها. وانفكّت قيود الجميع." (عدد 26) قبل الزلزلة، كان أعداء الرسولين والذين اشتكوا عليهما قد فرحوا، وظنوا أن هذين المبشرين قد انتهى أمرهما إلى الأبد، ولكن فجأة تغيّر الوضع كليًا! فقد جاء العون من حيث لم يتوقع هؤلاء. أما بولس وسيلا فكانا ينتظران عونًا من القدير وليس من بني البشر مهما كانوا قادرين. ولسان حالهما كان يقول مع المرنم: "أرفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني. معونتي من عند الرب صانع السماوات والأرض." (مزمور 1:121) وقد جاء ذلك العون سريعًا من الذي وعد قائلاً: "لا تخف لأني معك. لا تتلفّت لأني إلهك. قد أيّدتك وأعنتك وعضتك بيمين بري." (إشعياء 10:41)

ثالثًا- تسامح المؤمن
"وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ حَافِظُ السِّجْنِ، وَرَأَى أَبْوَابَ السِّجْنِ مَفْتُوحَةً، اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، ظَانًّا أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا. فَنَادَى بُولُسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئًا رَدِيًّا! لأَنَّ جَمِيعَنَا ههُنَا!»" (أعمال 27:16-28) لقد عرف السجان جهة الصوت، لا بل عرف صاحب الصوت؛ فتزلزلت أكثر أعماق قلبه القاسي. لأن الذي صرخ هكذا لينقذه من الموت هو الشخص الذي أساء هو إليه وظلمه وآذاه كثيرًا وقيّده بقسوة ووحشية. لقد توقّع من بولس وسيلا أن يشمتا به، أو أن يتركاه لمصيره المحتوم، أو على الأقل أن يغسلا أيديهما المستدمية تبرّؤًا موقنين بأن الله انتقم لهما منه. فبولس حينما كان اسمه شاول الطرسوسي كان مؤمنًا بعقيدة العقاب إذ كان فريسيًا متعصبًا. وقد قاد عملية رجم استفانوس الصدّيق وكان يجرّ الكثيرين من المسيحيين إلى السجن والقتل لمجرّد أنهم يختلفون معه في العقيدة، ولكن ما أن تعرّف على الرب، حتى صار يحبّ أعداءه ويصلي لأجل الذين يسيئون إليه كما علّمه الرب. فالسجان كان قد سمع عبارات الصفح والغفران في صلاة الرسولين؛ إذ كانا رومانيين وكانا يتقنان اللغة اليونانية، أي لغته الأصلية. ولا شك بأن الرسالة قد وصلته كاملة، فهو لم يعتد أن يرى في سجنه مثل هذا النموذج من الناس. فقد صلى بولس وسيلا طالبَين البركة والغفران للذين أساءوا إليهما، ولخلاص هذا السجان القاسي. وإلا فمن أين لهذا الوثني أن يعرف شيئًا اسمه الخلاص كي يسأل من أجله؟ وفي العناصر التالية نرى التجاوب الصريح وقوة خلاص المسيح.

أ- الأحجية المصيرية
"فطلب ضوءًا واندفع إلى داخل، وخرّ لبولس وسيلا وهو مرتعد ثم أخرجهما وقال: "يا سيديّ، ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" (عدد 29 و30) وكأنه كان يحاجي أحجية عسرة الحلّ وكثيرة التعقيد. ولربما انتظر أن يسمع من بولس وسيلا عن المحلَّل والمحرَّم، وعن النجاسة والطهارة، وعن الصلوات والأصوام والإماتات، وتعذيب الجسد، وعن الذبائح والتقدمات والتضحيات، وعن أعمال الخير والحسنات، وعن القديسين والشفاعات...
فهو بحسب خلفيته الدينية يعرف عن الكثير من الممارسات والعبادات الوثنية المتعددة بحسب تعدّد الآلهة وتنوّعها. وهو بمقتضى عمله الوظيفي تعرّف على الكثير من الفرائض الناموسية والتقاليد الكثيرة التي كان اليهود يمارسونها. ولشدة دهشته لم يسمع عن هذا كله أو بعضه لا تصريحًا ولا تلميحًا، ولكن جواب أحجيته تلك "ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" كان سهلاً بسيطًا مختصرًا ومثيرًا!

ب- الجواب الشافي
"فقالا: آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك." (عدد 31)
لقد رأى في هذين المبشرَين ما يدعم كلامهما ويعطيه القوّة والمصداقية، لذا فقد كان عليه أن يسرع في اتخاذ قراره النهائي والمصيري قبل أن تفوت الفرصة. فلربما يُحكم على هذَين السجينَين في اليوم التالي بما يقطع علاقته التي أوصلته بهما. فالإيمان شيء قلبي يتمّ في داخل المرء، ولا يحتاج لكل تلك الإجراءات التي تخيَّل أن عليه ممارستها. فقد فهم أن الخلاص هو بالإيمان وحده.

ج- الدرس الوافي
"وكلّماه وجميع من في بيته بكلمة الرب." (عدد 32)
لا شك أن بولس وسيلا في اجتماع ما بعد منتصف الليل في بيت سجّان فيلبّي، شرحا للعائلة كلها حقائق الإيمان المسيحي مدعومة بالآيات الكتابية مثل: "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد." (أفسس 8:2-9) وكذلك فقد علّماهم عن الفداء بدم المسيح، وعن موضوع التوبة الحقيقية، وحياة الطاعة، والسلوك بالتقوى والقداسة ووجوب المعمودية بالماء كشهادة خارجية لحالة الموت عن الماضي والقيامة مع الرب في جدّة الحياة.. "فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسلهما من الجراحات، واعتمد في الحال هو والذين له أجمعون، ولما أصعدهما إلى بيته قدّم لهما مائدة وتهلّل مع جميع بيته إذ كان قد آمن بالله." (عدد 33 و34) والإيمان الصحيح يملأ القلب بالفرح ويدعو إلى الغبطة والتهليل.
عزيزي القارئ، هذه الحياة ميدان سباق له نهاية حتمية، إما بفوز مؤزَّر أو بخسارة لا تعوَّض، وكل من يسمع لدعوة الروح القدس ويفتح قلبه بإيمان لما تعلِّمه كلمة الله، لا بدَّ أن يجد المسرب الصحيح الذي يأخذه للوصول إلى الهدف الأسمى وهو الحياة الأبدية السعيدة مع الرب.

المجموعة: آب (أغسطس) 2019

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

94 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10624791